رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سقوط البنا فى عين أستاذه


يذكر الإخوان مرشدهم الأول بصيغة التعظيم والتقديس، لدرجة أنهم يجعلونه «صاحب الدعوة» ومن العجيب أن قسم التربية فى تلك الجماعة سبق وأن قرر كتبًا على الإخوان الجدد وكان اسم هذا الكتاب هو «حسن البنا صاحب الدعوة الإسلامية»! وفى أدبيات الإخوان ودروس شيوخهم تسمعهم وهم يسترشدون بأقوال للبنا.

وهم إذ يسترشدون يقولون: «قال صاحب الدعوة»! وبهذا انتقل البنا من مجرد مدرس للخط العربى فى المدارس الإلزامية إلى مرشد لجماعة تكفيرية الهوى والسلوك والمنهج، ثم قفز قفزة واسعة وأصبح صاحب الدعوة الإسلامية يزاحم النبى صلى الله عليه وسلم فى النبوة والرسالة! وإذا كان بعض غلاة الشيعة يقولون إن سيدنا جبريل أخطأ وأنزل الرسالة على سيدنا محمد وهى فى الأصل لسيدنا على! فإننى وفقًا لسلوك الإخوان وتقديسهم لحسن البنا أكاد أقسم أنهم سيقولون ذات يوم أن سيدنا جبريل أخطأ وأنزل الرسالة على سيدنا محمد وكان من الأولى أن ينزل بها على سيدنا حسن البنا!! أهلا بك يا سيدنا فى عالم النبوة!.

وحين يرفع الإخوان من قدر مرشدهم البنا يحذفون من التاريخ سقطات البنا وسقوطه فى عيون أساتذته الذين اقترب منهم فى بداية إنشاء الجماعة حيث خدعهم بقدراته التمثيلية العالية، ولكن سرعان ما انكشف البنا فسقط فى عيونهم سقوطًا مدويًا، ولسقوط البنا الأول قصة يجب أن نكشف عنها اللثام حتى يعرف شباب الإخوان الوهم الذى عاشوا فيه.

كان الشيخ محب الدين الخطيب ومعه الشيخ رشيد رضا هما السند الذى استند إليه البنا وهو يخطو بجماعته خطواتها الأولى، وقد أشاد البنا فى مذكراته بأستاذه الخطيب وبفضله عليه، ثم حدث شىء فارق فى تاريخ البنا، وبناء على هذا الشىء ألف محب الدين الخطيب كتابًا تحت عنوان «الخطوط العريضة للأسس التى قام عليها دين الشيعة الإمامية الإثنى عشرية» وحين قرأت هذا الكتاب بعناية فائقة حتى أننى كدت أن أستنطق السطور لتشى لى بما لم يبح به الشيخ محب الدين الخطيب، وقد فاجأتنى بعض العبارات فى الكتاب، ودعتنى إلى إعادة التفكير فى العلاقة التى كانت تربط البنا بالشيخ محب الدين الخطيب، هل بالفعل استمرت العلاقة بين الطرفين جيدة إلى أن مات البنا؟! المتتبع للعامين الآخرين من حياة البنا خاصة فى الفترة التى بدأ البنا فيها تأسيس دار التقريب مع الشيخ القمى يجد أن العلاقة بينه ومحب الخطيب كانت فاترة! ثم وصلت إلى حد القطيعة، فالبنا كان قد بدأ مع مرجع شيعى اسمه تقى الدين القمى فى إنشاء دار للتقريب بين السنة والشيعة، ووضح من هذه الدار أن البنا كان يريد أن يجعلها منبرًا لنشر التشيع فى مصر، آنذاك كتب الشيخ الخطيب كتابه المهم ليكون ردًا عمليًا على محاولات التشيع التى يشرف عليها البنا، ولكن من العبارات التى كتبها محب الدين الخطيب فى كتابه واستوقفتني؟ قال: «فقد لوحظ أنه أنشئت لدعوة التقريب دار فى مصر ينفق عليها من الميزانية الرسمية لدولة شيعية، الدولة الشيعية الكريمة آثرتنا بهذه المكرمة فاختصتنا بهذا السخاء الرسمى وضنت بمثله على نفسها وعلى أبناء مذهبها».

والحقيقة أننا لم نعهد على الشيخ محب الدين الخطيب الحديث بسخرية، ولكنه هنا فى عباراته هذه يسخر من تلك المفارقة العجيبة، مفارقة أن تنفق إيران بسخاء على إنشاء دار للتقريب فى مصر ولا تنشأ مثلها فى إيران! ثم إن الشيخ يلوح هنا بمسألة الإنفاق بسخاء، والذين قاموا بالإنشاء هما الشيخ البنا والشيخ القمى، والقمى جاء من إيران لهذا الهدف، وهو الذى كان يتلقى المال من إيران، وبذلك يكون الشيخ الخطيب وخز تلميذه البنا وخزة موجعة تتعلق بالمال الذى جاء من إيران وكيف أنه تم توزيعه بسخاء!.

وأشار الشيخ محب الدين الخطيب فى هامش الصفحة الثامنة أن نهج الإنفاق بسخاء هو نهج الشيعة وهو الذى ساعدهم على نشر المذهب الشيعى فى العراق! فهل التلميح هنا وصل إلى درجة قريبة من الإفصاح؟.ولكن هل اكتفى الأستاذ محب الدين الخطيب بهذا الكتاب؟ لم يقف الخطيب ساكتًا وهو يرى البنا يقطع شوطًا كبيرًا فى نشر المذهب الشيعى فى مصر تحت غطاء التقريب، لذلك كتب مقالاً يعتبر من أهم المقالات فى هذا الصدد ونشره فى مجلته الشهيرة « الفتح « بالعدد 862، وقد أغلظ الأستاذ محب الدين الخطيب للبنا والإخوان فى هذه المقالة واتهمهم بالتسيب والميوعة تحت مسمى «إزالة الفوارق» وأقام عليهم الحجة، ثم اتهم حسن البنا فى ذمته المالية واتهمه بتلقى أموال من دولة شيعية بهدف نشر المذهب الشيعى فى بلادنا، ولأن حسن البنا تألم من هذه المقالة، ولأن الإخوان فوجئوا بها فقد أوقفوا آلة التاريخ التى لديهم فلم ينقلوها ولم يؤرخوا لها فى كتبهم ـ على حد علمى بل ظلت مخفية، وظل محب الدين الخطيب هو الراعى الكبير لحسن البنا ومشروعه، رغم أنه اتهمه فى ذمته المالية وفى توجهاته السياسية والعقائدية، بما يعنى أن خيبة أمل كبيرة أصابت محب الدين الخطيب من التلميذ الذى انكشف ستره وظهرت حقيقته، ولكنك إذا فتحت تاريخ الإخوان الذى كتبوه عن أنفسهم ستجد أن هناك من مزق هذه الصفحة إذ كانت بمثابة ورقة التوت التى انكشفت فظهرت سوأتهم الحقيقية