رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الديناصور .. والانقراض


كلمة «ديناصور» كلمة لاتينية «ديناصوريا» مشتقة من الكلمة اليونانية «داينوس» أى عظيم أو قوى أو مُذهل، و«سوروس» أى زاحف. وفى الإنجليزية تُستخدم الكلمة للدلالة على الشىء غير الناجح أو الشخص الفاشل.

فى أحد أيام 1953 وقف الصحفى والمُصلح والفيلسوف والمفكر المصرى الوطنى سلامة موسى «الزقازيق: 4/2/1887 – القاهرة: 4/8/1958» أمام «ديناصور» فى متحف التاريخ الطبيعى فى باريس. وقف عنده وأخذ يدور حوله ويتأمله ويتخيله أكثر من ساعة، وكل ما كان يراه هو الهيكل العظمى لهذا الديناصور الذى كان يعيش على كوكب الأرض قبل نحو 100 مليون سنة!! وكان أكبر من الفيل، يزيد عليه فى الضخامة نحو أربعة أضعاف!! وكان لا يختلف كثيراً عن السحلية وكان يبيض مثلها. وقد انقرض لأنه كان جسماً بلا مخ أو بمخ صغير جداً أصغر من مخ البطة أو الكلب 1000 مرة!! فلما تغير مناخ الدنيا ضاقت حيلته ولم يعرف أن يتأقلم أو يتصرف فعجز ومات وانقرض!! فانقراضه إذاً –على الرغم من ضخامة حجمه وبنيانه الجسمى – لأنه كان بلا مخ!! وهنا نحن أمام حقيقة مهمة أن منظر الإنسان لا يسبب انبهارنا ولا خداعنا، فلربما طفل صغير لديه مخ أفضل بكثير من إنسان ضخم بلا مخ!!

فالانشغال بالأدب والعلم والثقافة ليست إلا حياة وكفاحاً، وهنا يقول سلامة موسى: «أنا لا أبالى ما يُقال عن أسلوب الكتابة، ولكنى أبالى بأسلوب الحياة. ولا أعبأ ببلاغة العبارة، ولكنى أعنى بأن تكون الحياة بليغة بحيث نحيا متعمقين متوسعين». فالثقافة تجعل حياة الإنسان أكثر حيوية، وتجعله يتصرف أمام الأحداث بحكمة وفكر مستنير. فكم من البشر عاشوا وماتوا ولم يتركوا ذكرى على الإطلاق، بينما آخرون عاشوا وماتوا وتركوا ذكرى طيبة تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل: «ذكرى الصَدِيّق تدوم إلى الأبد». عند مطالعتنا للأديب والشاعر الألمانى العظيم جوته «1749 – 1832» نجد من أقواله الحكيمة: ينبغى أن يسمع الإنسان كل يوم قليلاً من الموسيقى، ويقرأ قصيدة جيدة، ويرى صورة جميلة، ويقول إذا أمكن كلمات قليلة معقولة. لا ينفع القطيع أن يكون الراعى خروفاً. إن أردت إجابة جيدة فعليك أن تطرح سؤالاً جيداً. ما لا نستطيع فهمه بالكامل لا نستطيع السيطرة عليه.

لذلك إن كنت لا تعرف – كما ورد فى سفر نشيد الأناشيد لسليمان الحكيم – فأخرج على آثار الغنم «أى تتبع خُطى الذين سبقوك بالحكمة» وأرعى جداءك عند مساكن الرعاة «لأن الرعاة الحقيقيين يعرفون جيداً كيف يرعون خرافهم». لذلك أهم ما يميز الحياة الجامعية هى حياة التلمذة فتنتقل الأستاذية الجليلة من جيل إلى جيل دون انفصال. والكنيسة القبطية تميزت – عن بقية الكنائس - عبر العصور بالتلمذة فكنا نجد الآباء البطاركة الواعيين يتلمذون لهم تلاميذ ملتحفين بالتقوى، فيتشرب التلميذ من معلمه حياة التقوى والفضيلة لتنتقل الروح التقوية لأجيال عديدة، فالبابا الكسندروس البطريرك 19 كان تلميذه الشماس أثناسيوس «صار فيما بعد البابا أثناسيوس البطريرك 20»، والبابا كيرلس الخامس البطريرك 112 كان تلميذه الشماس حبيب جرجس، والبابا كيرلس السادس البطريرك 116 كان من أشهر تلاميذه الشماس سليمان رزق «الأنبا مينا فيما بعد» والشماس روفائيل صبحى «حالياً الأب الراهب رافائيل آفا مينا»، فدون التلمذة لا تسير الحياة ونتعرض للانقراض!!

أستاذ الهندسة - جامعة الإسكندرية