رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى مصر رجال


أقول بكل ألم إن جماعة الإخوان استطاعت التلاعب بالقوى السياسية قبل الثورة، فنقلت لها كراهيتها للأمن مستغلة فى ذلك بعض انفلاتات أمنية كانت تحدث بسبب سوء الإدارة أو غياب الرقابة، وكان معظمها يقع على جماعات الإرهاب،حصل مبارك على البراءة، فخرج الإخوان يعترضون على الحكم ويثيرون بعض الفارغين من الذين يحسبون أنفسهم ثواراً! أما هؤلاء الفارغون من القوى الثورية فإننى أنصحهم حين يخرجون للتظاهر أن يحنوا ظهورهم قليلاً حتى يستطيع الإخوان ركوبهم كالعادة وحين يبلغ الانحناء مداه فإننى أقول لهم: هل تذكرون من الذى قادكم كالبعير لقصة الاستفتاء على تعديل دستور 1971 فى التاسع عشر من مارس المنكوب؟ إنهم الإخوان، وبفعلتهم هذه جعلوا المرجعية للدستور لا للثورة، أو بمعنى أدق أصبحت المرجعية الثورية فى خبر كان، فكان أن تمت محاكمة مبارك أمام محكمة قانون لا ثورة أيها الأغبياء، ضحك عليكم سليم العوا والبلتاجى والعريان واستغفلوكم، فكان لا بد أن يحصل مبارك على البراءة لأن محكمة القانون لا شأن لها باتهامات الفساد التى ثار الشعب بسببها، مبارك كان يحاكم على بضعة أيام من الثورة، وبعض جرائم مرتبطة بهذه الأيام، وأى رجل قانون يعلم علم اليقين أنه من المستحيل على أى أجهزة أمنية أن تجمع أدلة معتبرة فى أوقات الفتن والشغب، وبالتالى كانت الدعوى خالية من أدلة إدانة معتبرة ضد الرجل والفريق الذى حوكم معه، لذلك كانت البراءة.

ولعلكم تذكرون أن القتلى كانوا يتساقطون فى ميدان التحرير وقناصة الإخوان على أسطح العمارات، والفرقة «95» الإخوانية تحمل بنادقها المعدة للقنص فاصطادت من اصطادت دون أن يقع قتيل واحد من الإخوان! وفى كل الأحداث التى وقع فيها قتلى بعد ذلك لم يكن أحدهم من الإخوان، ولكن فى كل الأحوال كان الإخوان - أيها المغفلون الثوريون - يهتفون :«يا مشير إنت الأمير» وأظنكم تذكرونهم فى أحداث محمد محمود وتذكرون ما فعلوه بكم، والآن يوجهونكم بالريموت لتقويض وضرب الشرطة المصرية التى حملت عنا الكثير وواجهت الإرهاب، وسقط منها مئات الشهداء فى سبيل الدفاع عن الأمة المصرية، هل ينسى أحدكم جهاد الأمن المصرى؟! ذلك الأمن الذى حاولت جماعة الإخوان اختراقه وأخونته فظل عصياً على الاختراق، ثم بعد أن ثار الشعب على الإخوان وإرهابهم لم يكن أمامنا إلا أن نلقى على عاتق الأمن المصرى الكثير، بل فوق ما يحتمل، ورغم أن ثورة يناير كانت شيئاً رائعاً إلا أنه كان من مساوئها أن تلاعب الإخوان بمؤسسات الدولة. كان المقصود لمن لا يعلم هو القضاء على وزارة الداخلية بكاملها، للثأر من ناحية وللعقيدة من ناحية أخرى، فبين الإخوان ووزارة الداخلية ثأر قديم، وجماعة الإخوان لا تنسى ثأرها أبداً ولو بعد قرون، أما العقيدة فجماعة الإخون ترى أن عقيدة الشرطة هى عقيدة كافرة، وأصل ذلك أنهم يعتقدون أن الشرطة يجب أن تحقق بالترتيب مقاصد الشريعة، وأول مقصد هو حفظ الدين، وبالتالى يجب أن يكون مقصد الشرطة الأول هو «حفظ الدين» فى المجتمع بالقيام بدور الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وتتبع الناس فى الصلاة والصيام وغير ذلك من الفرائض، ووفقاً لما عشته فى الإخوان كان هدفهم الأكبر حين السيطرة على الحكم هو القضاء على جهاز الشرطة بأكمله لأنه فى تقديرهم غير مهيأ لتحقيق مقاصدهم فى المجتمع.

وللأسف أقول بكل ألم إن جماعة الإخوان استطاعت التلاعب بالقوى السياسية قبل الثورة، فنقلت لها كراهيتها للأمن مستغلة فى ذلك بعض انفلاتات أمنية كانت تحدث بسبب سوء الإدارة أو غياب الرقابة، وكان معظمها يقع على جماعات الإرهاب، وفى تقديرى أن ما أطلقتُ عليه الآن «انفلاتات الأمن السياسى قبل الثورة» كان فى الواقع سلوكاً مستحقاً على معظم من وقع عليهم، نعم، فهؤلاء الإرهابيون نبت خبيث وما كان من الممكن أن تتم السيطرة عليهم إلا بإجراءات استثنائية، وإحالتهم للمحاكم العسكرية كان مستحقاً أيضاً، بل هو ما يطالب به المجتمع حالياً لاستئصال شأفتهم.

جهاز الأمن هذا الذى أعمل الإخوان معاولهم فى هدمه قام بدور وطنى مجيد لا يمكن أن ينساه إلا الجاحد، ووزير الداخلية الحالى كان من الذين وضعوا أرواحهم على أكفهم، اختلفتُ معه كثيراً، ولكن الحق أحق، فنقد منظومة الشرطة التى يقودها الوزير محمد إبراهيم لا ينبغى أن يكون بمعزل عن ذلك الذى حدث من قبل للشرطة، وأظن الرجل فعل المستحيل حين تم اختياره فى زمن الإخوان، فقد كان يراد منه أن يستكمل خطتهم فى هدم وزارة الداخلية، ولكنه رمى بتعليماتهم عرض الحائط وبدأ فى إعادة بناء جهاز الشرطة مرة أخرى، وبعد الثورة قاد عودة الشرطة للشارع المصرى بشكل حقيقى مشرف، كل هذا حدث والإرهاب ينهش فى أحشاء البلد، ثم رأينا فى عهده الأمن وهو يتعافى كثيراً ويحبط العشرات من مخططات الإرهاب، ولكن كل هذا لا يدعنا نصفق له أو نضع له المشانق، بل يجعلنا نسعى لدعمه وتقديم النصيحة له، ودعوته لإعادة هيكلة جهاز الشرطة من جديد، ووجوب أن يعيد كل ضباط الأمن الوطنى المبعدين، نعلم أنه أعاد بعضهم ولكن الكثيرين من أصحاب الخبرات لا يزالون خارج الجهاز، ندعوه للقيام بدور رقابى على أعلى مستوى لمواجهة الأخطاء التى تقع من بعض رجال الشرطة وتجعل العلاقة بينهم وبين الشعب سيئة، ثم ندعوه لتنشيط الأمن الجنائى ليكون المواطن آمناً على نفسه، ولتعلم الشرطة فى كل حين أنها فى «حضن الشعب» لذلك لن تفلح محاولات الإخوان، ولن يفلح فلول الثوار فى هدم كيان الدولة المصرية، ففى مصر رجال