رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النازيون فى البرلمان


نعم يا سيدى، نحن نعلم أننا لا نعيش فى قرية منعزلة عن العالم، ولكننا دولة ذات تاريخ وحضارة، هذا كلام معاد لاجديد فيه، ونعلم أيضاً أن بلادنا منذ أزمان تتعرض لمؤامرات لا يمكن إنكارها، فصراعات القوى فى العالم لها موازينها وخططها، هذا صحيح، لذلك نحن لأسباب كثيرة أصبحنا فى ذيل العالم، والذيل يمكن التلاعب به بسهولة، وأنت لا تستطيع أن تكون ذات قيمة فى العالم إلا بمقدار

ما تضيفه للحضارة الإنسانية...

... لذلك أخذت اليابان مكانتها فى العالم، وكذلك ألمانيا، بعد أن كانتا رماداً عقب الحرب العالمية الثانية، كلنا يعلم هذا ونعلم أيضا ما أصبحت عليه الصين ثم ماليزيا وكوريا وإندونيسيا، ولن ندخل الآن فى دروس التاريخ ولكننى أردت فقط أن أتحدث عن مصر التى نتمنى أن تكون «قد الدنيا» مصر هذه مرَّت بها لحظاتفارقة، حكمها محمد على وكان يدرك أنه لا يكفى أن يحصل على شرعية محلية لحكمه ولكنه بحث عن شرعية دولية ونالها، وحكمها جمال عبد الناصر بعد حكم ملكى له شرعية، ونال عبد الناصر شرعية محلية ولكنه بحث عن شرعية دولية ونالها، ثم حكمها الرئيس عدلى منصور بشرعية محلية خالصة، ووقفتالجماعة الإرهابية كأداة فى يد أمريكا على أمل أن يتم حجب الشرعية الدولية لحكم ثورة الثلاثين من يونيه، وقاومت مصر كلها تلك المحاولات حتى استطعنا الحصول على شرعية دولية لا جدال فيها بعضوية مجلس الأمن المؤقتة، كل هذا جيد ورائع، ولكن مخالب المؤامرة مازالت تنهش فى بلادنا، لذلك وقفنا كلنا مع خارطة الطريق، وتمت المرحلة الأولى وصدر الدستور المصرى مع ما فيه من المعايب، ثم أجريت انتخابات الرئاسة رغم انعدام المنافسة الحقيقية، والآن ينتظر العالم الانتخابات الحقيقية التى يتم فيها ترجمة إرادة الشعب فى صورة برلمان يتحدث بلسانه، وغيلان الإخوان تنتظر هفوة أو شبهة لتصنع منها جبلاً، وقانون الانتخابات للأسف الشديد يحتوى على معايب كثيرة لأنه بنى على الخوف!.

قوانين الخوف دائما باطلة، ليس بالضرورة أن يكون البطلان قانونياً، ولكن الأنكى والأشد هو «بطلان الرؤية» التى صنعت القانون، وأظن أن هذا الأمر يحتاج شرحاً مبسطاً، ولذلك سأتحدث عن بديهيات يعلمها رجال القانون، فبحر القانون الواسع الذى يبدو فى اتساعه كأنه بلا نهاية يسبح فيه أصناف مختلفة من المتخصصين، فهناك من وهبه الله القدرة على شرح القواعد القانونية، وهناك الذى يملك القدرة على تطبيق القانون على الواقع، لذلك تجد المحامى وأستاذ القانون والقاضي، كل واحد منهم لديه قدرة ما قد لا تتوافر لغيره.

وهناك مهمة أخرى أخالها أشد صعوبة من الأخريات هى «صناعة التشريع» وهى صناعة لها أهل الاختصاص، وقد لا يصلح أستاذ القانون الجامعى لصناعة تشريع وإنما يصلح لشرحه، وقد لا يصلح القاضى فى صناعة التشريع ولكنه بالضرورة سينجح فى تطبيقه، وأظن أن من صنع قانون الانتخابات قد لا يصلح لأى شيء فى القانون إلا صناعته! فالمشرع لا يُصدر القوانين إلا تلبية لضرورة تستلزمه، كما أن القانون لا يصدر إلا بعد دراسة الواقع الذى سيتم فيه تطبيق هذا القانون، والمشرع الذى صنع قانون الانتخابات كان لديه هواجس تؤرقه من تسلل الإخوان إلى البرلمان، فكان أن صنع قانوناً يسمح بتسلل الإخوان والسلفيين للبرلمان وبكثافة، عملاً بالمثل القائل: «اللى يخاف من العفريت يطلع له» لذلك كانت «رؤية» صانع التشريع أثناء وضع هذا القانون هى رؤية مُضَلَلة جعلته لا يرى أن فى مصر أحزاباً.

ولنا أن نعترف أن التجربة الحزبية فى مصر ضعيفة جداً، هل يعارضنى أحد؟ وأعترف أننا كلنا سبب هذا الضعف، فبدلاً من أن نقوم بتقوية الأحزاب ودعمها سياسياً وقفنا ننظر إليها شذراً ونمصمص شفاهنا ونحن نقول: «يالها من أحزاب ضعيفة مصابة بالأنيميا فى العضوية والكفاءات» ثم بعد هذا الاستهجان نولى ظهرنا للأحزاب، هكذا فعل صانع القانون، أعطى المقاعد الفردية أغلبية ساحقة، وجعل القوائم لأصحاب الرعاية، بعضها للمعاقين، وبعضها للنساء، وبعضها للشباب، وبعضها للعاملين بالخارج! وبعضها للأقباط، لا مانع! ولكن من يحتاج إلى الرعاية أصبح بهذا القانون هو «صاحب السعادة» الملك المتوج، ومع هذه الرعاية المتميزة من الدولة إذا بالقانون يعطى الحق لرئيس الجمهورية فى تعيين 5% منهم عدد لا يستهان به من النساء والأقباط! نعم يا سيدى أعرف أن الأحزاب من حقها أن تضع قوائم فيها تلك الفئات، ومن حق الأحزاب أيضا أن ترشح أفرادها على المقاعد الفردية، ولكن صانع القانون لم يستبصر ضعف هذه الأحزاب إما لأنها جديدة أو لأنها تعرضت لتجريف فى فترة حكم مبارك.

إلا أن أحداً فى مصر لا يملك مصباح علاء الدين الذى سيخلق لنا فجأة كفاءات من أصحاب الرعاية، ولكنه أمر قد تمر عليه أجيال ليكون واقعاً جديداً، لذلك فإن الإكثار فى القوائم من «أصحاب السعادة» هو فى الحقيقة معضلة تواجه كل الأحزاب لأن تلك الشخصيات كانت معطلة عن العمل العام، فضلاً عن أن بعضها لا ضرورة له على الإطلاق مثل العاملين فى الخارج! والقوائم التى ستضم تلك الشخصيات تحتوى على مائة وعشرين عضواً، منهم 98 لأصحاب الرعاية!.

كانت الأحزاب يحدوها الأمل فى أن تلقى ملحوظاتها على قانون الانتخابات عناية من الدولة، ولكن أحداً لم يقرأ، ومن قرأ لم يهتم، ومن اهتم أظنه نسى، ومع الملحوظات التى أوصلناها للرئاسة أقول فى نهاية الرسالة: المفروض أيها السيد الذى صنع هذا القانون أن تزيد أعداد القائمة بدلاً من مائة وعشرين إلى نصفعدد المجلس، على أن يتم فتح القائمة ليكون فى إمكانها ضم عدد كبير من الشخصيات العامة المنتمية للأحزاب، مع وجوب مراجعة مواقف الأحزاب الدينية مثل حزب «النور» وإلغاء ترخيصها لمخالفتها الصريحة للدستور، ولكن قطعت جهينة قول كل خطيب وبدأت الانتخابات، وأخشى أننا فى ظلها سنرى عدداً من الإسلاميين المهاويس وقد أصبحوا أعضاءً فى البرلمان من خلال المقاعد الفردية يقفون أمام الكاميرات فى اليوم الأول للمجلس يشيرون للعالم بعلامة رابعة النازية.