رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا حدث للمصريين؟


مصر انقسمت فعلاً إلى فريقين، فريق يقول: إن الخلافة فريضة، وهى فريضة حتمية، ولا خيار لنا فيها ولا حق لنا فى تبديلها ويجب أن تكون على شكل الخلافة الراشدة الفريق الآخر فيقول: «ليس هناك شكل للحكم، ونحن نعيش فى وطن عربى، نستمد عاداتنا وتقاليدنا من تاريخنا ومجتمعنا، ولنا الحق فى أن ننشىء لأنفسنا نظام الحكم الذى يتوافق مع مصالحنا...

ماذا حدث للمصريين؟ فقر وأمية وجهل وفى وسط هذا الركام ظهرت الجماعات الإسلامية التى تدعى أنها موصولة بالله رب العالمين، وحين غابت الدولة سيطرت تلك الجماعات فأفسدت عقولاً، وخربت قلوباً، وشوهت نفوساً، واستطاعت أن تستخدم كل وسائل البرمجة الذهنية من أجل السيطرة على جيش من الشباب الذى أصبح تحت يدها طائعاً مطيعاً، فرأينا فجأة غولاً مشوهاً يقود مجموعة من المسوخ باسم الدين بالريموت كنترول، ولكى نفهم الواقع يجب أن نمسك الخيط من أوله، إذ إنه حتماً سيقودنا إلى تفسير حقيقى لأحداث تمر بنا، نستشعرها غامضة وهى فى حقيقتها واضحة جلية، أما خيط الإرهاب والتطرف فى العصر الحديث فله تاريخ وبداية، فكيف كانت البداية؟

فى عام 1925 خرج للوجود كتابٌ فَجَرَ مصر من الداخل، هو كتاب «الإسلام وأصول الحكم» للشيخ على عبد الرازق، أثار الكتاب ضجة كبرى فى مصر والعالم العربى كله حيث جاء فيه «إن الإسلام لم يضع لنا شكلاً للحكم، ولم تكن الخلافة فريضة ولكنها كانت تناسب عصرها فقط.... ليس المهم عندنا شكل الحكم ولكن المهم هو أن يحقق نظام الحكم الذى نتخيره مقاصد الشريعة» كانت الطامة الكبرى عند البعض أن الشيخ على عبد الرازق تطرق للخلافة، ونفى فرضيتها أو فريضتها، فقام الأزهر الشريف بسحب شهادة العالمية منه عقاباً له على رأيه، وكتب عشرات الكُتَّاب منذ ذلك الحين إلى وقتنا هذا عشرات الكتب التى تحاول تفنيد رأى على عبد الرازق، وكتب العشرات أيضاً كتباً تؤيده فيما ذهب إليه.

وضح من هذه المعركة أن مصر انقسمت فعلاً إلى فريقين، فريق يقول: إن الخلافة فريضة، وهى فريضة حتمية، ولا خيار لنا فيها ولا حق لنا فى تبديلها ويجب أن تكون على شكل الخلافة الراشدة، وهى خلافة ممتدة لا حدود لها ولا أرض ولا وطن، إذ المستهدف منها الوصول إلى غاية واحدة هى السيطرة على العالم كله، فحيثما كانت أى أرض يصدح فيها الأذان فهى تابعة للخلافة الإسلامية، لا فرق بين عربى ولا أعجمى، وطننا فى السماء، وطننا هو لا إله إلا الله، ولا عبرة بالأرض ولا الحدود، وكان هذا الفريق يقوده كبار علماء الدين مع بعض الوزراء والشخصيات العامة التابعة للملك فؤاد الأول الذى كان طامحاً فى الخلافة بعد أن انقضت الدولة العثمانية.

أما الفريق الآخر فيقول: «ليس هناك شكل للحكم، ونحن نعيش فى وطن عربى، نستمد عاداتنا وتقاليدنا من تاريخنا ومجتمعنا، ولنا الحق فى أن ننشىء لأنفسنا نظام الحكم الذى يتوافق مع مصالحنا، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال «أنتم أعلم بشئون دنياكم» وهذه هى دنيانا، لنا أن نضيف لها ما يتناسب مع العصر، ولسنا تابعين ولا ينبغى أن نكون تابعين لدولة أخرى تحت أى مسمى، بلادنا ليست فى السماء ولكنها فى الأرض ذات الحدود المعروفة لنا والتى ندب عليها بأقدامنا، ندافع عنها بأرواحنا، أما موعدنا فى السماء فسيكون بعد الدنيا».

انشغلت مصر سنوات بهذا الصراع، ومازالت، وبعد سنوات قليلة من احتدام هذا الصراع، ومن اتجاه جمهرة من المتدينين بالفطرة والعاطفة إلى «وجوب دولة الخلافة» ظهر شاب درعمى صغير فى طور الشباب الأول، ولد فى مدينة المحمودية، وسافر إلى مدينة الإسماعيلية البعيدة عن مدينته، ليعمل بها مدرساً وفقاً لرغبته واختياره، وهناك حيث مجتمع يضم الموظفين الإنجليز والفرنسيين الذين يعملون فى شركة قناة السويس، ويضم أيضاً أغلبية مصرية من الحرفيين وصغار التجار وصغار الموظفين، فى هذه البقعة المتنوعة يعلن الشاب الذى كان فى بداية العقد الثالث من عمره إنشاء جماعة دينية اسمها جماعة الإخوان المسلمين، هدفها الأسمى هو «استعادة دولة الخلافة» لا تعترف بالوطن الذى نعترف به، وتريد أن يكون وطنها هو الدين، وليس الطين، وكان لهذه الجماعة الدور الأكبر فى قسمة المجتمع المصرى على خلفية عقائدية، لم تكن هذه الجماعة بعيدة عن يد المخابرات البريطانية، بل كانت فى قبضتها وملك يمينها، كانت كقطعة من قطع الشطرنج تحركها يد اللاعب، ومن بعدها تسلمت أمريكا الملف .