رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدين.. والإلحاد


انتشر الإلحاد فى بلادنا حتى أصبح ظاهرة، بسبب «المُنْتَج الدينى» الذى يتم تقديمه للأمة منذ عشرات السنين، فإذا كانت الأجيال القديمة قد أفلتت من الإلحاد مع أن الخطاب الدينى هو هو فذلك لأن تلك الأجيال تعلمت وتربت وكبرت من خلال مدرسة النقل والحفظ والتقليد، أما فى زمننا هذا فإن الجيل الحالى خرج إلى الدنيا من خلال مدرسة التفكير والحوار والمعارضة والرفض، فهل يمكن أن يقبل العقل النقدى ما قبله من قبل العقل النقلى؟!.

نحن الآن يا صديقى نعيش مع أجيال ترفض الاستبداد، فإذا بنا نقدم الدين لهم على أنه دين افعل ولا تفعل، ومع ضعف العقل العربى إذا بمساحة «لا تفعل» تصبح هى المساحة الكبرى، كل شىء غير مباح، وإلا فالمصير هو النار وبئس المصير، أما الله فهو المستبد الأكبر الذى صنع النار حتى يُدخل فيها من خلقهم ولم يطيعوا أوامره، وهو هذا الإله الطاغية الذى طلب من رسوله أن يحارب الدنيا كلها ويقاتلهم ويقتلهم إن رفضوا دخول الإسلام، ولأنه يحب من أطاعوه لذلك خلق لهم جنة الخلد، هى المقر الأخير لجنوده المطيعين يغنمون فيها بالحور العين، ولتأكيد هذه الصورة خرجت للحياة عشرات من النصوص المزيفة التى تؤكد تلك المعاني، وكلها كانت من أحاديث منسوبة للرسول -صلى الله عليه وسلم-فإذا بنا أمام حديث يقول: «بعثت بالسيف بين يدى الساعة وجعل رزقى تحت ظل رمحى»! وبذلك تكون أرزاق المسلمين مرتبطة بالقتل والذبح والدماء والسيف والرمح، وهذا حديث أكاد أقسم أن الذى وضعه أحد المنافقين الأنطاع الذى أراد أن يسيء لصورة الرسول- صلى الله عليه وسلم- وأن يهدم أحد الأسس الرئيسية للإسلام، فالإسلام هو دين الرحمة لا دين القتال، هو دين السلام لا دين القتل والعداء، بعث الله رسوله بالهدى ودين الحق، بعثه متمماً لمكارم الأخلاق لا محارباً باحثاً عن الأرزاق تحت نصل السيف، بعثه الله كما قال فى كتابه الكريم «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» فكيف لرسول الرحمة أن يظل حاملاً للسيف أبد الآبدين بحيث يكون رزقه من حمله للسلاح وكأنه قاطع طريق!.

يقرأ الشاب من هؤلاء الحديث المنسوب للرسول صلى الله عليه وسلم والذى دسه أحد المنافقين الأشقياء على جامعى الأحاديث والذى يقال فيه: «أمرت أن اقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا منى دماءهم، وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى»! فيقع هذا الحديث المزور على الشاب من هؤلاء موقعاً سيئاً ويظن أن هذا هو أحد نصوص الدين وما هو منه ولا حتى من القريبين منه، إذ كيف ذاك والله سبحانه يقول فى كتابه الكريم إن دور الرسول هو التذكير فقط لا الحرب والقتال «فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر» ليس على الرسول إلا أن يبلغ الرسالة للناس أما الهداية فهى من عند الله كما قال سبحانه «وما على الرسول إلا البلاغ المبين» أما الهداية فالله قال عنها «ِإنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء» كيف يأمر الله رسوله بقتال الناس وهو الذى قال له «لا إكراه فى الدين»؟ أيطلب منه قتال الناس مرة حتى يؤمنوا ثم يقول له مرة أخرى لا إكراه فى الدين؟ كيف يأمره بالقتال وهو الذى قال له «ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» وإذا قرأنا آيات القتال فى القرآن فسرها البغاة على أنها دعوة لغزو الأرض وقتال أهلها مع أنها كلها تدور حول الحروب الدفاعية مصداقاً لقوله تعالى: «وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين».

وعندما تجلس يا صديقى مع أحد الشيوخ المستنيرين لا تجده يُكذب هذه الأحاديث أو يرفضها ولكنه يسعى فقط إلى تجميل الصورة وتبرير الحديث، وكلما كانت استنارته أكبر كلما كان تبريره أرق وأهدأ وأوسع حيلة، يلقى كلماته وهو يبتسم، ويسوق عشرات النصوص التى تؤكد أن الإسلام دين الرحمة، وفى الوقت نفسه يصر على صحة هذه الأحاديث الداعية للقتال مع أنها مروية من بشر يرد عليهم الخطأ والنسيان والنفاق، ولكننا نعيش عباداً لهذه النصوص مع عدم صحتها، فلطالما قطع القدماء بصحة هذه الأحاديث فلا سلطان لنا عليها ولا طاقة لنا بتكذيبها.

وإذا ما قرأ الشاب من هؤلاء كتب التفاسير الأولى التى أعطيناها مكانة علية تجدها وقد احتوت على أساطير مستمدة من علوم الأولين، فالأرض فيها مسطحة، وهى مركز الكون كله، والدنيا تدور حولها، يقرأون «والشمس تجرى لمستقر لها» على أنها تدور حول الأرض المسطحة! والدنيا محمولة على قرنى ثور وجسم حوت، وسيدنا آدم كان طويلاً جداً لدرجة أنه كان يضع يده فى البحر فيخرج حوتاً فيرفعه إلى السماء لتصل يديه إلى الشمس فيشويه ثم يأكله، وأشياء أخرى لا يمكن لعقل أن يصدقها، ولأن المفسرين الأوائل حصلوا على قداسة من أجيالهم وأجيال تلتهم لذلك أصبح كلامهم وكأنه هو كلام الله، وإذا أردت أن تدحض تفسيرهم للقرآن وتأويلهم لآياته وتقول إنه إنتاج بشرى محض من عقول محدودة ومرتبطة بأساطير قرونهم ولا علاقة له بالنصوص الدينية الصحيحة وقف أمامك بعض الأنطاع يقولون لك: احذر يا أخى فإن لحم العلماء مسموم!.

فإن كنت تعتمد يا صديقى على التفاسير فى فهم القرآن الكريم، فاعلم أن ما تقرأه للمفسرين ليس قرآناً ولا ديناً وليس له أى وجه من الإلزام، إنما هو يا صديقى مجرد أفكار خرجت من عقل بشرى ناقص، لنا أن نرفضها ونلقى بها فى قاع البحر، ولكن الكارثة أن المدارس والمعاهد الدينية تعطى هذه التفاسير منزلة كبرى وتدافع عن الخرافات التى وردت فيها، ومن أسف أن كل الفهم الخاطئ للإسلام نتج من الأحاديث المزورة والتفاسير الأولى للقرآن،هذه هى الإساءات الحقيقية التى لحقت بالإسلام، هؤلاء هم من أساءوا للدين، هؤلاء هم من نقلوا لنا صورة مزيفة للرسول صلى الله عليه وسلم، هؤلاء هم من تسببوا فى إلحاد الشباب، فتباً لهم إلى يوم الدين