رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«النمنم» وثقافة التنوير


«ومن حسن الحظ أن إسلامنا لا يجيز مماهاة ولا مضاهاة أى إنسان بالذات الإلهية، ويعد علماء الكلام ذلك من باب التأله على الله والشرك به، ربنا اغفر لهم فإنهم لا يعلمون.يجب ألا يفاجئنا ذلك، فالبيروقراطية والبيروقراطى المصرى أقوى من الرئيس ومن القانون ومن الدستور، البيروقراطية هى الدين الفعلى، العملى فى مصر.. إذا خلقك الله ذكراً، وأرادت البيروقراطية المصرية غير ذلك سجلك الموظف «أنثى»، وعليك أن تسعى سنوات وتدفع الرشاوى كى ترضى عنك البيروقراطية وتصحح خطأها وتتراجع عما قررته هى».. أعتقد أن تلك الفقرة من مقال كتبه «حلمى النمنم» وزير الثقافة الجديد، متحدثاً عن منصب الرئيس تُعد مؤشراً بقدر ما لأحد مفاتيح شخصية مثقف مستنير قارئ جيد للشخصية المصرية فى كل أبعادها، قريب من الإدارة المصرية ودواليب العمل الحكومى كباحث وممارس تقلد العديد من المناصب الحكومية، أيضاً هناك إشارة لباحث صاحب رؤية متفردة وجادة ومستنيرة فى قراءة تعاليم الدين ...

تقول سيرة حلمى النمنم، ولد عام 1959، تخرج فى كلية الآداب ــ قسم الفلسفة جامعة عين شمس 1982. التحق فور تخرجه بدار الهلال ليعمل بقسم التحقيقات بمجلة «حواء»، لينتقل بعدها إلى مجلة « المصور»، حيث تدرج حتى بلغ منصب رئيس التحرير، ورئيس مجلس إدارة، إسهامات حلمى النمنم، شارك فى تأسيس جريدة «الدستور». كما شارك فى تأسيس جريدة المصرى اليوم. اتخذت كتاباته موقعاً متميزاً فى مواجهة التأسلم السياسى. فكان كتابه الأول «جذور الإرهاب أيام سليم الأول فى مصر» الذى صدر عام 1995، الذى هاجم فيه الحكم العثمانى لمصر، رافضاً وصفه بالخلافة، واصفاً إياه، بدلاً من ذلك، بالغزو والاحتلال العثمانى. ثم كتبه المهمة المرجعية «وليمة الإرهاب الدينى»، «سيد قطب وثورة يوليو»، «حسن البنا الذى لا يعرفه أحد». أذكر أن الكاتب حلمى النمنم كان من أهم من حذروا من عمليات الاستقطاب الفئوى والدينى والمذهبى والفكرى، على سبيل المثال وفى مقال مهم قديم له بعنوان «الدرس القبطى».. كتب «وجدنا عدداً من الشخصيات القبطية يرفضون الدعوة للاجتماع بالسيدة هيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، يوم الأحد الماضى، بناء على موقف يرى أن المسئولين الأمريكيين حين يلتقون بالإخوان وحدهم ثم بالسلفيين وحدهم وبعدهم الأقباط وحدهم أيضاً، فهذا يعنى تفريق قوى المجتمع وتقسيمه على قاعدة طائفية، وأرادوا أن ينقلوا رسالة واضحة بأنهم يرفضون الاستقواء بالخارج والاحتماء به.

وبالتالى فهم ضد مفهوم الحماية الأجنبية، وكانت السيدة كلينتون قد تحدثت أكثر من مرة عن توقعها أن يتمتع الأقباط بحقوقهم فى ظل الرئيس الجديد. ذلك هو الموقف القبطى الوطنى تاريخياً، وهو موقف متوقع ويستحق التقدير، وليت الذين هرولوا نحو بعض المسئولين الأمريكيين تذكروا ذلك المعنى، لكن الطابع البراجماتى وربما الانتهازى يغلب أحياناً كثيرة، خاصة على الأكثر تشدداً فى الأفكار والآراء المعلنة، وصل الأمر أن وجدنا بعض القيادات يرفضون الوقوف أثناء عزف السلام الوطنى المصرى، بينما يقفون إجلالاً للسلام الوطنى الأمريكى. وفى جو الاستقطاب الذى يلبد حياتنا، لا مفر من الاعتصام بمبادئ وقيم المواطنة والوطنية التى تعلى من دولة القانون، لأننا إذا جررنا جميعاً إلى حلبة الاستقطاب فإن الصدام والصراع قادمان فى النهاية، وربما يكون بيننا من يسعى إلى ذلك ويفضله، ليكون أقصر الطرق من جانبهم لالتهام كل شىء والانفراد بالدولة أو إحداث حالة من الفوضى العارمة وإسالة دماء غزيرة لهدم كل شىء وإعادة البناء من نقطة الصفر ثانية، ذلك مصير مرهق ومكلف، قد نرى بدايته، لكن لا أحد يمكن أن يدرك نهايته ومآله...» الثقافة والتنوير وآليات دعمها باتت حلمنا المنتظر والمنشود يا كاتبنا الصحفى المستنير بدرجة وزير للثقافة، الكرة فى ملاعب وميادين العمل الثقافى، وفى انتظار الشروع فى تحقيق الحلم.