رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التعليم وإدارة «التوهان»


قامت الدنيا ولم تهدأ للتراجع الحكومى عن قرار تخصيص درجات للسلوك والمواظبة لطلاب المدارس ضماناً لعودة المدرسة لتلعب دورها الطبيعى فى أن تكتمل عناصرها «طالب ومدرس وإدارة».. والحكاية لن أتعرض إلى مدى صواب القرار أو خطأ إصداره، ولكننى أحكى للقارئ العزيز تلك الحكاية .. فى مقابلة مع الدكتور حسين كامل بهاء الدين فى عز تمكنه من كرسيه الذى لم يغادره مدة هى الأطول فى تاريخ الوزارة، قال لى إن المشكلة تكمن فى أولياء الأمور والمناخ العام الإعلامى المقاوم لأى تغيير، وقدم لى مستنداً يؤكد أن هناك 18 ألف شهادة مرضية قدمها أولياء الأمور معظمها شهادات «مضروبة» حتى ليتفرغوا للذهاب إلى الدروس الخصوصية!!

فى ظل حالة التوهان وسوء التفاهم واللخبطة وسقوط الأقنعة وتبادل المواقع الحالية، بل وعبر كل أزمنة الرداءة والتراجع المعرفى والقيمى التى مرت علينا فى فترات بعينها من تاريخنا، لم يكن لدينا ــ وللأسف وحتى تاريخه ــ فيها معايير متعارف عليها لتقييم علمى محترم ومعتبر يمكن الاعتماد عليها لمتابعة وتقييم أداءهيئات أو مؤسسات أو أفراد أو جماعات، وإن وجدت تلك المعايير ووجدت الهيئات المنوط بها إدارة عمليات القياس، ومن ثم يمكن التقييم والتوصيف ومنح قبعات الاستحقاق لتولى أخطر المهام، فإن البعض منا ــ للأسف أيضاً ــ قد احترف بمهارة يتم توارثها من جيل إلى جيل  إجراء عمليات تستيف الأوراق وتوفيقالأوضاع بإعداد الملفات الشكلية، ولا مانع من أعمال الفهلوة أو التزييف والفبركة عبر آليات قد لا تخلو حقيقة من سلوكيات قد يشوبها الدجل والاحتيال، وبتجهيز مسرح العرض الرئيسى لأهل النفاق والفبركة والنصب، وعليه صرنا نمنحهم  قبعات الشهرة والمجد والتلميع الورنيشى وحق امتلاك نظم الجودة والاتقان، وزغردى ياللى مش غرمانه ــ  فى الواقع ــ غير ضياع مستقبل أمة!!  

أعتقد أن مشكلة تخلف وتراجع أدوات وآليات صياغة منظومة التعليم فى مصر تكمن بداية فى تصور غريب يعلن عنه كل قادم جديد لحمل حقيبة التعليم، حيث يتخيل أنه جاء ليصلح أحوال التعليم وحده، فهو الخبير والمنظر والباحث والمصلح الاجتماعى والنفسى والمدير والممول والمدبر والتربوى والمفكر والموجه والمدرس، ولم يدرك أى منهم للأسف أن مهمته هو دعوة كل هؤلاء واستدعاء خلاصة فكرهم وتجاربهم ونجاحاتهم، بل وإخفاقاتهم وأسبابها ..

أذكر أنه مع كل مرة كنت أزور معرض القاهرة الدولى للكتاب كل عام ــ على مدى الكثير من دوراته ــ كنت أبحث أولاً عن جناح المجالس القومية المتخصصة ــ وبشكل خاص فى زمن الضابط والإعلامى والمفكر الوطنى المنضبط الدكتور عبد القادر حاتم رحمه الله ــ للحصول على أروع دراسات وأبحاث شيوخ العلماء وأهل الفكر الوطنى المخلص أعضاء تلك المجالس وبشكل خاص فى مجال التعليم بكل مراحله، وهى مجموعة أبحاث ودراسات تم توثيقها فى مجلدات ضخمة تم إصدارها فى طبعات شعبية بأسعار زهيدة إلى حد أراها قد تبدو شكلاً غير لائقة بأسماء علماء كبار أفذاذ شاركوا فى تأليفها بتواضع وزهد رائع فى الحصول على غنائم أو شهرة أو حتى للحصول على مناصب عليا ...ورغم أن تلك المجالس كانت إداراتها حريصة على إرسال إنتاجها بشكل دورى إلى كل الوزارات للإفادة منها فى إدارة عمليات الإصلاح والتطوير، إلا أن أصحاب القرار فى تلك الوزارات ــ وبشكل خاص فى مجال التعليم ــ أهدروا كل فرص الإفادة منها وأعتقد أنها باتت الآن راكدة فى غرف مخازن الخيبة والندامة، أو تنعى حالها على أرفف مكتبات بعضهم من باب إدعاء المعرفة والثقافة والوجاهة الوظيفية !! وعليه، ظلت وزارات التربية والتعليم والتعليم العالى والبحث العلمى تعيش حالة من العشوائية والتوهان الإدارى والمهنى .. مرة نضم التربية والتعليم إلى وزارة التعليم العالى، ومرة أخرى نضم البحث العلمى للتعليم العالى ومرات تعود إلى الوزارات جميعها استقلالها ... أما القرارات الفوقية التى تم اتخاذها وتم التراجع عنها، ثم العودة بإقرار العمل بها ثالثة فحدث ولا حرج لسبب بسيط أن الوزارة يديرها الوزير ولا وجود لأى نظام مؤسسى محترم قابل للاستمرار والبناءعليه للتجويد والإضافة والتواكب مع تقدم أنظمة التعليم فى العالم المتقدم.