رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى سبيل الحق «1»


نحن نعيش فى عصر أصبح فيه الحق شهيداً، وأصبح فيه المُتمسك بالحق مُضطهداً، وأصبح فيه الشجاع المجاهر بالحق منبوذاً. ولكن سيظل القول المأثور: «لأن ينالنى الضرر من جراء مجاهرتى بالحق خير من أن ينال الحق ضرر من جراء إحجامى عن الجهر به» شعار المخلصين فى عملهم، الصادقين فى وطنيتهم، المنصتين لصوت ضمائرهم. حتى أنه فى بردية «بتاح – حُتب» المحفوظة بمتحف اللوفر بباريس نجد مجموعة من النصائح منها: «خير للإنسان أن يعيش على خبز وماء مع راحة الضمير من أن يعيش على لحوم وهو مُنغّص البال». فالثبات على الرأى والتصميم عليه والدفاع عنه بشجاعة – مهما كانت النتائج ودون اكتراث بالعواقب – هى صفات الإنسان المتمسك بالحق والرافض للنفاق والرياء والتملق والظلم والبُغضة والكراهية. والتاريخ المصرى – القديم والحديث – ملئ بالنماذج المُخلصة من المصريين أصحاب المبادئ والقيم الإنسانية الرفيعة.

ففى مجال العمل السياسى كان ويصا واصف «1873 – 1931» رئيس مجلس النواب مواقف بطولية. فقد حدث فى عام 1931 خلاف دستورى وقام الملك فؤاد بإقالة الوزارة وأسند الوزارة الجديدة لأسماعيل صدقى باشا «1875 – 1950». وفى اليوم نفسه طلب إسماعيل صدقى باشا من ويصا واصف منع المناقشات فى مجلس النواب فى الظروف التى أدت إلى إقالة الوزارة وتشكيل الوزارة الجديدة. لكن ويصا واصف رفض الطلب وأصر على موقفه، وفى مساء ذلك اليوم توجه ويصا واصف إلىمبنى مجلس النواب لحضور الجلسة فوجد أبواب المجلس مُكبلة بالسلاسل والنواب يقفون خارج الأسوار والبوليس البرلمانى خلفها!! وفى هذه اللحظة أمر ويصا واصف- رئيس الحرس البرلمانى- بتحطيم السلاسل، وفُتحت الأبواب وانعقدت الجلسة وتمت المناقشة. فما كان من إسماعيل صدقى إلا أن حصل على مرسوم بحل المجلس فى تلك الليلة، بعدها عاد ويصا واصف للاشتغال بالمحاماة وهو مستريح الضمير والبال.

فى مجال الآثار المصرية وقف الآثارى سليم حسن «1886 – 1961» بالمرصاد لكل عبث بالتراث المصرى وكافح بإصرار فى سبيل تثبيت الشخصية المصرية فى مجال الآثار. وهذا أدى إلى محاربة الآثاريين الأجانب وأصحاب السطوة فى مصلحة الآثار له، وإلى بطش الملك فاروق به وإبعاده عن مجال الآثار، وإلى تلفيق المنافقين والحاشية له وحياكة الدسائس ضده. لكن اسمه سجل فى التاريخ بأحرف من نور، بينما المنافقون مضوا فى غياهب الظلام.

أيضاً نذكر سيادة المستشار ممتاز نصار «1912 – 1988» البرلمانى الشهير، والذى ارتبط اسمه بقضية «هضبة الأهرام». وكان صوت ممتاز نصار هو الصوت الصارخ بالحق فى جلسات مجلس الشعب. ففى إحدى جلسات المجلس – فى وقت رئاسة المهندس سيد مرعى للمجلس – أن قدم المستشار دفاعاً مستميتاً عن القضية. عجز رئيس المجلس عن مناقشة المستشار، وأمام هذا العجز فوجئ أعضاء المجلس بالمهندس مرعى يقول: «أنا المجلس»!! وهنا احتد المستشار أمام تلك العبارة التى بهاإهانة للمجلس كله، ليس هذا فحسب بل إن أعضاء المجلس جميعاً انحازوا فى صف المستشار وقالوا للمهندس مرعى: «لن نغادر القاعة إلا بعد أن تقدم اعتذاراً لما قلته، لأن هذا لا يليق، أو تتم إقالتك أو التحقيق معك»، ولم يجد رئيس المجلس إلا أن يقدم اعتذاراً لما بدر منه.

 أستاذ بكلية الهندسة- جامعة الإسكندرية