رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى مواجهة الاختيار الصعب!


اذا كانت الولايات المتحدة تبحث عن تآلف أو تحالف إقليمى فمن الطبيعى أن نتصور أنها تبحث عن حلفاء يستطيعون إرسال قوات برية لمواجهة قوات «داعش»، ومن الطبيعى أيضا أن نتصور أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتقد بأحقيتها فى قيادة هذا التحالف الإقليمى، وأن تحدد أهدافه ومهامه
لا شك أن الحياة فى مجموعها هى سلسلة من الاختيارات، وكل اختيار يؤثر على ما تلاه من اختيارات، ويمر الإنسان فى حياته بلحظات يجد نفسه فى مواجهة الاختيار بين بدائل، ويدرك أن اختياره سيؤثر على ما يليه من اختيارات حيث سيدخل فى المجال الخاص بالاختيار الذى سيقع عليه، وكما يمر الإنسان بلحظات الاختيار، تمر الأمم أيضا بلحظات الاختيار، وهى اختيارات بدورها تؤثر عليها فى مواجهة ما يمر من أحداث، وبالتالى ما يليها من اختيارات.

ولقد مرت مصر فى القرن العشرين باختيارات صعبة، منها: اختيار الدور الذى تلعبه فى الحرب العالمية الثانية، ومنها الانضمام إلى أحلاف ما بعد الحرب، أو الانضمام إلى حركة عدم الانحياز، والمساهمة فى التكتل العربى تحت مظلة جامعة الدول العربية، والاتجاه نحو الوحدة العربية، والمشاركة فى التعاون الإسلامى بمراحله، وهكذ وجدت نفسها فى خضم الاختيارات إلى جانب اختيار طريق التصنيع، والعدالة الاجتماعية، وتحملت نتيجة لاختياراتها مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية والعدوان الثلاثى على مصر، ثم الحرب عام 1967 وواجهت معركة إعادة البناء، ومعركة التحرير عام 1973 وما تبعها من اختيار ما عرف بالسلام، ثم اختيار المشاركة فى الحرب ضد العراق فيما عرف «بحرب تحرير الكويت»، وهكذا استمرت مصر تواجه اختيارات كان أغلبها صعباً وأحياناً مراً، ولكنها كانت دائماً تواجه الاختيار وأحيانا تختلف حوله.

ولقد مرت مصر منذ يناير 2011 باختيارات صعبة لا نستطيع الجزم بأنها تجاوزتها، خاصة أنها مرت بمراحل مختلفة أولاها: قادها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وثانيتها قادتها الجماعة الإرهابية برئاسة محمد مرسى، ثم المرحلة الثالثة ورأسها المستشار عدلى منصور، وأخيراً المرحلة الرابعة ويرأسها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وقد ساد اختيار المرحلة الأولى تفادى الاصطدام والمحافظة على العلاقات القائمة مع العمل على تطوير العلاقات مع الجميع فى الداخل والخارج مما وفَّر فرصة لجهات داخلية وخارجية للسيطرة على المشهد، ثم جاءت المرحلة الثانية التى تميزت بالخطورة الشديدة على كل من كيان الدولة والأفراد نظراً لغياب فكرة الوطنية. ودخلت فى صدامات داخلية أدت فى النهاية إلى 30 يونيو والإطاحة بنظام الجماعة الإرهابية، وبدأت المرحلة الثالثة وارتبطت بوضع الدستور والاستفتاء عليه، ثم بانتخاب رئيس الجمهورية، وهكذا بدأت المرحلة الرابعة وهى تواجه اختبارات واختيارات شديدة الصعوبة.

يبدو أننا نواجه أو أننا سنواجه قريباً اختياراً خطيراً حيث كما نعلم فإن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية قد أعلن أنه ليست لديه استراتيجية لمواجهة الإرهاب فى العراق والمنظمة المعروفة باسم «داعش» وأنه كلف وزير خارجيته جون كيرى للتوجه إلى منطقة الشرق الأوسط بغرض إنشاء تآلف إقليمى لمكافحة الإرهاب، ولا توضح وسائل الإعلام شيئاً من تفاصيل فكر الرئيس الأمريكي، ولا مشروعات وزير خارجيته لتنفيذ توجيهات الرئيس.

هنا لا بد من أن نتذكر أشياء هى أن الرئيس الأمريكى قد سبق أن اتخذ قراراً بتوجيه ضربات جوية إلى التنظيم السابق، ولكنه أكد أنه يرفض إرسال جنود، أو ــ على حد تعبيره ــ «حذاء على الأرض»، وأنه أرسل جنوداً لحماية السفارة الأمريكية فى بغداد ولكن ليس لمحاربة «داعش»، وأن الرئيس الأمريكى لم يفكر فى التدخل فى الصراع حينما كان الصراع يدور ضد السُّنَّة فى الرمادى، وأنه لم يهتم كثيراً حينما سيطرت «داعش» على الموصل، ولم يهتز حينما اتجهت «داعش» إلى أربيل فى كردستان العراق حليف الولايات المتحدة، ولكنه اهتم حينما بدا أن التنظيم المذكور يتجه نحو مناطق عمل شركات بترول أمريكية فى كردستان العراق!!

إذا كانت الولايات المتحدة تبحث عن تآلف أو تحالف إقليمى فمن الطبيعى أن نتصور أنها تبحث عن حلفاء يستطيعون إرسال قوات برية لمواجهة قوات «داعش»، ومن الطبيعى أيضا أن نتصور أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتقد بأحقيتها فى قيادة هذا التحالف الإقليمى، وأن تحدد أهدافه ومهامه، وأن تستخدمه داخل المنطقة دون حق أحد فى مراجعتها، كذلك نتوقع أن ترى الولايات المتحدة أن مصر هى أكبر قوة إقليمية تستطيع توفير قوة برية على الأرض، صحيح ليست وحدها، ولكنها الأكبر، وأنها بتوفير المعونة الأمريكية لسنوات تستحق أن تطلب فتُجاب، خاصة أنها قد أفرجت أخيرا عن طائرات «أباتشى» التى احتجزتها ومنعت تسليمها لفترة طويلة نسبياً، وأخيراً فإن الولايات المتحدة لديها وسائل ضغط على مصر وعلى رأسها إسرائيل.

هنا تحد جديد للقيادة المصرية وعليها أن تختار، وأعتقد أن غالبية الشعب المصرى ترفض المشاركة فى تحالف بهذا الشكل، لكن نتائج الرفض تؤثر على قدرته على تحقيق أهداف المرحلة، خاصة بعدما أبدت القيادة الحالية توجهاً عروبياً.