رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القناة دى.. هى مصر


مصر هى: التضحية، الإخلاص، الاستقلالية. فالشعب المصرى – على طول تاريخه العظيم – مُضحى، مخلص، مستقل. تلك الأمور الثلاثة رأيناها فى قناة السويس منذ بداية حفرها فى عام 1859م. فقناة السويس هذه هى مصر.

فى لحظات عبور شهداء مصر – وهم يحفرون بالحب قناة السويس الجديدة – من أرض الشقاء إلى أرض الموعد تلك التى وعدها الله للمخلصين، أشار الشهداء بأصابعهم إلى زملائهم وقالوا لهم: «القناة دى هى مصر» ولا يوجد عند المصرى الصادق أغلى من كلمة مصر. فمصر كانت السر عندما وقف الرئيس جمال عبدالناصر ليعلن للعالم أجمع باسم الأمة «مصر» «تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية». تلك القناة التى أسهم فى حفرها على مدى 10 سنوات «1859 – 1869» نحو مليون عامل مصرى، مات خلالها أكثر من 120 ألفاً أثناء عملية الحفر على أثر الجوع والعطش والأوبئة والمعاملة السيئة. ولأن المشرفين كانوا أجانب فكانوا يتعاملون مع المصريين بالسخرة، بينما فى القناة الجديدة كان المشرفون والعاملون أخوة لأنهم فى النهاية مصريون، فكان الشهداء120 مصرياً لظروف خارجة عن إرادتهم وقد سطرت القيادة السياسية أسماءهم بأحرف من نور فى سجل القناة.

قناة السويس الجديدة – كما يقول د. عاصم الدسوقى شيخ المؤرخين – هى «جسر لبناء الأمل وشاهد على قوة إرادة المصريين». العالم كله – العدو قبل الصديق – شاهد إبداع المصريين فى كل شىء: التنظيم والدقة والالتزام. هذه الثلاثية هى محور شخصية المصرى، فلماذا نستخف بأنفسنا؟ لماذا نسىء إلى منظرنا؟ لماذا نتخلف عن مقدمة شعوب العالم؟ السبب أن عدو الخير زرع بيننا – فى لحظات الضعف – روح الإحباط والتواكل والكسل والفشل بل والهزيمة، بينما نحن غير ذلك، فنحن مصريون، والقناة دى هى مصر، وهذا الرئيس مصرى صميم يملك من قوة الإرادة ما تجعله يؤثر على كل مصرى ليحوله إلى إنسان شجاع وملتزم ومُنتج. لن يبنى مصر إلا المصريون، ولن يشيد القناة الجديدة إلا المصريون، ولن يقوم بتعمير المشروعات الجديدة فى مدن القناة إلا المصريون. وعندما يعم الخير فالخير يعم على العالم كله وعلى المصريين، فمصر – على طول تاريخها الطويل – معطاءة. لم تتردد فى يوم من الأيام عن مساعدة الضعيف والمحتاج والمصاب والمتألم. تعرف متى تقول «لا» للمخطئ مهما كانت مكانته، وتقول «نعم» للصديق الحق وليس للمخادع. مصر تعيش وتترعرع فى وجدان المصريين. فيسجل لنا تاريخ مصر قصة جندى مصرى أصيل من إحدى قرى المنيا يُسمى «بيجول» Pigol، وقف – فى القرن الثالث الميلادى – أمام الامبراطور الرومانى «دقلديانوس» – رافضاً بشدة عبادة الأوثان – فصاح الامبراطور بغضب شديد قائلاً: «الويل لأرض مصر التى جئت منها». لكن فى وسط العذابات والآلام لم يحتمل هذا الجندى الشجاع والمخلص أن يسمع إهانة اسم مصر، فقال للوالى: «لا تسب أرض مصر». فما كان من الامبراطور إلا أن ازداد شراسة ونهض من على كرسيه وأمر الحاضرين أن يضربوه... وانتهى الأمر بالاستشهاد. بافتتاح قناة السويس الثانية مسحت مصر أحزانها وجففت دموعها وصارت فى فرح عظيم. فلنشكر الله الذى بالمجد قد تمجد.

أستاذ بكلية الهندسة ــ جامعة الإسكندرية