رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المُشتركات الدينية.. ومصطلحاتنا الاستهلاكية


لا نتوقف أبداً عن الحديث حول ضرورة البحث عن المشتركات الدينية وأهمية حوار الأديان وحوار الثقافات والحضارات .. إلخ تلك المسميات التى للأسف ــ تتجدد وتتنوع وفق افتكاسات أهل الفكر تارة وأهل الاسترزاق تارة أخرى، وأحياناً بتوع التلات ورقات فى ميادين اللعب بعقول البسطاء منا عبر العصور!! .

ورغم قناعة كل المشتغلين فى صناعة وصياغة دوائر الحوار والبحث عن مشتركات عن فشلهم فى المساهمة فى وقف تراجع حالة الاحتقان والسجال الدينى والطائفى، فإننا نكرر الحديث عن تلك المصطلحات، ونعتبرها مسلمات ضرورية، وعليه تثور الدنيا لو أعلن أى طرف أو أعرب فى تصريحاته «على سبيل المثال» عن حقيقة عدم إيمانه بمعتقدات الآخر، رغم أن تلك هى البديهية التى لا ينبغى أن نختلف عليها بداية.. وعليه فإننى لا أغضب أبداً لإعلان رمز متشدد بعدم قبوله الآخر وإلى حد تكفيره لتعاليمه التى يرفضها، لأنه يؤمن شأنه شأن كل مؤمن بعقائده التى لا ينبغى أن يجامل بشكل أو بآخر حال سؤاله عن ثوابتها، وعلى الطرف الآخر أيضاً بنفس التفهم.. ولعل ذلك هو الفارق بين رموز الفكر السلفى ورموز الإخوان الذين يلعبونها سياسة.

وفى هذا الشأن أرانى أصطف مع الرمز السلفى ولا أتفق مع الرمز الإخوانى الذى يذهب لتسييس خطابه الدينى، وتكون المفاجأة عند تقلد مسئولية كراسى السلطة أن أمور دينه لاتهمه بقدر التمكين من رقاب العباد فور حكم البلاد.. ولكن يبقى الاختلاف مع الرموز السلفية فى إيمانهم بضرورة فرض تعاليم معتقداته على من لا يدين بها إلى حد زعم البعض منهم وبشكل استبدادى بأن من أدوارهم تنفيذ أحكام الشرع بعيداً عن جهات الاختصاص، وأنه لا اختصاص للدولة فى تطبيق آليات العدالة وأحكامها.. أيضاً يضايقنى تكرار القول بضرورة الذهاب إلى خطاب دينى معتدل أو وسطى، والقول بأن خطاب الأزهر الشريف وإمامه الأكبر هو خطاب معتدل فى غير اتجاه رموز الفكر المتشدد، وأن خطاب قداسة البابا وسطى مغاير لخطاب الأسقف أو الكاهن فلان غير المقبول، والحقيقة أن تعاليم الأديان وصحيحها وتشريعاتها عبر آياتها معلومة، ولا ينبغى أن نصفها مرة بمعتدلة ومرة أخرى بمتشددة، وإنما هى تصير كذلك عبر تسييس تلك التعاليم وتلوينها وأحياناً لى عنق مضمونها لتحقيق مكاسب وغنائم دنيوية، أو من أجل فرض المزيد من الشكل الاستبدادى لبعض الرموز والمؤسسات الدينية لتكريس مفاهيم ما على أرض الواقع، وعليه ينبغى التوقف عن إطلاق تلك المسميات لأنها تهين مقدساتنا وثوابتنا التى باتت وكأنها «على كل لون يا بتستا»!!

ولكن ينبغى ضبط الأمور فى التناول الدينى وفق جمهور الناس والزمان والمكان... فى تناول بديع ومهم لمواجهة تطرف أو تراجع قيم مضمون ورسالة الفتاوى، يقول الإمام الشاطبى «المفتى البالغ ذروة الدرجة هو الذى يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور، فلا يذهب بهم مذهب الشدة، ولا يميل بهم إلى درجة الانحلال»، والدليل على صحة هذا أنه الصراط المستقيم الذى جاءت به الشريعة، فمقصد الشارع من المكلف الحمل على التوسط من غير إفراط ولا تفريط، فإذا خرج عن ذلك فى المستفتين، خرج عن قصد الشارع، ولذلك كان من خرج عن المذهب الوسط مذموماً عند العلماء الراسخين، فإن الخروج إلى الأطراف خارج عن العدل، ولا تقوم به مصلحة الخلق، أما طرف التشديد فإنه مهلكة وأما طرف الانحلال فكذلك أيضاً.

كاتب