رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

باقى زكى يوسف البطل المنسى «2-2»


فى مقال الأسبوع الماضى تحدثنا عن نصر أكتوبر الذى تكاتفت حوله جميع السواعد للوصول إليه، فلقد شارك فى حرب أكتوبر المسلمون والمسيحيون وسالت دماؤهم واختلطت وامتزجت معاً بتراب الوطن فى ملحمة وطنية رائعة شهدت لوحدة هذا الوطن وترابط أبنائه على اختلاف أديانهم...

... وقد كانت عملية تدمير الساتر الترابى من أروع البطولات التى ظهرت فى هذه المعركة، وصاحب هذه الفكرة العبقرية الضابط المهندس المسيحى باقى زكى يوسف الذى كان برتبة مقدم آنذاك وتعتبر فكرة باقى زكى هى مفتاح نصر أكتوبر، ومن غيرها كان من الصعب اقتحام خط بارليف. 

وفى مقال اليوم نستكمل ما قاله اللواء باقى زكى فى أحد حواراته عن كيفية التفكير فى التخلص من الساتر الترابى: كان الجيش الاسرائيلى لا يزال فى مرحلة بناء الساتر الترابى الذى كان جزءاً حصيناً من خط بارليف الدفاعى، والعدو قام بتعلية هذه السواتر الترابية بتشكيلاتها القديمة والحديثة وأوصله إلى ارتفاعاتتصل إلى 12 أو20 متراً ارتفاع، وبعرض 8 إلى 12 متراً من السويس إلى بورسعيد، وأثناء مرورى بالقرب من هذه المنطقة، كنت أرى الساتر الترابى وهو فى مرحلة البناء، وبدأوا فى تعليته، وجعلوه مائلاً بنسبة 80 درجة حتى يتماشى مع قاع القناة، فأصبح بذلك مانعاً شديداً للغاية بعدما تم وضع ألغام ومفرقعات ومدافع داخله، فخطر على بالى فكرة، أنه لو كان الساتر الترابى فى أسوان، لكانت خراطيم المياه التى تجرف الرمال إلى قاع السد العالى ممكن أن نستفيد منها فى مقاومة هذا الساتر الترابى، وهذا كان أقصى تفكير لى،ويضيف: وفى مايو 1969 جاءتنا الأوامر بعبور قناة السويس، وفى أثناء جلوسى مع قائد الفرقة، عرضت فكرتى الخاصة بالساتر الترابى، وقام رؤساء العمليات بشرح الموقف كاملاً أمام الفرقة بتفاصيل شديدة الدقة، نشأته، طبيعته، مكوناته، التجهيزات الهندسية والقتالية الموجودة فيه، والتجارب التى يمكن إجراؤها للتغلب عليه، والتى كانت كلها نابعة من المدرسة الإستراتيجية العادية التقليدية العالمية، والتى كانت ستتم إما بالصواريخ أو المدفعية أو الطيران، وبتجربة كل هذه الطرق وجدنا أن المدة التى سنستغرقها فى فتح الثغرات فى الساتر الترابى ستكون ما بين 12 إلى 15 ساعة، دون وجود دبابات أو مدفعية تغطى الجنود، المشكلة كانت صعبة للغاية، علاوة على أن الخسائر التقديرية كانت على أقل تقدير قد تصل إلى 20 ألفشهيد على الأقل لحين إتمام هذه المهمة. 

والفكرة كانت بداخلى، ولكنها تفجرت فجأة بمجرد سماعى قدر الخسائر التى من الممكن أن يتعرض لها الجيش مع وجود احتمالية لخسائر كبيرة فى الأرواح، فأعلنتها لقائدى، أول ثغرة تم فتحها الساعة السادسة يوم 6 أكتوبر 1973 وفى تمام الساعة العاشرة مساء، نجحنا فى فتح نحو 60 ثغرة من الثغرات المقرر فتحها فى الساتر الترابى شرق قناة السويس وما يوازى نسبة 75% من الثغرات التى كان من المقرر فتحها والساعة 8 ونصف مساء يوم 6 أكتوبر عبر أول لواء مدرع من داخل معبر القرش شمال الإسماعيلية، فى توقيت مبكر عن التوقيت المقرر بكثير» وهكذا بفضل هذه الفكرة العبقرية تحقق لمصر النصر. 

وعن تكريمه يقول اللواء باقى زكى يوسف: «تكريمى الحقيقى كان عندما عشت اللحظة التى رأيت فيها فكرة من أفكارى تنقذ البلد، أنا لا أحتاج بعد كده ولا ورقة ولا شهادة، لأن ربنا أكرمنى جداً بفكرة الساتر الترابى، فبدلاً من أن يسقط 20 ألف شهيد عاد إلينا 20 ألف بطل، ربنا منحنى الفكرة ومنحنى حقى تماماً». تحية تقدير واجبة لأبطال حرب أكتوبر وتحية تقدير خاصة للواء باقى زكى يوسف البطل الذى لا يجب أن ننساه!!