رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف أصنع هذا الشر العظيم ؟


«يوسف الصدّيق» كما ورد فى الكتاب المُقدس، أو «سيدنا يوسف» كما ورد فى القرآن الكريم، هو إنسان عاش فى قصر فرعون لكن فى قلبه سكنت محبة الله، فلم تتغير حياته ولم يشته طعام الملوك ولم ينزلق فى حياة ساكنى القصور، بل ظل أميناً للرب ولم يخش السجون ولا اتهامات الظلم. فأنقذه الرب من ظلم المتآمرين ورفعه لمكانة عالية فى قصر فرعون مصر. وفى مكانته هذه – لأنه إنسان بار – لم ينكر أخوته الذين حضروا إلى مصر، ولم يتذكر أنهم سبقوا وباعوه غيرة منه. هذا الذى – على مر الدهور – صار العالم كله يفتخر باسمه، فأطلقوا اسمه المبارك على أبنائهم وأبناء أبنائهم. ليس هذا فحسب بل صار اسم يوسف رمزاً للطهارة والاتضاع والأمانة وجميع القيم السامية والرفيعة.

أما فى أيامنا هذه فالذين يتم اختيارهم لتحمل مسئولية، مهما أقسموا، وبداخلهم الجشع والضعف وحب المال والجاه والسلطة، لا يترددون فى ارتكاب المعاصى مستغلين منصبهم!! لكن هناك من لا ينام ويرى الفساد فى حياتهم، وهو الذى يُمهل ولا يُهمل، وهو الذى يُعطى فرصة للتوبة لعلهم يرجعون عن معاصيهم. ولما لم يستحسنوا أن يُبقوا الله فى قلبهم أسلمهم الله إلى فكر مرفوض ليفعلوا ما لا يليق، وفى الوقت المناسب تنكشف أعمالهم الشريرة ويُساقون إلى غياهيب الظلمة وراء السجون لينالوا المُحاكمة العادلة أمام القضاء البشرى، والدينونة العادلة من الديان العادل.

على مر تاريخ الرؤساء والحكومات فى مصر، كم فاسداً استغل منصبه وأفسد الحياة فى مصر؟ كيف أن هذا المسئول فى يوم من الأيام– مع بداية تحمل مسئوليته – أقسم أن يحافظ على مصالح الوطن وسلامة أراضيه. كل هذا تبخر لأن المطامع كانت تملأ قلبه فانخرط فى الكذب والنفاق وخداع الرؤساء والمرءسين، ومات ضميره تماماً فلم يعد يؤنبه على حياة الفساد التى تحياها. ليس هذا فحسب بل تآمر مع مجموعة أخرى شكلت عصابة تسرق قوت الشعب المسكين وتتآمر على اقتصاد الوطن. لقد هرب خوف الله من قلب أمثال هؤلاء المسئولين فشربوا الكذب كالماء، واعتقدوا أنهم آمنون بعيداً عن محاسبة الرؤساء والشعب. وفى لحظة – لا يعلمونها – انكشفت أمورهم وافتضحت أعمالهم وتم القبض عليهم وتم عزلهم من مناصبهم. ومازال هناك آخرون سيأتى عليهم الدور قريباً.

وماذا عن الذين يتمسحون فى ستار الدين، والدين منهم برىء. تحت عباءة الدين – فى جميع الأديان اليهودية والمسيحية والإسلام – مارسوا التزوير والكذب وخداع البسطاء بالكلام اللين الذى لم يصدر من قلبهم، فضّل الشعب وتبددت الرعية وصاروا منبوذين من أبنائهم، ولم تعد لأقوالهم وتعاليمهم أى تأثير فى نفوس المستمعين، فانصرف عنهم الشعب. ولما لم يجدوا سبيلاً آخر سقطوا فى هوة الإلحاد وابتعدوا عن طريق معرفة الله خالق النفوس ومحييها. لذلك أى إنسان يتولى أى مسئولية – حتى لو أقسم بأغلظ الإيمان – وبداخله مرض السلطة والتسلط وحب المال والجشع والكذب والنفاق والرياء، لن ينجح فى عمله. إننا – فى هذه المرحلة – فى أشد الاحتياج لجنود مخلصين ملتحفين بالتقشف والزهد والأمانة وإنكار الذات والتعب بلا ملل والبعد عن الأضواء والعمل فى هدوء متذكرين المثل المصرى الرائع «دارى على شمعتك تنور». الله يحمى مصر وينجيها من المتآمرين والمرتشيين والكذبة والمنافقين