رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحلقة الثانية عشرة من كتاب حمادة إمام «مخابرات الجماعة.. إخوان وجواسيس»

نظام مبارك تقاعس عن مواجهة خطة الإخوان للاستيلاء على الحكم

جريدة الدستور

الرئيس الأسبق لم يحرك ساكناً إزاء توغل «الإرهابية» فى الحياة العامة وكان همه إرضاء الأمريكان فقط



فى هذه الحلقة نتناول خطورة الوثيقة التى كشفت قضية سلسبيل الشهيرة والتى تضمنت خطوات الإخوان للتمكين من حكم مصر، وما فعلوه فى حقبتى الثمانينيات والتسعينيات من أجل الوصول لهذا الهدف، مستغلين ضعف وهشاشة وركاكة نظام مبارك، ورغبته المحمومة والدائمة فى إرضاء الأمريكان بأى ثمن.
فعلى صعيد الرؤية هى أحد أهم أضلاع مثلث مدرسة الكفاءة فإن هذا يتطلب توحيد الصف فى اتجاه البناء والتغيير لذا فلابد من استيعاب كامل من قبل الصف «العناصر الإخوانية» لقضية التغيير ووضوح كامل للتوجهات حتى لا تواجه الخطة بالمقاومة السلبية من الداخل، وضرورة البدء بطرح قضية التغيير للحوار على جميع المستويات من أجل أن يتفاعل الجميع ويكون عامل المشاركة دافعاً لإثارة كوامن الفكر والمبادرة وتجسيد القضية.
فى جانب تكوين الأفراد فإنه وحسب ما تصرح به الوثيقة إضافة إلى البرنامج التكوينى القائم حالياً فلابد أن يشمل فى المرحلة المقبلة انعكاسات الجزئيات المختلفة للخطة عليها.
فالانتشار فى طبقات المجتمع هو صلب خطة التمكين يتطلب رفع قدرة الأفراد على التأثير فى قطاع عريض من المجتمع برفع إمكانات الحوار والقدرة على الإقناع والتدريب وذلك عن طريق:
إحداث التوازن بين الدعوة الفردية من أجل الضم للصف والدعوة العامة.
تنمية حلقات القيادة والقدرة على تحريك المجموعات.
دقيق لا ينقصه سوى التنفيذ مكون من خمس صفحات فلوسكاب تشكل الدليل الكامل لتنفيذ الخطة وستة ملاحق كل منها تمثل استمارة استبيان علمية لرفع الحالة أى دراسة الواقع الفعلى فى كل محافظة بدءاً من لجنة الشارع مروراً بالأسر إلى مكاتب الإرشاد فى المحافظات وحسب نص الوثيقة فإن مطلوب تأدية الخطوات متتالية زمنياً.
الوثيقة كشفت عن منهج الإخوان فى التحرك وباعتراف الإخوان فى الوثيقة بأنهم قد حققوا مكاسب عديدة وذلك من خلال ما سجلته وحدات قياس النجاح التى وضعها الإخوان والذى ترجم فى القطاعات الحكومية وبشكل خاص فى المجتمع المدنى وتحديداً النقابات المهنية من محامين وأطباء ومهندسين، بالإضافة إلى الأحزاب السياسية من خلال السيطرة على حزب العمل وتحويل جريدته إلى جريدة ناطقة باسم الإخوان ومعبرة عن وجهة نظر الإخوان وتقديم الحلول السياسية لحل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من الوجهة الإخوانية وتضخيم المشاكل وكشف فساد المسئولين.
من خلال الوثيقة يتضح أن مخطط الاختراق قد نجح وبدأ يجنى ثماره، فالبداية على سبيل المثال فى المجتمع المدنى فى نقابة مثل نقابة المحامين كانت فى أوائل الثمانينيات وهى نقابة بطبيعتها تضم كل ألوان الطيف السياسى المصرى وعرفت قاعاته باستضافة كل رموز العمل الوطنى وتبادل على رئاستها نقباء سجلوا مواقف بطولية ضد السلطة وتصدوا لمحاولات التطبيع مع الكيان الصهيونى.
ومع عودة الحياة السياسية وتأسيس الأحزاب حاول كل حزب السيطرة على النقابة من خلال مرشحين له.
وانعكست تلك السيطرة على طبيعة الانتماء المهنى وحلت المصالح الشخصية والحزبية محل المصالح المهنية وأحجم العديد من المحامين على المشاركة فى الانتخابات.
وسهل هذا الإحجام من مهمة تزوير الانتخابات وكان يكفى حضور ١٠٪ من أعضاء النقابة لإعلان فوز النقيب وتشكيل المجلس.
وخلال هذه الفترة شعر الإخوان أن اللقمة أصبحت سائغة وأن ميعاد الضربة القاضية للاتجاه القومى فى النقابة قد حان فى ظل حالة التشرذم والتناحر بين التيارات السياسية.
ولما حان موعد الانتخابات كانت جماعة الإخوان المسلمين هى القوى الوحيدة المنظمة والتى تتسلح بسلاح الانتماء والطاعة والدعم المالى غير المحدود، وتمتلك أغلبية منظمة فى ظل قانون ينظم النقابات لا يشترط حضور نسبة معينة من الزعماء.
وعندما حان موعد الانتخابات تصدرت اللافتات الإخوانية جميع غرف المحامين من الإسكندرية حتى أسوان وكان التنظيم والمنهج فى الحركة منهجاً شديد الدقة ولم يتركوا شيئاً للصدفة.
وأعلنت نتائج الانتخابات ورفعت عن النقابة الصبغة القومية وحصد الإخوان أغلبية المقاعد فى مجلس النقابة بالإضافة إلى المواقع المؤثرة داخل المجلس من لجنة الشباب والفكر وأمانة الصندوق والعلاج وغيرها من اللجان التى تسمح لهم بشل يد النقيب عن اتخاذ أى قرار دون الرجوع إليهم.
وما حدث فى نقابة المحامين تكرار أيضاً فى نقابة المهندسين والأطباء والصيادلة والنقابات العمالية فى جميع المصالح والهيئات الحكومية.
للمرشح الحكومى وفى نفس الوقت السيطرة على باقى مقاعد المجلس فأصبح على رأس النقابات المهنية ممثلو الحكومة والمجلس من جماعة الإخوان فالمهندس حسب الله الكفراوى على رأس نقابة المهندسين وأحمد الخواجة نقيباً للمحامين والدكتور حمدى السيد للأطباء.
السيطرة الإخوانية بدأت تشعر بها الحكومة ولكنها حبيسة فكرة ومخطط السادات وعثمان أحمد عثمان بأن الإخوان هم ضمان السلطة لمحاربة القوى السياسية الأخرى ورغم ذلك حاولت بعض الأصوات إثارة انتباه بخطورة قانون النقابات المهنية فى ظل غياب الأغلبية عن التصويت.
ورغم ذلك ظلت الحكومة والأجهزة الأمنية مترددة فى إصدار قانون جديد تاركة للإخوان حرية الحركة والانتشار والتغلغل.
حدثت واقعتان جعلت النظام السياسى يدخل فى مواجهة من الإخوان الواقعة الأولى جاءت على لسان رئيس الجمهورية نفسه عندما صرح فى حوار لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية فى يناير ١٩٩٥ وبثته وكالات الأنباء، بأن الحكومة الأمريكية على صلة بإرهابيى جماعة الإخوان المسلمين وعناصر العنف فى البلاد وأن الأمر كله جرى فى سرية تامة دون علمنا فى بادئ الأمر. وأضاف «أنتم تتصورون أنكم ستصححون الأخطاء التى ارتكبتموها فى إيران حيث لم تكونوا على صلة بآية الله الخمينى وجماعته المتطرفة قبل أن يصلوا إلى السلطة» وأضاف: لكننى أستطيع أن أؤكد لكم أن تلك الجماعات لن تسيطر أبداً على هذا البلد، ولن تكون أبداً على صلة طيبة بالولايات المتحدة وإن هذه الاتصالات لن تكون ذات فائدة لكم أو لأى دولة أخرى تساند تلك الجماعات، وشن الرئيس هجوماً شديداً على المتشددين وقال إنهم لا يمتون للإسلام بصلة لأنهم بكل وضوح وبساطة شديدة يريدون الاستيلاء على السلطة، واصفاً إياهم بأنهم ليسوا سوى محترفى هز وسط وطبالين فى الأزقة.
الواقعة السابقة أو الاتصالات بين الإخوان والأمريكان من وراء ظهر الحكومة كانت السبب الأول للتعجل بالصدام بين السلطة والإخوان، أما السبب الثانى فهو الأهم والأخطر، حيث أرادت الجماعة أن تعرف مدى قوة وصلابة السلطة وشعبيتها فى الشارع المصرى وفى الوقت نفسه استعرض قوتها وهذه الوسيلة الاختبارية تقوم فكرتها على ركيزة أساسية واحدة وهى أن رد الفعل تجاه قوى مضادة للنظام الحاكم إذا كانت عنيفاً وعصبياً فهو يدل على ضعف هذه السلطة وعدم شعبيتها وإذا كان رد فعل طبيعى ومتوازن فهو دليل على قدرتها وشعبيتها ومتانة هذا النظام.
بالونة الاختبار بين الإخوان والسلطة شهد تفاصيلها شارع رمسيس بوسط العاصمة أشهر شوارع مصر على الإطلاق، وبدأت مراحل إطلاق البالونة وجس النبض من جانب الإخوان للسلطة.
مع نبأ وفاة المحامى «عبدالحارث مدنى» فى مايو ١٩٩٤ متأثراً من التعذيب على يد مباحث أمن الدولة.
عندما سئل الراحل مصطفى مشهور، المرشد العام الأسبق للإخوان المسلمين، فى ٧ فبراير ١٩٩٦ عن رأيه فيما أعلنه إخوان حزب الوسط عن أنهم لا ينتمون تنظيمياً لجماعة الإخوان؟ قال «هذا كلام يقولونه لدرء الشبهات وهؤلاء الشباب يريدون أن يدفعوا عن أنفسهم كونهم فى تنظيم غير شرعى حتى يحظى حزبهم بالقبول لكنهم لم ينسلخوا عنا ومازالوا أعضاء فى تنظيم الإخوان؟
رد المرشد رغم تلقائيته وبساطته إلا أنه لخص فكر ومنهج الإخوان فى التعامل مع السلطة فى الثمانينيات واختراقهم للحياة السياسية والتى بدأت مبكراً جداً وتحديداً عندما أدهش الإخوان المراقبين عندما تحالفت الجماعة مع حزب «الوفد» وأضافت الطابع الإسلامى على البرنامج الانتخابى وأجبرت كل الأحزاب المصرية الأخرى بما فيها الحزب الوطنى على جعل الإسلام والمطالبة بتطبيق الشريعة جزءاً أساسياً من برامجها وبياناتها ونجح تحالف الوفد والإخوان فى الحصول على ٥٨ من بين مقاعد مجلس الشعب.
هذا النجاح الإخوانى فى أول تجربة انتخابية كانت بداية مرحلة جديدة فى منهج الإخوانية وفكرهم الحركى نحو الاستفادة من المناخ المتاح فى بداية الثمانينيات، حيث قرر الإخوان اختراق حزب «العمل» وتحويله إلى حزب إخوانى وتحويل جريدته لطرح أفكار ومبادئ الإخوان بالإضافة إلى تشويه وتضخيم وتعرية رجال الحكومة وأعضاء الحزب الوطنى.
وكانت البداية للسيطرة على حزب العمل بداية إعلامية فى عام ١٩٨٥ وهو العام الذى شهد خروج عدد كبير من أعضاء حزب العمل الاشتراكى وسيطرة «إبراهيم شكرى» والمقربين منه على أمانات المحافظات والمقر الرئيسى، وقتها اعتلى الراحل «عادل حسين» عرش الجريدة وقبول المهندس إبراهيم شكرى للسيطرة الإخوانية مصدره النجاح الذى تحقق فى ١٩٨٨ عندما تحالف الإخوان مع حزب العمل الاشتراكى والأحرار بدلاً من حزب الوفد وجاءت النتيجة مبهرة، حيث فاز التحالف بحوالى ستين مقعداً كان نصيب الإخوان «٣٥» من بين الستين وبحسبة بسيطة نجد أن الإخوان تمكنوا فقط خلال ثلاث سنوات من رفع تمثيلهم فى مجلس الشعب بنسبة خمسة أضعاف.
وبدأ المخطط الإخوانى فى السيطرة على حزب «العمل» والسيطرة على النقابات المهنية وحزب العمل أثبت من خلاله الإخوان مهارة فائقة فى إدارة اللعبة السياسية طبقاً للقواعد التى سنتها السلطة.
وأصبح الإخوان يتصرفون كحزب سياسى وأصبحت القوى السياسية والسلطة تتعامل معهم فى الواقع كما لو كانوا رغم انتفاء الشرعية القانونية فالمنع الدستورى من تحول الجماعة إلى حزب سياسى واستخدام الدولة المصرية لكل وسائل السلطة التنفيذية بما فيها القهر لتصفية الجماعة لم يفلح فى وأدها أو تصفيتها فقد ظلوا يحتفظون بنواة صلبة من الأعضاء وبمحيط أوسع من الأتباع والمريدين الذين منحوهم الشرعية الاجتماعية وإن لهم إيماناً أو قبولاً لدى قطاع ملموس يعتد به من المصريين بأيديولوجية الإخوان المسلمين وهى الأيديولوجية التى تدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة نظام اجتماعى إسلامى وشامل للمجتمع والدولة على حد سواء.
ومع تعثر الدولة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بدأ الإخوان يستفيدون من كل الفرص والظروف المتاحة ويمارسون المناورات الحزبية والتربيطات دون أن تطلهم يد السلطة التنفيذية فى ظل عدالة السلطة القضائية، فمن خلال النقابات المهنية والحزب السياسى وأعضاء البرلمان وجريدة معبرة عن أفكار وأطروحات الإخوان بدأت الجماعة تدخل مع السلطة فى واحدة من أخطر اللعبات السياسية، واستطاعت فى خلال سنوات قليلة أن تعرى وتكشف عورات الحكومة وقدمت للمواطن المصرى من خلال جريدة «الشعب» حقيقة ما يدور فى الخفاء من مفاسد رجال السلطة.
كابول
فى عام ١٩٨٩ خرج السوفييت من أفغانستان وكان قدامى المحاربين من المجاهدين الأجانب يمثلون نزعة طوباوية راديكالية تدعو للجهاد باعتباره نضالاً مسلحاً، وقد استند هذا إلى الأيديولوجية الوهابية التى تدعو لها السعودية وإلى دعوى عبد الله عزام إلى الشهادة والإيمان بأن لم يحصلوا على تدريب من قبل، تعليماً عسكرياً على التقنيات العسكرية المتقنة عادة فى حين كانوا يكتسبون خبرة مباشرة بالقتال، وحينذاك كان المتطوعون الأفغان العرب خاصة من مصر واليمن وإندونيسيا والجزائر وليبيا، يرون أن هدفهم الأول هو العودة لأوطانهم للنضال ضد حكوماتهم، فى حين كان «بن لادن» يأمل فى توحيدهم فى قوة عالمية.
لندن ١٩٩٣
أعدت المخابرات البريطانية فى صيف ١٩٩٣ تقريراً قدمته لوزارة الخارجية بعنوان «الأصولية الإسلامية فى الشرق الأوسط» وهو يمثل تلخيصاً متقناً لبعض المعتقدات التى جعلت المسئولين البريطانيين يتعاملون مع المتأسلمين المتطرفين، فقد عرض التقرير وجهة نظر جهاز المخابرات الخارجية البريطانية بشأن جذور الأصولية وتأثيرها، ملاحظاً أنها «تتعدى على الفشل فى حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، والفساد فى الحكم وإفلاس الأيديولوجيات السياسية - الشيوعية والناصرية والبعثية، إلخ» وبالطبع، فقد كانت هذه أيديولوجيات هى التى بذل البريطانيون أقصى جهدهم لتقويضها، وبذلك مهدوا الطريق لصعود الأصولية، كما بين التقرير أن المسئولين كانوا مدركين أن «الأموال السعودية والخليجية الخاصة الموهوبة للقضايا الإسلامية، عامل مشترك فى كثير من أنحاء المنطقة» وأنهم يواصلون تعميق دعمهم لهذه النظم.
وبعد ذلك يعترف التقرير بأن «قدرة الإسلام بوصلة مرور للمعارضة، توفر أيديولوجية جاهزة تؤكد على العدالة»، وأن الأمر الحاسم أيضا هو أن «الأصولية ليست بالضرورة مرادفاً للتطرف السياسى وسياسات معاداة الغرب - وذلك تعليق يوحى بالكثير وسبب رئيسى فى أن بريطانيا ظلت تتعامل مع هذه المجموعات لهذه المدة الطويلة ويواصل التقرير:
إن المجموعات الأصولية التى تدعو للعنف والثورة ومع ذلك إن هناك خطا معاديا للغرب فى كل الحركات الأصولية الرئيسية فى المنطقة، حيث تعتبر الثقافة والمادية الغربية خاصة الأمريكية تهديداً للقيم الإسلامية، والأهداف والأعراض للأصوليين تتعارض تقريبا مع المبادئ الليبرالية الغربية - فهى تعارض التعددية السياسية، والتسامح الدينى، وحقوق المرأة.
ولا ريب أن النقطة الأخيرة صحيحة، لكن هذه أيضاً كانت سمات لأى حكومة ساندتها بريطانيا فى الشرق الأوسط طوال عقود كثيرة، تحديداً للتصدى للحكومات التعددية الأكثر دعما لحقوق المرأة مثلا.
كذلك لاحظ التقرير أن الجماعات الأصولية «مستعدة لاستخدام صناديق الاقتراع للحصول على السلطة، لكن هناك شك تام فى أن «أحزاب الله» هذه ستخضع سلطتها السياسية، فور تحققها لعملية ديمقراطية، بيد أن الخاتمة يردد فيها ما يلى:
إن الأصولية لا تمثل تهديداً متماسكاً وموحداً للمصالح الغربية بالطريقة التى فعلت بها الشيوعية ذلك ذات مرة، وتقتصر جاذبيتها فى البلاد الغربية على الأقليات الإسلامية، وحظر التدمير فى حده الأدنى، على الأقل فى الولايات المتحدة أن التعامل مع النظم الأصولية المتطرفة لا يمكن التنبؤ به بدرجة كبيرة لكنه يمكن تدبره. رد المرشد رغم تلقائيته وبساطته إلا أنه لخص فكر ومنهج الإخوان فى التعامل مع السلطة فى الثمانينيات واختراقهم للحياة السياسية والتى بدأت مبكراً جداً وتحديداً عندما أدهش الإخوان المراقبين عندما تحالفت الجماعة مع حزب «الوفد» وأضافت الطابع الإسلامى على البرنامج الانتخابى وأجبرت كل الأحزاب المصرية الأخرى بما فيها الحزب الوطنى على جعل الإسلام والمطالبة بتطبيق الشريعة جزءاً أساسياً من برامجها وبياناتها ونجح تحالف الوفد والإخوان فى الحصول على ٥٨ من بين مقاعد مجلس الشعب.
هذا النجاح الإخوانى فى أول تجربة انتخابية كانت بداية مرحلة جديدة فى منهج الإخوانية وفكرهم الحركى نحو الاستفادة من المناخ المتاح فى بداية الثمانينيات، حيث قرر الإخوان اختراق حزب «العمل» وتحويله إلى حزب إخوانى وتحويل جريدته لطرح أفكار ومبادئ الإخوان بالإضافة إلى تشويه وتضخيم وتعرية رجال الحكومة وأعضاء الحزب الوطنى.
وكانت البداية للسيطرة على حزب العمل بداية إعلامية فى عام ١٩٨٥ وهو العام الذى شهد خروج عدد كبير من أعضاء حزب العمل الاشتراكى وسيطرة «إبراهيم شكرى» والمقربين منه على أمانات المحافظات والمقر الرئيسى، وقتها اعتلى الراحل «عادل حسين» عرش الجريدة وبدأ المخطط الإخوانى فى السيطرة على حزب «العمل» والسيطرة على النقابات المهنية وحزب العمل أثبت من خلاله الإخوان مهارة فائقة فى إدارة اللعبة السياسية طبقاً للقواعد التى سنتها السلطة.
وأصبح الإخوان يتصرفون كحزب سياسى وأصبحت القوى السياسية والسلطة تتعامل معهم فى الواقع كما لو كانوا رغم انتفاء الشرعية القانونية فالمنع الدستورى من تحول الجماعة إلى حزب سياسى واستخدام الدولة المصرية لكل وسائل السلطة التنفيذية بما فيها القهر لتصفية الجماعة لم يفلح فى وأدها أو تصفيتها فقد ظلوا يحتفظون بنواة صلبة من الأعضاء وبمحيط أوسع من الأتباع والمريدين الذين منحوهم الشرعية الاجتماعية وإن لهم إيماناً أو قبولاً لدى قطاع ملموس يعتد به من المصريين بأيديولوجية الإخوان المسلمين وهى الأيديولوجية التى تدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة نظام اجتماعى إسلامى وشامل للمجتمع والدولة على حد سواء.
ومع تعثر الدولة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بدأ الإخوان يستفيدون من كل الفرص والظروف المتاحة ويمارسون المناورات الحزبية والتربيطات دون أن تطلهم يد السلطة التنفيذية فى ظل عدالة السلطة القضائية، فمن خلال النقابات المهنية والحزب السياسى وأعضاء البرلمان وجريدة معبرة عن أفكار وأطروحات الإخوان بدأت الجماعة تدخل مع السلطة فى واحدة من أخطر اللعبات السياسية، واستطاعت فى خلال سنوات قليلة أن تعرى وتكشف عورات الحكومة وقدمت للمواطن المصرى من خلال جريدة «الشعب» حقيقة ما يدور فى الخفاء من مفاسد رجال السلطة.