رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مهام عاجلة بعد افتتاح القناة


لا شك أن إنهاء قناة السويس الجديدة فى الموعد المحدد، وبعد سنة بالضبط من الإعلان عنها يشكل إنجازاً، بل نموذجاً فى الإدارة يجب أن يوضع فى الاعتبار عند التعامل مع المشروعات فى مصر، حيث هناك من يرى أن مشكلة مصر فى الإدارة، وحيث تفشل الإدارة فى تحقيق أهدافها، بينما لدينا من النماذج ما يشهد به العالم، وأظن أن نموذج السد العالي، ثم نصر أكتوبر 1973 ثم قناة السويس الجديدة يرد على هذا الزعم بأن مصر قادرة، وإن كانت أحياناً تخرج عن الطريق، لكن مع افتتاح القناة الجديدة أصبح من الضرورى أن تواجه الإدارة المصرية مهام جديدة يجب أن توضع فى الاعتبار، وألا يتم تجاهلها، فهى تؤثر على القناة الجديدة كما تؤثر على صلاحية الإدارة المصرية لقيادة المرحلة المقبلة.

لا شك أن أولى مهام المرحلة هى المحافظة على القناة الجديدة والدفاع عنها ومنع أى عناصر تخريبية أو معادية من التأثير عليها، فالقناة الجديدة غير قابلة للمنافسة، وليس أمام أعدائها إلا أن يعملوا على إغلاقها لكى يستطيعوا أن يقدموا خدمة بديلة، وإن كانت بالضرورة بتكلفة أعلى بكثير، وقد يكون ذلك عن طريق محاولة الاعتداء الإرهابى على الملاحة بحيث يشعر المستخدمون أنها غير آمنة، أو أن يتم العدوان عليها مباشرة كما حدث فى العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 أو فى الحرب عام 1967، حيث أغلقت القناة فى الحالتين لفترات مختلفة.

المهمة التالية مباشرة من وجهة نظرى هى تقديم خدمات مناسبة للفلاحين ولأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، حيث يصعب على بعضهم على الأقل الاستمرار فى الحياة مع استمرار أحوال المعيشة الحالية، فالفلاح يحتاج إلى توفير متطلبات الإنتاج بدءاً بالمياه، ثم بالسماد والبذور والتقاوى دون إغفال المشورة الفنية والعلمية، فالمؤكد أن الفلاح المصرى لا يحصل على هذه المستلزمات الضرورية والحتمية بأسعار مناسبة تؤدى إلى توفير هامش من العائد يمكنه من مواجهة مطالب حياته وحياة أسرته، ولا ننسى أن الفلاح المصرى يشكل القطاع ربما الأكبر من المجتمع المصرى.

تستكمل مطالب الفلاح بمطالب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومن الواضح أن هناك انتقادات كثيرة توجه إلى الحكومة القائمة، وتتهم بإهمالها للمشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، ورغم اقتناعى أن الوزير منير فخرى عبدالنور يبذل جهداً كبيراً فى هذا الاتجاه إلا أننا يجب أن نعترف بأن النجاح مازال محدوداً، وربما نكون فى حاجة إلى الاستعانة بخبرة الدول الأخرى فى هذا المجال، كما قد نحتاج إلى عقد مؤتمر حول هذا الهدف ندعو إليه كل من نرى أنه يمكن أن يكون مفيداً فى هذا المجال، كما يمكن أن تكون الدعوة مفتوحة لمن يرى فى نفسه القدرة على الإفادة مع تقديم موجز عن إمكان مساهمته. بعد ذلك فإن استكمال مشروع قناة السويس بمشروعات تنمية إقليم القناة يأتى فى أولوية متقدمة، وهو ما أشعر بأنه يحتل مكاناً مهماً فى أولويات الحكومة الحالية، وبما تسبق مكانها الطبيعى، فهى مشروعات أساس مشروع القناة الجديدة وقد نوه عنه رئيس الجمهورية فى خطابه فى حفل الافتتاح حينما أشار إلى أن القناة تشكل واحداً فى الألف من المهام المطلوبة، ومشروع تنمية إقليم القناة يحتل موقعاً كبيراً من هذه الألفية. لا أظن أن مهمة إصلاح الجهاز الإدارى للدولة غائبة عن أولويات ما بعد افتتاح القناة، حيث يجب الاعتراف بأن مشروع القناة قد نفذته أساساً كل من هيئة قناة السويس والقوات المسلحة، وأن باقى أجهزة الدولة وقفت تقريباً موقف المتفرج ولم يكن لها دور فيها غير ربما تعطيلها، وقد آن الأوان لأن تتقدم الحكومة بإصلاح هذا الجهاز الإدارى، وهو ما يمكن أن يضمن استمرار النجاح بدلاً من الانتقال من إنجاز إلى فشل، ثم إلى إنجاز يتبعه فشل كما حدث سابقاً، ونحن نعلم أن إصلاح هذا الجهاز يحتاج إلى زمن ليس بالقصير، وهو ما يتطلب البداية المبكرة والعلاج المتئد ولكن الجذرى، وعدم السماح بالفساد أياً كان. بقى أن أعود لأؤكد أنه لا بديل للصناعة لتعوض الفارق بين ما ننتجه وما نستهلكه، وإذا كان قد مر زمن أهملنا فيه الصناعة، بل قمنا بإلغاء ما سبق أن قمنا به من تصنيع، والمصانع الخالية إلا من البوم والحشرات دليل على ذلك، فإن المستقبل فى الصناعة ولدينا إمكانيات كبيرة فى هذا المجال بربط العمل بجدية وفرض الانضباط والعمل بأقصى طاقة ممكنة.