رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة صانع الدماء «1-2»


للإخوان قصة ولكل قصة نهاية وفى كل نهاية عبرة، ومن أراد أن يعتبر فليقرأ هذه القصة، تبدأ سطورها من ذلك الصبى الذى ولد فى بدايات القرن العشرين، ولسبب ما سماه أبوه «حسن البنا» أما الأب فهو أحمد عبد الرحمن الساعاتى، القادم من بلاد المغرب، يقول حسن البنا حين شب عن الطوق إن الأب ولد فى قرية شمشيرة وهى إحدى قرى مديرية الغربية...

... ولكن فى هذا الزمن لم تكن هناك أوراق أو سجلات حتى أن الأب استخرج لنفسه عندما كبر وقبل زواجه من أم حسن بدل فاقد لشهاد الميلاد وضع هو بياناتها وقال فيها إنه ولد عام 1884 فى قرية شمشيرة مديرية الغربية، ولكن الشيخ أحمد السكرى الوكيل الأول لجماعة الإخوان قال فى مقال كتبه عام 1947 إن والد أحمد قدم من المغرب إلى محافظة الغربية ومعه صغيره أحمد وزوجته ذات السحنة غير المصرية والأنف المقوس، حيث بدأ يعمل فى تصليح الساعات لذلك أطلقوا عليه لقب الساعاتى.

المهم أن الصغير حسن كبر وأصبح يافعاً ودخل فى مدارج الشباب ثم إذا به ينشىء جماعة الإخوان! ونمر على الأحداث سريعاً فأنا أكتب مقالاً لا كتاباً، وتعيش جماعة الإخوان منذ بدايتها فى صراع من أجل الحكم، تبدأ بالجلوس فى أحضان الحاكم ثم إذا بها تتنمر عليه ، حدث هذا فى عصر الملكية ثم مع بداية العصر الناصرى، حيث بدأوا شهر عسل ثم انقلب العسل حنظلاً، فكان أن تغلب عليهم عبد الناصر وجعل السجن مقرهم الوحيد.

وجاء هادم اللذات ومفرق الجماعات، الموت الذى لابد وأن يصيب كل حى، ومات عبد الناصر عام 1970 وذهبت دولة الرئيس عبد الناصر كما تذهب كل الدول، وأصبحت فى ذمة التاريخ، وخرجت إلى الدنيا دولة الرئيس أنور السادات، وكما تعود الرؤساء فى بلادنا حين يبدأون فإنهم يبحثون عن الجماهير، ويبحثون عن راية لهم يرفعونها تختلف عن راية من سبقهم، هكذا هم الفراعين، يمحون إنجازات من سبقهم ويقيمون مجدهم وكأنه لم يكن غيرهم، ولأن السادات كان أحد الفراعين الكبار الذين حكموا مصر فكان لابد وأن يحذو حذوهم، والفرعون الجديد حق له أن يبحث عن جمهور يقف معه ويؤيده ويقدم مشروعه للشعب، وليس هناك أمام السادات أفضل من جماعة الإخوان التى كتبت على مقرها الافتراضى «تحت الطلب» فقد كان الإخوان وقت تولى السادات فى السجون، وبعد مفاوضات مع حسن الهضيبى وعمر التلمسانى تم الإفراج عن الإخوان وفقاً لجدول زمنى، وكان الهضيبى أول من تم الإفراج عنهم وتلاه التلمسانى، وبدأت العلاقة الحميمة بينهما تأخذ مكانها فى التاريخ، كما أخذت تؤثر فى الجغرافية، فقد أطلق السادات على دولته دولة العلم والإيمان ليعطى انطباعاً سلبياً بأن دولة عبد الناصر كانت دولة الجهل والكفران، وفى دولة الإيمان التى يتولاها «الرئيس المؤمن» انطلقت جحافل الإخوان المؤمنين ضحية عبد الناصر إلى الجامعات والجوامع والجمعيات، وما كان السادات ليستطيع مواجهة الناصريين بغير الاستعانة بالقوة الجماهيرية للإخوان ـ وضع تحت العبارة السابقة خطاً - فجذبت الجماعة المؤمنة عدداً كبيراً من الشباب الذى كان يبحث عن شخصيته وهويته، وتحدثوا من فوق المنابر فكفَّروا عبد الناصر ودولته لأنه ولأنها أختلف واختلفت مع الإخوان وحبستهم وأعدمت بعضهم أثناء الصراع السياسى بينهما، وذهبوا إلى الجمعية الشرعية فأصبحت مثواهم حتى حين، ومن خلال مساجدها تحركوا فى كل ربوع مصر، كل ذلك كان قد تم بالاتفاق والسماح من الرئيس المؤمن أنور السادات، فهو يرغب فى هدم دولة عبد الناصر ليبنى دولته هو على أساس مختلف، وظل الود متصلاً بين الإخوان والسادات، وعملوا معه تحت سياسة الضوء الأخضر، هو يسمح لهم بالعمل، وهم يصدرون مجلتهم «الدعوة» وكفى الله المؤمنين شر الأحزاب والجمعيات المشهرة، فحين طلب منهم السادات أن ينشئوا حزباً اشترط عليهم أن يختاروا اسماً آخر غير إسم «الإخوان المسلمون» وألا يدخل معه فى الحزب كل أفراد النظام الخاص وعلى رأسهم الحاج مصطفى مشهوروالحاج أحمد حسنين وغيرهما، ولكن الإخوان رفضوا الشروط بل إن قرارهم أيضاً كان مبتنيا على سند من أن تغيير اسم الإخوان هو الموت ذاته، وقال وقتها الحاج مصطفى مشهور والدكتور أحمد الملط «ما كنا لنغير ما وضعه حسن البنا».

وبعد زيارة السادات لإسرائيل وما تلى ذلك من توابع أهمها اتفاقية السلام تعكر الماء بين السادات والإخوان، فالإخوان تعاملوا مع السادات على أنهم أصحاب فضل عليه، فهم الذين مهدوا له الطريق وآزروه ووقفوا معه فى مواجهة رجال عبد الناصر، فظنوا أنهم بذلك أمناء سر الحكم، وهذه الزيارة كانت صدمة لكل المصريين والعرب، والسادات صاحب سياسة الصدمات ما كان له أن يستأذن من أحد فى أمر اضمره فى نفسه حتى ولو كانوا أولى قربى، كما أنه لم يكن يعرف ما يسمى الحوار والنقاش والأخذ والرد، ومن تاريخ هذه الزيارة أخذت العلاقة الرومانسية الحميمة تتحول إلى عداء وترويع، فهم يناصبونه العداء ويدعمون سراً الجماعات الإسلامية الوليدة من رحمهم والتى أخذت طريق السلاح، وهو يروعهم فى خطبه، وأخذ التلاسن العلنى بين الطرفين يزداد حتى قال البعض تهكماً على هذا الشقاق «وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما» ولكن جمرة الخلافات اشتعلت وتمادت، فكانت الخاتمة يوم أن أصدر السادات قرارات اعتقالات سبتمبر والتى أخذ فيها من كل قبيلة رجالاً، وكان من قبيلة الإخوان العدد الأكبر من المعتقلين.

وذات يوم ثارت الحركة الإسلامية المسلحة «الجهاد» المدعومة والمولودة من رحم الإخوان ، بل والتى كان أعضاؤها فى بداياتهم ينتمون لهذا التنظيم الإخوانى العتيق،ولأسباب تنظيمية أصبحوا كيانا يحسبه الرائى مستقلاً وهو فى الواقع الظل لجماعة الإخوان، فكان أن اغتالت السادات بين جنوده، وحين كان الجالسون فى المنصة يظنون أن اللحظات التى تمر بهم سرمدية لا نهاية لها كانت أفواه الإخوان ـ وغيرهم ـ فى السجون تكبر لله لأن من حبسهم أخذه الموت الذى يأخذ كل حى.