رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحية إلى الشعب!


كانت القوات المسلحة، وهى قوات الشعب قد تحملت العبء الأكبر بحكم وظيفتها وسبب وجودها، فإن عائلات هؤلاء من آباء وأبناء وإخوة قد تحملت كثيراً نتيجة غياب هؤلاء الرجال عن عائلاتهم فترة طويلة خاصة أن كثيراً منهم كان فى حاجة إلى من يرعاهم.

ابتكر السيد رئيس الجمهورية سلاماً جديداً وتحية عسكرية جديدة حينما طلب من السيد قائد طابور العرض الذى أقيم فى الكلية الحربية بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر المجيدة أن تؤدى التحية إلى الشعب المصرى، وهى تحية واجبة إلى الشعب، ولطالما وجهتها شخصياً إلى الشعب فى كل ذكرى للحرب سواء فى أكتوبر مثل هذه الأيام، أو فى رمضان بمناسبة العاشر من رمضان، أو فى ذكرى تحرير سيناء، ففى كل مرة أتذكر أن الحرب لم تكن لتكون لولم يعلن الشعب فى التاسع من يونيو 1967 رفضه للهزيمة وتمسكه بقيادته وبمبادئه، وباستعداده لتقديم التضحيات من أجل إزالة آثار النكسة، ولم تكن النكسة لفظاً نخفى من ورائه الهزيمة، وإنما كانت تعبيراً عن وضع كنا قد نهضنا فيه من تخلف فرض علينا، ثم جاءت النكسة لتسلب منا ما حققناه.

ولم يقتصر دور الشعب على يومى التاسع والعاشر من يونيو 1967 وإلا كان يعنى أنها مجرد انفعال أمام لحظة صعبة واجه بعد ذلك واقعاً لم يستطع أن يواجه متطلباتها، لكن هذا الشعب تحمل الكثير حتى يستطيع الوصول إلى أكتوبر 1973، وأظن أن من أهم ما تحمله هو تهجير مدن القناة حيث تحمل سكان هذه المنطقة آلام التهجير لما يقرب من ست سنوات وهى فترة ليست بالقليلة من عمر الإنسان، بل من عمر جيل بأكمله، وتعرضت مساكنهم وممتلكاتهم هناك للتدمير من القصف الإسرائيلى سواء بالمدفعية أو بالطائرات. وفى المقابل استقبل أبناء الوادى إخوتهم من القناة بكل الترحيب والرعاية.

وإذا كانت القوات المسلحة، وهى قوات الشعب قد تحملت العبء الأكبر بحكم وظيفتها وسبب وجودها، فإن عائلات هؤلاء من آباء وأبناء وإخوة قد تحملت كثيراً نتيجة غياب هؤلاء الرجال عن عائلاتهم فترة طويلة خاصة أن كثيراً منهم كان فى حاجة إلى من يرعاهم.

وإلى جانب القوات المسلحة قامت المؤسسات المدنية المختلفة بدور هائل لتوفير احتياجات المعركة واحتياجات القوات المسلحة، وقام الكثيرون بأعمال كثيرة خارج ساعات العمل وكان مجرد معرفة أن هذا العمل يتم لصالح المعركة أو لصالح القوات المسلحة كافياً لتقبل كل جهد وكل تضحية، وقد قامت شركات التشييد بدور هائل فى إعداد مواقع وحدات صواريخ الدفاع الجوى وضحى كثير من عمالهم بحياتهم من أجل استكمال إنشائها.

من جانب آخر، قامت محاولات إضافية من بعض مؤسسات المجتمع المدنى لرعاية أسر المقاتلين وحل مشاكلهم حتى يتفرغوا لمهامهم على الجبهة التى امتدت فى فترة لتشمل العمق المصرى بالإضافة إلى الجبهة. ونذكر هنا بشكل خاص العدون الإسرائيلى على مدرسة بحر البقر وعلى مصنع أبى زعبل للكيماويات، كما شمل فى السابق مستودعات الزيتية للبترول ومحطة محولات نجع حمادى.

طبعاً القوات المسلحة تشتمل على ضباط وجنود، والجنود مجندون واحتياطيون، وقد توقف تسريح المجندين بعد عدوان 1967، وهكذا ضحى الكثيرون بفترة مهمة من حياتهم كانوا يخططون لاستغلالها، فهناك الجامعى الذى كان يخطط للحصول على درجة علمية، وهناك من كان يريد تطوير حرفته، وهناك من كان يخطط للزواج وغيرهم كثيرون، وقد اضطر أغلب هؤلاء إلى تأجيل خططهم عن رضا حتى يتحقق الهدف الوطنى، هدف التحرير، وبعضهم قضى قبل أن يحققه، والبعض الآخر حققه بعد الحرب.

كل ما سبق يوضح لنا أسباب سلام الشعب، والتحية إلى الشعب، ولكن المشكلة أن كلمة الشعب تعبر عن قطاع كبير وليس كله متجانساً، وليس كله منسجماً مع أهداف الشعب، وبالإضافة إلى المخلصين من أبناء هذا البلد كان هناك من يفت فى عضد الشعب، ومن يتقاعس عن القيام بواجباته، وربما من تآمر مع أعدائه، صحيح أنهم قلة، وأنهم جرى اكتشاف أغلبهم لكن يبقى أن تعبير «الشعب» تعبير فضفاض يضم فى جوانبه الطالح إلى جانب الصالح، و الخائن إلى جانب المخلص، والمتقاعس إلى الجانب المبادر، والعاجز إلى جانب القادر. ليس المقصود هنا أن نسحب التحية إلى الشعب، فقد سبق أن وجهتها قبل أن يوجهها الرئيس، وقد سبق للرئيس جمال عبد الناصر أن وجه هذه التحية من خلال تقديره وفهمه لما جرى يومى 9 و10 يونيو 1967، ولكن لكى نتذكر ونحن نوجه التحية أنها ليست مطلقة لكل من هو محسوب على الشعب، ولكن لكل من قدم ويقدم التضحيات لصالح هذا الشعب.

■ خبير سياسى واستراتيجى