رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما يزرعه الإنسان إياه يحصد


الذى يزرع بالشُح فبالشُح يحصد، والذى يزرع بالخير فبالبركات يحصد. ونحن مقبلون على انتخابات برلمانية، تزداد مظاهر الترحيب والتهانى المبالغ فيها عند تعيين نائب جديد مع مظاهر الفرح بانتهاء فترة نواب سابقين، سبق وان استُقبلوا بنفس مظاهر الترحيب المبالغ فيها ومعظمها غير صادقة ولا حقيقية. فى نهاية الأمر فإنه بعد فترة زمنية محددة لابد أن يترك النائب منصبه لسبب أو لآخر ويأتى بعده شخص آخر.

وهنا أود أن أذكر تلك القصة الرمزية كتبها أحد حكماء القرن الثامن عشر تقريباً تقول: كانت مدينة عظيمة جدا ذات شعب لايحصى عدده، وكان من عادة هذا الشعب ألا يقيموا عليهم ملكاً إلا رجلاً غريباً لا يعرف تلك المملكة، ولا كيفية تدبيرها. وكانوا فى السنة الأولى من ملكه يتركونه يدبر الأمور كما أراد ويصنع كما شاء. ثم بينما يكون مغبوطاً بملكه ظاناً أنه يملك حياته كلها، إذ بالشعب يفاجئه بالانقضاض عليه وينزعون عنه الحُلة الملوكية. ويطوفون به فى شوارع المدينة مُهاناً. وأخيراً يرحلونه منفياً إلى جزيرة بعيدة مقفرة ولا يتيسر له فيها مأكلاً ولا ملبساً!ثم حدث مرة أن ملكوا عليهم ملكاً رجلاً ذا فطنة وخبرة، فلما عرف من أحد الوزراء بعادة هذا الشعب مع التقلب، حتى أخذ يفكر فى أمره ويتبصر شأنه. فلم يفرح قلبه بأضواء العرش الملوكى الذى جلس عليه، بل اهتم بما سيحدث له بعد أن يترك العرش مُرغماً كالملوك الذين سبقوه. فلما استقر له المُلك على الشعب وقبض على زمام السلطة أرسل سراً إلى تلك الجزيرة جميع خزائن تلك المدينة. فلما مضت السنة أتاه الشعب ثائراً وأنزلوه من الكرسى الملوكى ونفوه إلى تلك الجزيرة كما فعلوا بمن سبقه من الملوك. أما هذا الملك الحكيم فقد سار إلى هناك راضياً وسعيداً، وعاش فيها حياة رغدة بعزة وراحة لا كأولئك الملوك الذين أهلكهم الجوع.لذلك فالنائب أو الرئيس الحكيم هو الذى يجعل من فترة نيابته أو رئاسته هذه فى أى منصب كان سياسياً أو دينياً أو أكاديمياً أو اجتماعياً فترة اضافة لرصيد من الأعمال الصالحة، حتى إذا جاء الوقت الذى يترك فيه هذا المنصب فإن موضع رئاسته يتحول من الكرسى الذى كان يجلس عليه إلى قلب مرءوسيه. ولنا فى الإسكندرية أمثلة عديدة من أمثال هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر: الدكتور محمد لطفى دويدار «رئيس جامعة الإسكندرية الأسبق»، الدكتور عبد السميع مصطفى «عميد هندسة الإسكندرية»، الدكتور محمد عادل بركات «عميد هندسة الإسكندرية»، الدكتور محب عزيز عبد المسيح «رئيس قسم الرياضيات» وغيرهم، كل هؤلاء تركوا بصمات مضيئة فى تاريخ جامعة الإسكندرية. كما أننا فى مصر كلها نذكر بكل الاعتزاز البابا كيرلس السادس «1902 – 1971» الذى مازال حياً فى تاريخ مصر على الرغم من رحيله منذ 44 عاماً بسبب تقواه الحقيقية ومحافظته على تقاليد الكنيسة وتراثها العظيم ووعيه الكامل برسالته الرعوية. هؤلاء حفروا أسماءهم على صخر وآخرون نقشوا أسماءهم على سطح الماء! وما يزرعه الإنسان أياه يحصد!

أستاذ بكلية الهندسة - جامعة الإسكندرية