رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حديث عن الحديث مع مُحَدِّث


وقعت بمحض المصادفة فى مواجهة مع رجل سلفي، فقال لى: ماذا تريد بالضبط؟! قلت: أريد أن نعود إلى النسخة الأصلية للإسلام.

قال عابثاً: وما الذى دعاك لخوض غمار السنة التى عليها أهلنا أهل السنة والجماعة، إن كانت لديك ملاحظات فاذهب بها إلى العلماء الكبار وهم سيقولون لك ما خفى عنك، ولا داعى لإثارة البلبلة بين العامة فنحن فى فترة حرجة لا تحتمل الفتنة! قلت مبتسماً: حسنٌ ولكن أترى لو أننى كتبتُ على منوال ما استقر عليه جمهور أهل الحديث فهل أكون قد أحسنت؟ أم يجب أيضاً أن أذهب لعلماء الحديث؟.

انتظر لعلك لم تفهم مقصدى، أقول لو كتبتُ ما عليه علماء الحديث مع بعض الرقائق التى تحبها، فهل يجب عليَّ أن أذهب للسادة العلماء كى أطرح عليهم ما سأكتبه؟ ليس بالضرورة طالما أنك ستسند ما تكتبه إلى أصحابه من أهل العلم، ياللعجب! أإذا كتبتُ متفقاً أكون قد أصبت، وإذا كتبتُ مختلفاً أكون قد صبأت؟! فلماذا دعانا الله إذن لتدبر القرآن فقال «أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها» وقال «أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا» ألا يكفينا وفق منطقك أن نقرأ تدبر ابن عباس وابن مسعود وابن كذا وكذا، ونقول لله لقد كفونا مؤونة التدبر، وعلى فكرة يا مولانا، التدبر هو التفكر على مهل وإعمال العقل، وهو أمر موجه من الله إلى كل الناس، وليس إلى فئة من الخاصة دون العامة.

قال مولانا السلفى: لا تنسى يا صديقى أن الأمة على كثرتها مع ما استقر عليه أهل الحديث، أليسوا هم عماد أهل السنة والجماعة، حتى الفقهاء قبل أن يأخذ الواحد منهم خطوة ناحية إعمال أدواته الفقهية فى النص «الحديثي» فإنه يعود لعلماء الحديث ليسألهم عن صحة هذا النص، فإذا صح عندهم خاض غمار الفقه وأعمل أدواته فيه، وإلا فلا، يجب أن تتبع يا أخى ما استقر عليه القدماء من الآباء والأجداد، فهل تظن أنك أنت الذى سيفهم ما لم يفهمه القدماء!.

قلت منطلقاً فى الحديث: اسمع منى يا مولانا، أنترك الأمة على فهم متعسف للدين؟ هل توافق تلك الأفهام التى جعلت الحديث مساوياً للقرآن، ومتوازياً معه بحيث يستكمله وينسخه! هل تعرف أن عدداً كبيراً من الجماعات قامت على أحاديث منسوبة للرسول صلوات الله عليه ما أنزل الله بها من سلطان؟ لا أظنك تتذكر سرقة محلات الذهب الخاصة بالأقباط فى فترة الثمانينيات، ولا أظنكتتذكر جرائم الجماعات الإسلامية فى صعيد مصر عندما كانت تمارس السرقة والبلطجة وخطف الأقباط والمساومة عليهم بفدية، وأظن أن مثل هذا يحدث حالياً! هل تعرف أن الجماعات التى تمارس تلك الأفعال النكراء إنما تستمد فكرتها من حديثٍ منسوب لرسول الله صلوات الله عليه هو «بُعثت بين يدى الساعة بالسيف، وجُعل رزقى تحت ظل رمحى، وجعل الذل والصغار على من خالفنى» فجعلوا من نبينا المصطفى الذى هو رحمة للعالمين قاطع طريق، يسترزق بالسيف والرمح! إذا كان هذا يريح السادة العلماء فلنغلق الكتب ولنمزق الأوراق ولندع الفهم المتعسف للدين هو السائد مخافة أن نفتن الناس! إذا كان إغضاب علماء الحديث يروعكم، أفلا يقع فى قلوبكم مقدار خردلةٍ من خشيةِ الله، لعلماء الحديث أن يدافعوا عن أرزاقهم التى يكتسبونها من هذا العلم، فهم لم يضيفوا إلى علم الحديث شيئاً، ولكنهم أخذوه «نقل مسطرة» دون أى تصرف، وكأن الله أعطى القدماء عقولاً، وأعطاهم ماكينات تصوير مهمتها النقل فقط، ولكننا نحمد الله أننا لا نسترزق من هذه الأبواب، لذلك فإن الدين الصحيح هو ما نبغيه، والدين الصحيح ليس هو دين أنزله الله للخاصة وطلب منا أن نخفيه عن العامة! ولكنه دين كل الناس، العامة منهم والخاصة، بسيطهم ومعقدهم، فقيههم وخاملهم،ثم انتظر يا عم زغلول عن أى فتنة تتحدثون والدنيا من حولنا تموج بالفتن، لا أظنكم تخشون على أمتكم من فتنة تبعد الناس عن دينها، وإلا لوقفتم جميعكم ضد جماعات التطرف والإرهاب والخيانة، أنتم يا مولانا السلفى الفتنة بذات نفسها، لا أرى إلا أنكم عن الجمود تبحثون! وداخل جبيرة جبس صُنعت فى القرون الأولى تضعون دينكم.

وحتى تهدأ يا مولانا سأقفز بضع خطوات لتفهم وليفهم عشرات الأصدقاء الذين ناقشونى ماذا أريد، لا أحد من الممكن أن ينكر الحديث الصحيح، ولكن ما معيار الصحة؟ هل السند فقط، أم أن المتن هو الأولى للحكم على صحته؟ ثم ما وظيفة الحديث؟ طبعا أنتم تدركون أن المتن هو موضوع الحديث، والسند هو سلسلة البشر الذين رووا الحديث إلى أن تم تدوينه كتابة فى القرن الثانى الهجرى، ولأنكم تعرفون أن الله سبحانه وتعالى قال فى كتابه الكريم «ذلك الكتاب لا ريب فيه» إذن فإن كل كتاب بعد كتاب الله فيه ريب، لذلك فلا ريب أن البخارى ومسلم وأصحابهما فى كتبهم ريب، وتعرف أيضاً من تدبرك للقرآن أن الله قال «وأنزلنا إليك الذكر لتُبين للناس ما نُزِّل إليهم ولعلهم يتفكرون» إذن تكون وظيفة الحديث تابعة للقرآن لا مكملة له أو ناسخة لأحكامه أو مختلفة مع نصه، فإذا وجدنا من حيث الموضوع حديثاً ثبت صحة سنده ولكن متنه قال «الواءدة والموؤودة فى النار» فإن لنا أن نرفضه بقلب مطمئن لأن الله العادل الرحمن الرحيم قال فى القرآن «وإذا الموؤودة سُئلت بأى ذنب قُتلت» ولا تقل أبداً إنه من الممكن أن نبحث عن تبرير لدخول الموؤودة النار، أو تقول: «معلهش تُدخل النار المَرَا دى والأجر والثواب على الله يا سيدنا علشان الحديث يبقى صحيح» فالنقل الصحيح، لا يمكن أبداً أن يخالف العقل الصريح.