رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا تأخذوا السيرة إلا من القرآن


نزل القرآن الكريم على الرسول -صلى الله عليه وسلم- نصاً مقدساً من لدن الله سبحانه وتعالى، ومرت السنون، وأخذت الدنيا من أخذت، وأخذ الموت من أخذ، وبقى القرآن ندياً يخبرنا عن الإسلام وعن رسول الله، قال لنا عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير، أتدرى ما قال؟ إن كنت لا تدرى فاعلم أن رب العزة قال وهو يخاطب سيدنا محمد صلوات الله عليه: «وإنك لعلى خلق عظيم» والخلق العظيم هو الذى يجمع المروءة والشهامة والنخوة والكرم وعفة اللسان والحياء، فإذا جاء لى بعد ذلك من يخبرنى أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سب رجلاً من الكفار وشتمه وأغلظ له القول، أو أنه حرَّض على اغتيال فلان من الكفار غيلة ودون أن يكون الكافر على أهبة الاستعداد للقتال! فلن أصدقه، أَأُكَذِب رب الناس، وأصدق رجلا من الناس لا أعرف ما الذى دعاه للانتقاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولن أصدق أى قولٍ من أى رجلٍ مهما كان قدره فى التاريخ، يقول إن الرسول كان فظاً، لأننى أصدق قول الله «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك».

أعرف من القرآن أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان حيياً، فكان يستحى من أصحابه، يخبرنا القرآن أن من أصحابه من كان يدخل بيته دون استئذان، فيؤذيه هذا، ولكنه كان يستحى منهم فلا ينهاهم عن هذا، ثم بعد أن يدخلوا ويأكلوا يمكث بعضهم فلا يخرج، والرسول يستحى منهم!حتى أنزل الله قوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبى إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذى النبى فيستحيى منكم والله لا يستحيى من الحق» فهل لى بعد هذا أن أصدق أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو بهذا الحياء كان يخبر أصحابه، أو خادمه أنس بن مالك، أنه كان يأتى زوجاته فى اليوم الواحد بغسل واحد!! كلا ورب العزة، ما هذا بقول الرسول ولا بفعله، صدق الله وكذب من نقل هذا عنه، هذا هو حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يحدثنى أحدهم عن أن الرسول كان يحكى لأصحابه كيف كان يجامع زوجاته.

هذا القرآن ما زال وسيظل ندياً بين أيدينا، يخبرنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسله الله رحمة للناس، كل الناس، فقال «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» وهذا هو الله يقول «وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين» فلا يخبرنى أحدهم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- اعتدى، أتريد منى أن أصدق أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- حمل سيفه وجاب الجزيرة من شرقها لغربها يُعمل القتل فى أهلها إلا أن يتبعوا الإسلام؟! أتريد من الرحمة أن تقتل الناس لأنهم لم يؤمنوا! أتريد من الرحمة أن تغزو؟! فليقل الناس ما يريدون وليدَّعوا على رسول الله كما يشاءون، ولكن الرسول لم يذهب غازياً لأحد، بل كانت كل حروبه دفاعية، حاربه قومه فأخرجوا سيوفهم، وعذبوا أصحابه، فهاجر ولم يقاتل، فتعقبوه فى المدينة، فدافع ولم يعتد، وجمعوا القبائل يريدون استئصال الدين، فحفر خندقاً حول المدينة، وكان يستطيع أن يقاتل بالسيف، ألم يكن مؤيداً من الله رب العالمين؟! ولكنه بحث عن وسيلة لا يكون فيها أى عمل للسيف، معه أو ضده .

طلب الله منه أن يدعوهم فقط، وليس عليه هداهم، وليس له أن يشتد على نفسه فى سبيل ذلك، فقال له «فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر» وقال «ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» وقال معاتباً «لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين» أى لعلك تهلك نفسك من الجهد، وقال أيضاً «فلعلك باخعٌ نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا» وقال أيضاً «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» وقال أيضاً «لا إكراه فى الدين» فليس لأحد بعد كل هذه الآيات أن يقول لى إن الرسول قال إنه بعث بالسيف، أو أن الله جعل رزقه تحت ظل رمحه، أو أن الله أمره أن يقاتل الناس جميعاً حتى يكونوا مؤمنين، من سيقول لى ذلك سأضرب الصفح عن كلامه وسأرميه وراء ظهري، فلا هو إسلام ولا هو دين، بل هو كما يقول العامة فى الريف المصرى»كلام ابن عم حديث»! .

فإن قال لى أحدهم إن القرآن قال «وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً» وقال أيضاً «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله» وقال أيضاً «واقتلوهم حيث ثقفتموهم» وأخذ يقرأ لى آيات القتال الواحدة تلو الأخرى، سأقول له يا أخى إن القرآن ليس كتاباً نظرياً، ولكن نصوصه كانت تتفاعل مع الواقع الذى واجهه الرسول والمسلمون، ومن هذا الواقع أن الكفار جهزوا الجيوش، وأعدوا الأسلحة، وأكملوا العدة والعتاد، ثم ذهبوا بجيشهم وخيلهم ورجلهم ليعتدوا على رسول الله والذين معه، لذلك أجاز الله لهم أن يدافعوا عن أنفسهم، أفلا يدافع المسلمون عن أنفسهم مصداقاً لقوله: «وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم» فكل آيات القتال جاءت من باب الدفاع لا الاعتداء، وهى تحكى جزءاً من سيرة الرسول وهو يذود عن دينه وأصحابه، ولها أسباب نزولها، فإذا أردتم المقاربة بينها وبين حياتنا فاجعلوها كما نزلت، آيات للدفاع لا للقتال، واعلموا أن الله طالما قال، فقد صدق، وليس لأحد أن يقول ما يخالف قول الله إلا أن يكون كاذباً، قضى الأمر الذى فيه تستفيان.