رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العبادة والحياة.. والعلاقات


هل من توافق بين ما نؤمن به وما نفعله؟ لقد عبر رجال ونساء الإيمان بالقول أن الإيمان بدون أعمال إنما هو إيمان ميت أى أنه لم يولد بعد. وأن الإيمان علاقة بين العبد والرب أما ثمار الإيمان فهى أعمال صالحة .
سؤال يجول بفكرنا من الطفولة والشباب ويلازمنا حتى نهاية العمر، والسؤال هو ما العلاقة بين العبادة والعابد والصلاة والصلة بين خليقة الله؟ لماذا يطلب منا الله – سبحانه أن نصوم عن الطعام والشراب ثم ننقطع وقتا لأداء الصلاة والعبادات؟ وما المردود من كل هذه الممارسات التى تقطع الوقت والجهد ثم بعضا من أموالنا لفعل الخير ومساعدة المحتاجين.

لماذا يسافر البعض فى مهام إنسانية تاركين أوطانهم وذويهم فى مجتمعات أقل حضارة وثقافة من مجتمعاتهم ليعالجوا الأمراض الخطيرة معرضين أنفسهم للعدوى وسوء الأحوال المعيشية والبيئية ليقدموا علاجا للأطفال والكبار؟.

لماذا بقيت الملاجئ لإيواء الأيتام وأطفال الشوارع والمسنين الذين لا مأوى لهم وقد لا توجد رابطة جسدية أو ثقافية أو حتى وطنية إلا العلاقات الإنسانية الطبيعية أى الآدمية؟.

لماذا تقدم الدول الفنية مساعدات طبية وثقافية وإنسانية لدول لا تربطها بها الإ العلاقة الانسانية ودوافع روحية قلبية لماذا تشكل قوات لا هدف لها الإ للحفاظ على السلم وتسمى قوات حفظ السلام بين الدول المجاورة أو بين فرقاء فى الدولة الواحدة حيث تثار فيها نعرات عدائية يتقاتل فيها الإخوة وأبناء العمومة وشركاء اللحم والدم؟.

لماذا يحرص المتعادون والمتخاصمون والمتربصون ببعضهم البعض على الصوم والصلاة بينما القلوب مملوءة خصاما وكراهية ومرارة، حتى وتراق دماء الأطفال والمسنين بلا رحمة حتى بالمرضى والمصابين؟.

لماذا تقاتل أبناء الديانة الواحدة كما حدث فى العصور الوسطى من الكاثوليك والبروتستانت كل من يدافع عن عقيدته ونظم عبادته، ناسين أن الدين للديان ولو شاء لوحد كل الأكوان؟.

لماذا يذبح البشر فى دول مجاورة دون رحمة مع أنهم أبناء وطن واحد شركاء فى الأرض والقصر حتى نسى الجار جاره وبعبارة السيدة العراقية وهى تبكى أن جيرانها تنكروا للجيرة ونسوا المعلمين الذين علموا أولادهم والأطباء الذين عالجوا أمراضهم وأعمال الشفقة التى عوملوا بها؟.

لماذا كل هذا الجحود والجمود؟

هل من توافق بين ما نؤمن به وما نفعله؟ لقد عبر رجال ونساء الإيمان بالقول أن الإيمان بدون أعمال إنما هو إيمان ميت – أى أنه لم يولد بعد. وأن الإيمان علاقة بين العبد والرب أما ثمار الإيمان فهى أعمال صالحة . وقد قيل إن دلالة الإيمان تظهر فى كسوة المريض، وإطعام الجياع، وعلاج المريض، وزيارة المحبوس، وإيواء الغريب، وللإيمان ثمار من شأنها أن تحدث تغييرات جذرية فى حياة المؤمنين، ومنها :-

تغيير فكرى فكما يغير العلم أسلوب التفكير هكذا يفعل الإيمان حتى يتجه المؤمن الى الآخر بفكر جديد بعد أن كان يراه غريبا عنه، بل وقد يراه عدواً، كما درج بعض الجهلاء بالقول: «عدوك عدو دينك»، وهذا خطأ مزدوج، أو أنه بنى العلاقة على وحدة الدين فقط، فنظر الى المخالف نظرة العداء من الجانبين، فهو معاد لك ولى ولدينك ودينى، مع أن الدين للديان وليس لأى إنسان.

والإيمان يقود إلى تغيير الإرادة حتى يفعل فعل الخير كما ذكرنا فى البعثات الطبية والتعليمية والثقافية والإنتاجية وغيرها.

والإيمان يغير أولوياتنا، فبعد أن كانت الأولويات هى الأنا والذات، ثم الأقربين، والدوائر المشتركة، مع تغيير فى المسافات حتى تصبح أولوياتنا هى خدمة الإنسان دون شروط أو مواصفات غير الإنسانية، ويترتب على تغيير الفكر والإرادة والتوجه تغيير فى القوة، ولا أقصد بالقوة أنها العضلات والعتاد والسلاح، ولكن قوة وروابط إنسانية لا يستطيع عدو مهما كان أن يؤثر فيها أو يضعفها .

الإيمان إذاً باعث لتغيير الرؤى والمشاعر والأحاسيس، وترابط وتأن فى محبة حقيقية بحكمة ربانية، بفهم ناضج ووعى متكامل وإدراك لواقعنا ومستقبلنا.

تغيير فى الإدراك والعاطفة فى الأوليات والرغبات فى الأماكن والجوار وأساليب الحوار وبناء الجسور وترميم البنية الإنسانية قبل الانهيار والدمار وخسارة الحب والجوار. هذا ما يميز به الله الإنسان عن سائر الحيوانات والمخلوقات وإن كنا رأينا على مواقع التواصل الأسد يحمى الشاة الصغيرة فبدلا من أن يفترسها احتضنها، بل ودافع عنها ضد الوحوش المفترسة.

سبحان الله جل فى علاه يغير طبيعة الوحوش الضارية ليعطى الإنسان درسا حتى يتذكر مكانته ومعنى إنسانيته.

ليتنا ندرك مكاننا ومكانتنا، ومقاصد الخالق فى خلقنا، وإن فاتنا الدرس الروحى فلننظر حولنا ونتعلم من الطير والحيوان حتى المفترس منه. نعم لقد ميزنا الخالق ووهبنا أدوات التمييز، وطريق الحفاظ عليه، حتى تسقط الأعذار التى تحاول التذرع بها، ناسين القول الحق «أنت بلا عذر أيها الإنسان».

■ رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر