رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحوار الاستراتيجى.. لم يكن استراتيجياً


عقد فى القاهرة ما سمى بالحوار الاستراتيجى بين مصر والولايات المتحدة، والمفهوم أنه أجرى بناء على اقتراح من الولايات المتحدة الأمريكية وبطلب منها، وهكذا كان من المتوقع أن يسفر استئناف الحوار المصرى الأمريكى عن مرحلة جديدة من العلاقات المصرية الأمريكية، وربما دفع إلى مزيد من التفاؤل لإفراج الولايات المتحدة عن عدد من طائرات القتال وإعلانها عن قرب تسليم بعض العربات المدرعة المتفق عليها سابقاً، هكذا راودنا الأمل أن تكون الولايات المتحدة قد أدركت خطأ ما قامت به خلال الفترة السابقة، وأملنا، رغم شكوكنا الدائمة فى النوايا، فى تحسن جوهرى فى العلاقات، وتصورنا إمكان قيام تعاون مصرى مع الولايات المتحدة يقوم على أساس من الندية واحترام الآخر، كما توقعنا أن يكون الحوار بداية لتطور فى علاقات دول المنطقة ببعضها، علاقات تقوم على التعاون المتبادل واحترام الشئون الداخلية لكل طرف، وعدم التدخل فيها، والبعد عن سياسة تشكيلات المحاور والتفريق بين الدول، خاصة أن الحوار خطط له بعد توقيع الدول ذات العضوية الدائمة فى مجلس الأمن وألمانيا اتفاقية فيينا مع إيران وهى اتفاقية تنهى فترة من التوتر الشديد مع الغرب بصفة خاصة وإيران.

كان هذا هو الظن والأمل فى الوقت نفسه، لكن سرعان ما تغيرت الأمور بعد اجتماع طرفى الحوار، حيث بدا أن الطرف الأمريكى يفهم الحوار بشكل آخر، كما يحاول أن يفرض استراتيجية غريبة غير تلك التى يجرى تدريسها ودراستها، حيث هى أمور خاصة بالطرف الآخر للحوار ولا تنطبق على الطرف الأمريكي، فقد كان جدول أعمال الولايات المتحدة فى الحوار يشتمل على عناصر أغلبها ليست له علاقة بالاستراتيجية من قريب أو بعيد. فقد اشتمل على موضوعات مثل العمل على جذب أموال الاستثمار من المؤسسات الأمريكية، والعمل المشترك على حماية الملكية الفكرية والعلامات التجارية، والعمل على دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ودعم الإصلاحات السياسية وبالإضافة إلى ما سبق تحدث الجانب الأمريكى عن تقديم الدعم للقوات المسلحة لتحقيق الأمن ومكافحة التطرف وفى سبيل ذلك قام الطرف الأمريكى بتسليم مصر طائرات «إف 16» وهليكوبترات «أباتشى» وينوى تسليم دبابات وعربات مدرعة والمزيد. كذلك فقد تحدث الجانب الأمريكى عن العمل على تطوير البوليس «الشرطة» تطويراً تاماً وشاملاً.

أما الجانب المصرى فقد كان جدول أعماله يشتمل على تعميق أسس التعاون والأمن الإقليمى وتبادل الرأى حول الأزمات الراهنة فى كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن والاتفاق حول التعاون فى مكافحة الإرهاب ومنع الانتشار النووى، والاتفاق الأخير مع إيران حول المشروع النووى الإيرانى بدراسة ما سبق نجد أن جدول أعمال الطرف الأمريكى قد تجنب الموضوعات ذات الطابع الاستراتيجى وأغرق فى تناول القضايا الداخلية المصرية وأن موضوعاته كان يمكن تناولها فى إطار العلاقات اليومية بين الدولتين، فقطعاً مصر ترحب بالاستثمارات الأمريكية فى مصر، كما أنها لا تمانع فى التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية فى مجال حماية الملكية الفكرية والعلامات التجارية أو أن تعاون الولايات المتحدة فى مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وإن كان الطبيعى أن يكون دور الولايات المتحدة الاقتصادى فى مجال المشروعات الكبرى ويظل التعاون فى مجال دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى إطار العمل الروتينى اليومى، وبعيداً عن الحوار الاستراتيجى الذى يمثل المصالح العليا لأطراف الحوار.

أما دعم الإصلاحات السياسية والحوكمة ففى تصورى أنه الباب الخلفى الذى سعت الولايات المتحدة إلى اللجوء إليه للتدخل فى الشئون الداخلية المصرية تحت أى عناوين كبيرة لا تفصح عما وراءها من نوايا، وهى فى النهاية ليست قضايا استراتيجية توضع على قائمة جدول أعمال الحوار الاستراتيجى. أما ما جاء فى جدول الأعمال عن دعم القوات المسلحة فقد جاء تنفيذاً لوعود سبق أن أعلن عنها وزير الخارجية الأمريكى فى مارس الماضى فى المؤتمر الاقتصادى، حيث وعد بتسليم مصر الطائرات والهليكوبترات وغيرها، لذا فإن مجرد الحديث عنها فى الحوار الاستراتيجى ينبئ بنوع من السلوك الملتوى والمعيب والذى لا يليق بدولة، فضلاً عن كونها دولة عظمى أو كبرى. أخيراً فقد أشار الجانب الأمريكى صراحة بأن المساعدات العسكرية هى لمكافحة الإرهاب والتطرف. أما قضايا الإقليم والتى وردت فى جدول الأعمال المصرى فقد ابتعد عنها الطرف الأمريكى، بينما ناقشها مع دول الخليج فى اليوم التالى. وزاد الطين بلة أنه اتجه إلى مناقشة تطوير الشرطة تطويراً شاملاً.

أعتقد أنه يجب بحث جداول الأعمال مبكراً فى مثل هذا الحوار ورفض ما يفهم منه تدخل فى الشئون الداخلية حتى لا يكون من طرف واحد وبعيداً عن الاستراتيجية