رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لم يعرفوا الله


عندما كنت أقلب أوراقى وقع تحت يدى مقال كانت قد أرسلته لى تلميذة نابهة من تلاميذى، أشهد أن بصيرتها وفطرتها تضعها فى مصاف كبار المفكرين ، وكانت مما قالته تلميذتى المبدعة عن تلك المسوخ البشرية التى تسير بيننا، وتتحدث باسم الدين وكأن الله لم يهد إلاهم...
... «أفكر كثيرًا فيما كان عليه الناس قبل أن يتحول الجميع إلى مسوخ، ومن الذى كان عالمًا بأفكارهم وتوجهاتهم حتى استطاع أن يعبث بأصل تكوينهم عبر الزمن، بدا الأمر صعبًا فى سحيق الزمن عندما كان مسخ العجائز أمراً فى غاية الصعوبة، الآن أصبح لا يولد للبشرية إلا المسوخ، وقديماً قيل من «شابه أباه»، لا أشك أبدًا فى أن من قام بذلك العمل المشين قد ارتدى بإخلاص ثوب الله، ظن أنه يده الباطشة فى الأرض، تعلم كتبه ورحماته وعرف منها نقاط ضعف خلقه ثم استخدمهم بها، تمعن فى الوثائق التى تشرح كيف هو، خبأ منها ما يمكن أن يرشده للنور ونشر ما يريد هو، فأظهر الله بوجه لم يكن أبدًا له، ونشر أديانًا ومذاهب لم يخبر عنها، مسخ كل ما يوصل لله الحق، وحتى يقبل الناس ذلك ويدافعوا عنه كان يجب مسخهم أيضًا، هذا هو «الحقانى» من الحقن وليس من الحق، صاحب الأمر والنهى، زعيم «أهل الحقن» وهو من يصدر الأحكام المطلقة على الجمهور سواء كانوا من «العامة» أو من «طلبة الحقن» ولم ينس «الحقانيون» أن يضعوا قواعد مشددة لحماية أنفسهم، فكانت القواعد الصارمة والوعيد الشديد لمن خاصمهم أو جادلهم أو سابهم للدرجة التى أصبحت تعقد الندوات والمؤتمرات وتطبع الكتب والمجلات فى التحذير من تجاهلهم، وكأنما نسى هؤلاء أن لهم نبيًا عندما قال «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ» رد عليه ربه «لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ» نسوا أن الشخص الصالح فى كل تاريخ هو الذى يتحمل أذى الناس وجهلهم ويمسك بأيديهم ويوجههم، لا يتكبر أبدًا أو يشترط طريقة معينة فى التعامل معه و«الأدب» فى المرور من مملكته وأخذ موعد مع زبانيته لمقابلة قداسته، لم يكن نبى هكذا ولم يكن الله، فمن أنتم؟.

يشعر هؤلاء تجاه «الله» بتمام الرضا، فقد أضفى عليهم تعظيم الناس وتقديسهم علوا فى أنفسهم حتى ظنوا وكأنهم شاركوا الله فى خلقه لهم، يأمرون فيجدون جماهير غفيرة تُسَبِّح بحمدهم، يزول ملوك وتدحر ممالك وهم باقون، هم تارة واسطة بين الله والغوغاء، يرفعون لهم صحفًا بعدد المرات التى يجب عليهم فيها أن يقوموا بطقوسهم وأن يتحدثوا عنه فى خلواتهم، بآلية يتلون ويقرأون، وبإصرار يعيدون ويزيدون، وتارة أخرى يمثلون دور المتحدث الرسمى منه إلى الناس، يؤكدون أن القواعد الأساسية منه إليهم سليمة، ثم يفسرونها كما أرادوا وكما ظنوا أن فيه الحفظ لهم، وفى آخرة هم عشاق له مدوا المجالس وأشعلوا المصابيح ورفعوا التراتيل والأشعار، لا أحد ولا سلطة تملك أن تنتقدهم أو تقلل من شأنهم، وإن تجرأ أحدهم فهو دائمًا المخطىء الرجيم، ويظل ملكوتهم ترفرف عليه أجنحة الرضا.أما السدنة «طلاب الحقن» أو «المتحيقنون» فهم الطوافون بمنازل الحقانيين، الناشرون لمناقبهم، المكافئون بجزء لا بأس به من قداستهم، رفع أهل الحقن عنهم شبهات الخطأ فأصبحوا دائمًا على صواب، وإن زلت ألسنتهم أو أقلامهم بما يخالف مرتبتهم العليا يُغفر لهم، خطأهم هو الاجتهاد وصوابهم هو الفتح المبين، وكلٌ من عند الله.لا يطلب منك إذن فى عالم المسخ، حتى تكون واحدًا من أهل الحقن إلا أن تظهر-وأهل بيتك- بالمظهر المثالى تأسيًا بأكبر حقانى وصل إلى مسامع قريتك وتقتنى بعض الكتيبات ثم تلتحق بدورات أو حلقات حق لتقتنى أو تستعير كتبًا أكبر، حتى إذا ما حملت تلك الكتب وذهبت وقفلت إلى منزلك فهنيئاً لك، قد حصلت على القداسة وأصبحت أهلاً لتُعامل كحقانى صغير. وفى الطبقة الدنيا يأتى «العوام»، و«العامى» مصطلح يطلقه حراس الكتب والنظريات الحقانية على جميع البشرية دونهم وطلابهم.. وكل ما يصل ذلك الشخص الذى يمثل الأغلبية، عن الله، أنه الغيب الذى لا يمكنك السؤال عنه أو تخيل أى علاقة به.. مصدر العقاب والعذاب.. كما هو من ترفع يديك له وتقول «يارب» فيجيبك صوت: لن يجيب فاسدًا مثلك.. حقاً لم يعرف أحد منهم الله.