رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأحبار والأخيار بين تعاليم المقدس.. وفكر المفكر


من منا ينسى ذلك الخطاب المهم لرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى، خلال الاحتفالية التى أقامتها وزارة الأوقاف بمناسبة المولد النبوى الشريف، وقوله «مش معقول الفكر الإسلامى الذى نقدسه، يدفع بالأمة إلى أن تكون مصدر قلق فى الدنيا كلها...

... أنا لا أقول الدين ولكن أقول الفكر.. هناك نصوص وأفكار تم تقديسها على مدار السنين، أصبح الخروج عنها صعباً، للدرجة التى أصبحت فيها تعادى الدنيا كلها، يعنى 1.7 مليار يقتلوا 7 مليارات من أجل أن يعيشوا بأفكارهم، مش ممكن». وتابع السيسى: «هذا الكلام أقوله الآن أمام شيوخ الأزهر ورجال الدين، والله لأحاججنكم يوم القيامة أمام الله سبحانه وتعالى، على ما أقوله الآن، نحن نحتاج إلى ثورة دينية».

وفى الواقع، كان للخطاب وروعته فى المباشرة والذهاب بسرعة إلى الهدف بوعى ووطنية وبشكل غير مسبوق من جانب أى حاكم مصرى سابق له ردود فعل رائعة، ورغم أنه قيل فى مناسبة دينية إسلامية عظيمة، وفى ربوع الأزهر الشريف، إلا أننى أرى ــ وأعتقد معى كل وطنى حالم بدولة حديثة معاصرة ــ أن الخطاب موجه لكل المؤسسات الدينية بكل طوائفها، بل والثقافية والتعليمية والاجتماعية والحقوقية .. أن استفيقوا قبل أن يجتاح طوفان أزمنة الرداءة والتخلف كل الحدود والسدود، ولن نجد لحظتها من نقول لهم «والله لأحاججنكم يوم القيامة أمام الله سبحانه وتعالى».

والآن هل يمكن القول بعد إعلان نتائج المرحلة الأولى لانتخابات البرلمان أن هناك بشائر استجابة من المواطن المصرى الناخب عندما قرر الابتعاد عن مرشحى الأحزاب الدينية بعد أن تصور البعض منا أن هناك قوى فوقية غريبة تفرض وجودهم على الساحة وداخل معترك اللعبة السياسية، رغما عن أنف الخطاب الرئاسى والمطالبة بتغيير الخطاب الدينى، بل والدعوة إلى ثورة دينية، وأيضاً رغم أنف مواد الدستور التى ترفض بالأساس إقامة أحزاب دينية، فضلاً عن تجاهل وجود شهداء وضحايا تصرخ دماؤهم فى كل شبر على أرض مصر أن لا عودة لحكم جماعات العنف والشر والتديين والطائفية!!

فى مجال الخطاب الدينى المسيحى أعجبنى تولى مدير تحرير جريدة « الطريق والحق»المهندس «ثروت صموئيل» الدخول فى حوار مهم مع المجتمع بموضوعية وصراحة، يقول «عندما أتحدث عن تجديد الخطاب الدينى يأتى على ذهنى السيد المسيح، فأنا أرى المسيح أعظم من جدد الخطاب الدينى من حيث الشكل والمضمون. فمن حيث الشكل لم يقتصر خطابه على العظات الجهورية بل ضرب الأمثلة، واستخدم الطبيعة والأحداث من حوله كوسيلة إيضاح، وأقام الحوارات مثل حواره مع معلم اليهود نيقوديموس، وبطرس والسامرية وغيرهم.» ويضيف «ومن حيث المضمون، صنع المسيح ثورة هائلة فى التعليم قولاً وفكرًا وعملاً. كان دائمًا يبدأ حديثه بقوله: قيل لكم، أما أنا فأقول، وبهذا كان ينقض أحيانًا ويصحح أحيانًا أخرى ويكمل مرة ثالثة. وغيره كثير من المفاهيم البالية السائدة بخصوص المرأة والزواج والطلاق وفصل الدين عن الدولة «اعطوا ما لقيصر لقيصر»، ومارس ما علم به عملياً بأن اهتم بالإنسان حتى ولو على حساب الوصية، حتى أن قادة اليهود اتهموه بأنه يكسر الوصية ويصادق الخطاة والعشارين.».. ورغم أننى لست من بين الذين يحبذون الاستشهاد بالآيات والتعاليم المقدسة الداعمة لفكرة التجديد ونحن بصدد حشد الجهود لكى لاتقتصر الحدوتة على حالة حوار وصراع بين الأحبار والأخيار بين تعاليم المقدس وفكرِ المفكر، إلا أنه كان من الضرورى توجيه النظر إلى أن رموز الاستنارة فى المجتمع المسيحى يدركون أن الإصلاح والتجديد لابد أن يشمل الفكر الكنسى الاجتماعى والفلسفى، وإعادة الاعتبار للعقل والفكر المستنير لإدارة تلك المؤسسة العتيدة.. وللحديث بقية