رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نور الشريف.. بداية ظاهرة "الفنان المثقف"

نور الشريف
نور الشريف

لم يكن الفنان نور الشريف كغيره من الفنانين الذين تشهدهم الساحة الفنية في الوقت الحالي، فهو دائمًا كان كثير القراءة ومتابعة للوضع الثقافي، وكل ما هو جديد من إصدارات للكتب والروايات لكبار الكتاب، كما تمتع بذاكرة قوية تختزن العديد من الذكريات والمعلومات التي شاهدها في الأفلام والمسلسلات القديمة لكبار النجوم والفنانين.

وكان ظهور الفنان المثقف نور الشريف للمرة الأولى على شاشات التليفزيون، في آخر يوم من عام 1967، وكان ذلك مفاجئ للجمهور عندما ذهب المصريون إلى دور السينما؛ لمشاهدة الجزء الثاني من ثلاثية نجيب محفوظ، وهو فيلم "قصر الشوق"، فاكتشفوا وجود شاب جديد يظهر للمرة الأولى على الشاشة يؤدي دور كمال عبد الجواد، فشعر كل مشاهد على الفور أنه رأى هذا الشاب من قبل، وأنه قد يكون ابن عمه أو ابن خالته أو أحد جيرانه.

لم يكن هذا الممثل الجديد سوى نور الشريف الذي تكمن موهبته في قدرته المدهشة على منح من يراه شعورًا حميمًا بالألفة والمودة، ولعل هذا ما جعل المخرج حسن الإمام يغامر بتقديمه في دور بارز ومهم في رائعة محفوظ.

وقال النجم عادل إمام، في ذلك الوقت، "إن مخرج الثلاثية كان يبحث عن شاب يصلح لدور كمال عبد الجواد، فاقترح عليه عادل إمام اسم نور الشريف، الذي شاهده -آنذاك- يمثل على مسرح معهد الفنون المسرحية، واستجاب المخرج لاقتراح عادل إمام، وذهب إلى المعهد وما أن التقى الشاب الواعد حتى أعطاه الدور المهم، فتفوق نور وأثبت حضوره بنجاح، رغم أنه وقف في هذا الفيلم أمام ثلاثة من جبابرة التمثيل، هم: يحيى شاهين، وعبد المنعم إبراهيم، وآمال زايد.

في أحد اللقاءات التليفزيونية وصفت النجمة سهير رمزي، نور الشريف بأنه "سوسة قراءة"، وبغض النظر عن ركاكة التعبير، إلا أنه يوضح لنا غرام بطل "سواق الأوتوبيس" بالمعرفة، فأمسى يطاردها في كل مكان، لذا لا عجب ولا غرابة أن يتقمص بشكل آسر شخصية رجل في الأربعينيات، رغم أن عمره كان في حدود الخامسة والعشرين عندما شرع في تصوير الجزء الأخير من ثلاثية صاحب نوبل 1988.

وتعتبر شخصية كمال عبد الجواد في الأدب، من أهم الشخصيات الروائية العربية؛ نظرًا لما يكتنفها من تناقضات حادة ومشاعر متابينة مرت بها الشخصية بامتداد ربع قرن، وقد بذل نور الشريف مجهودًا خارقًا حين تصدى لتقمصها في الجزء الأخير من الثلاثية "السكرية"، إذ كان عليه أن يلوح على الشاشة بوصفه كهلاً تجاوز الأربعين.

وبالرغم من أنه لم يكمل عامه السادس والعشرين في الحقيقة، في هذا الفيلم بلغ نور مستوى مشرقا في فنون الأداء التمثيلي، وشعر كل من شاهد الفيلم أو قرأ الرواية أنه أمام إنسان حزين، محبط، فقد الإيمان بمبادئه الأولى، بعد أن مات سعد زغلول، وانهار أمامه بنيان أبيه الجاد، وهجرته المحبوبة التاريخية، هكذا عايش نور الشريف أجواء الشخصية المنهارة نفسيًا ببراعة.

انحناءه خفيفة في الظهر، ونظارة صغيرة مدوّرة، وأناقة كلاسيكية صارمة، وخفوت في نبرات الصوت، وخطوات هادئة منكسرة، ونظرات شاردة حزينة نحو مجهول غامض وخفي، هي العدة التي اعتد بها نور الشريف عندما دخل في "ثياب" كمال أحمد عبد الجواد في "السكرية"، فأقنع الناس وأعجبوا به ربما لأنه يعبر عن أحزان المصريين بعد الهزيمة، ووفاة الزعيم عبد الناصر، إذ عرض الفيلم للمرة الأولى في 14 يناير 1973، أي قبل نصر أكتوبر بتسعة أشهر تقريبًا.