رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تطوير القناة هو البداية الحقيقية للثورة


عملية الاكتتاب لن تكون قيمتها الحقيقية هى الجانب المادى فى شكل التمويل بطريقة الأسهم والسندات ولكن الأهم هو رفع الركام وإزالة التراب من على فعل الانتماء الذى غاب وتوارى فى ظل عوامل نحر كثيرة ومتعددة.

الثورة أى ثورة لا تقتصر على هبة جماهيرية تسقط رئيساً أو تغير حكومة أو تعيد صياغة دستور جديد أو تشكل برلمانا آخر، ولكن الثورة الحقيقية هى التى تغير جميع مناحى الحياة تغييراً جذرياً إلى الأحسن والأفضل ولصالح جميع أبناء الشعب، الثورة هى رؤية سياسية متكاملة تعمل على إعطاء الفرصة وإقرار حق المواطن أن يمارس دوراً سياسياً بكامل حريته، وفى إطار القانون وأن يكون له الحق الكامل فى المشاركة فى اتخاذ القرار عن طريق حق الانتخاب وحق الترشح فى انتخابات نزيهة دون أى وصاية من أى نوع، الثورة هى ثورة اقتصادية تعظم إيرادات الدولة وتكتشف إمكانات الوطن المادية والمعدنية والبشرية وتوظفها التوظيف السليم لصالح المجموع من خلال رفع الكفاءة وتعظيم الإنتاجية فى المجال الزراعى والصناعى والخدمى حتى نحقق الوفرة.

فلا نستورد ولا نقترض ولا نذل ونرهن إرادتنا للمعونات المشروطة التى لن تكون أبدا لوجه الله، الثورة هى تغيير فى منظومة القيم والأخلاق وتفعيل للانتماء للوطن حتى نعلى من قيمة العمل والأمانة والإخلاص، فلا فساد فى وجود هذه المنظومة ولا وجود أو تواجد لأى قيم أو أخلاق أو انتماء مع حالة الفساد التى نخرت كثيرا فى عظام الوطن وفى كل الاتجاهات دون استثناء، الثورة هى إحقاق الحق وإرساء العدل والمساواة بين المصريين بالكفاءة دون واسطة ومحسوبية ورشوة لتبوأ المواقع، فتغيير الرجل المناسب فى المكان المناسب لا قيم ولا انتماء بل غربة واغتراب ونحن نعيش على أرض الوطن.

الثورة هى رؤية ثورية ترصد قضايا الوطن وتعى مشاكل الجماهير وتملك حلولاً ثورية غير تقليدية حلولاً ثورية بعيدة الأمد بعيداً عن مدرسة بيع الوهم للمواطنين مع تراجع الأحوال إلى الأسوأ، وهنا لماذا ارتبط التغيير والفعل الثورى بما يسمى بـ«المشروع القومى»، المشروع القومى هنا لا يعنى أبداً إقامة مشروع ما أو افتتاح مصنع ضخم أو إنشاء شبكة مواصلات ومجموعة كبارى أو حتى التحرك نحو إنشاء بنية أساسية حقيقية، حيث إن كل هذه الأشياء تنشأ وتأتى وتسير فى الإطار الطبيعى لأى دولة ولأى نظام، ولكن المشروع القومى هو ذلك المشروع الذى يمتلك بين جنباته ذلك الفعل الثورى الحقيقى غير التقليدى والذى يشحذ الهمم ويحيى الانتماء ويثير النخوة الوطنية، هو المشروع الذى لا يخلو من مواجهة حقيقية فى كثير من الاتجاهات، مواجهة مع قوى لا تريد تحقيق هذا المشروع سواء كانت هذه فى الداخل أو الخارج، مواجهة فى إمكانية التنفيذ وضخامته بما يتجاوز المشروعات العادية من حيث الحجم ومدة الإنجاز والنتائج المترتبة على نجاح هذا المشروع.

ولذا كانت قناة السويس عند حفرها مشروعاً كبيراً عالمياً ولكنه لم يكن مشروعاً قومياً كما يجب إلا عندما تم تأميم القناة وأصبح عائدها للمصريين وليس للأجانب، نعم كان السد العالى مشروعا قومياً بحق لأنه جاء فى مناخ تحد عالمى لقوى استعمارية عالمية تصدى لها الشعب المصرى وتحدى الصعاب وشارك الجميع فى بناء السد ليس على المستوى العملى والفعلى فى أسوان ولكن كانت المشاركة على كل المستويات السياسية والثقافية والفنية، فكان السد حالة انتماء حقيقى للوطن قبل أن يكون مشروعا متعدد المنافع فى أسوان.

وقد جرت فى النهر مياه كثيرة وكان ما كان فكانت يناير ويونيو ولكن لا أحد يستطيع أن يقول إن الثورة تحققت فالأمور مازالت تسير فى طريقها التقليدى ولا غير ذلك، ولكن كانت المفاجأة فى الأسبوع الماضى عندما ذهب «السيسى» إلى الإسماعيلية ليعلن عن البدء فى مشروع تطوير محور قناة السويس الذى بدأ بحفر قناة موازية للقناة بطول 72 كيلو مترا، منها 35 كيلو متراً حفراً جافاً 37 كيلو مترا توسعة للقناة على أن يتم تمويل هذا المشروع الذى قرر السيسى إنجازه فى عام واحد بدلا من ثلاثة أعوام يمول من المصريين، وهنا كان وسيكون إن شاء الله هذا المشروع وبحق هو المشروع القومى والوطنى الحقيقى الذى سيدشن طريق تحقيق الثورة على أرض الواقع.

فعملية الاكتتاب لن تكون قيمتها الحقيقية هى الجانب المادى فى شكل التمويل بطريقة الأسهم والسندات ولكن الأهم هو رفع الركام وإزالة التراب من على فعل الانتماء الذى غاب وتوارى فى ظل عوامل نحر كثيرة ومتعددة.

إنه مشروع قومى لأنه ضربة معلم فى مواجهة إسرائيل التى تريد إنشاء قناة موازية لديها بديل لقناة السويس، ضربة لكل من يعمل على تقويض سلامة الوطن ويسعى إلى هدمه عقاباً على سلطة أسقطها الشعب، ضربة لأنها جاءت فى توقيت غير عادى تمر به المنطقة كلها بهدف التفتيت والتمزق والجيش المصرى ليس ببعيد عن هذا المخطط، نعم إن مشروع القناة هو المشروع القومى الذى سيحول انتفاضتى يناير ويونيو إلى ثورة حقيقية أنجزها الشعب المصرى العظيم كعادته دائما، حتى تظل دائما وأبداً مصر لكل أبنائها المصريين.

كاتب وبرلمانى سابق