رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسباب القصور وتداركها


كثيرا ما كان مسئولون أمريكيون يبررون أسئلتهم أو تعليقاتهم بأن الولايات المتحدة تقدم معونات لمصر، وأن من حقها أن تتأكد من أن معوناتها لا يساء استخدامها، وهذه مبررات مهينة ومرفوضة، وسبق لمصر أن أوضحت أنها تقبل فقط المعوناتنرحب جميعا بما يصدر عن رئاسة الجمهورية وأجهزة الدولة عن رفضهم للتدخل الأجنبى، وقد اتضح ذلك بشكل خاص عند الحديث عن التعليق على أحكام القضاء، وما صدر من أحكام مختلفة على المتهمين فى قضايا الإرهاب، لكن مؤشرات التدخل الأجنبى محسوسة فى كثير من القضايا وأتصور أن الرئيس والحكومة يتعرضان لضغوط كبيرة قد تكون السبب فى أن مؤشرات التدخل أصبحت محسوسة، وربما كان أهمها هو زيارات شخصيات أجنبية ومن الغرب بالتحديد لمصر، والحديث عن تنفيذ خارطة المستقبل أو خريطة الطريق، وربما كان أقربها زيارة أعضاء من الكونجرس الأمريكى لمصر، كما نجد أحيانا تدخلات من الاتحاد الأوروبى، ثم هناك السياسة الخارجية، وخاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وما يتعلق بالأوضاع فى سوريا، وطموحات المصريين حولها، خاصة أن مصر قد استثمرت الكثير من مواردها فى هذه القضايا، كما أنها تعتبرها أموراً لا تتعلق فقط بحقوق هذه الشعوب، وإنما هى قضايا تتعلق بالأمن القومى المصرى، فيبدو أن ما صدر بخصوص هذه القضايا لا يتناسب مع توقعات شرائح كبيرة من أبناء الشعب.

حينما يحضر وفد من الكونجرس من الولايات المتحدة ليتحدث عن التقدم فى تنفيذ خريطة المستقبل فإن هذا يشير إلى أنه يناقش الشئون الداخلية المصرية، وخريطة المستقبل قد وضعها الشعب المصرى ووافق عليها، وهو من حقه أن يدخل عليها ما يراه مناسبا من تعديلات، بل من حقه أن يلغيها تماما ويضع خريطة أخرى، وهى أمور ليست لها علاقة بالولايات المتحدة ولا بالاتحاد الأوروبى، ويجب ألا تكون موضع نقاش، بمعنى أن يكون الحديث عنها مرفوضا من أى جهة أجنبية. كذلك فإنه لا يجوز لجهة أجنبية أن تتحدث، مجرد الحديث، عن أفراد محبوسين فى مصر وفقا لقوانينها، ونظامها القضائى، كما أنها لا يجوز لها أن تطلق أوصافا قانونية على أوضاعهم غير تلك التى تسميها السلطات المصرية، لذا فإن لفظ الاعتقال، والأحكام الجماعية غير وارد قبوله من هذه الهيئات، فضلا عن مطالبة البعض بالإفراج عن بعض المحبوسين والمتهمين بجرائم أمام محكمة الجنايات منها التخابر مع جهات أجنبية ومنها قضايا تتعلق بالأمن القومى، وأخيرا مطالبات بالعفو عن أشخاص صدرت ضدهم أحكام من المحاكم المصرية، حتى ولو كانوا من رعايا الولايات المتحدة الأمريكية أو دولة من الاتحاد الأوروبى.

كثيرا ما كان مسئولون أمريكيون يبررون أسئلتهم أو تعليقاتهم بأن الولايات المتحدة تقدم معونات لمصر، وأن من حقها أن تتأكد من أن معوناتها لا يساء استخدامها، وهذه مبررات مهينة ومرفوضة، وسبق لمصر أن أوضحت أنها تقبل فقط المعونات غير المشروطة، وقد سبق لمصر أن خاضت أزمات وصراعات حتى لا تسمح لغير الشعب المصرى بالتدخل فى شئونها، وهى الآن أكثر حاجة لتأكيد ذلك، فإذا كان هناك مؤتمر لأصدقاء مصر، فيجب أن يدرك هؤلاء الأصدقاء، أن هذا لا يعطيهم حق التدخل فى شئوننا الداخلية، ولا أن يشكلوا قيداً على الإرادة المصرية. أدرك أن الوضع الاقتصادى يشكل ضغطا على القيادة المصرية رئاسة وحكومة، لكننا لا نستطيع أن نشترى الخبز بالكرامة وحرية الإرادة، وأتصور أن من واجب الحكومة توضيح الوضع للشعب، ومطالبة الشعب بأن يكون قادرا على مواجهة الصعوبات، وربما الحصار، ولا يدفع مقابلها من حريته وكرامته، بل وأقول من مستقبله، فما نفعله اليوم يشكل لبنة من بناء المستقبل، وهذا المستقبل يمكن أن يكون مشرقا، وقد يكون غير ذلك، وإذا تركنا غيرنا يبنى مستقبلنا أو يشارك فيه، فإنه سيبنيه لصالحه هو، وليس لصالح الشعب المصرى.

وفى السياسة الخارجية وخاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والأزمة السورية نجد أن الموقف المصرى ليس على النحو المأمول، فليس من المعقول ولا المقبول أن نساوى بين الضحية والجلاد، وبين أصحاب الأرض والمحتل، وإذا كنا غير قادرين على تحرير فلسطين ولا مساعدة الشعب الفلسطينى لتحقيق ذلك، فليس أقل من أن نؤكد حقوقه والمطالبة بإنهاء الاحتلال، ومن استنكار ما يرتكبه الاحتلال الصهيونى من جرائم ضد الشعب الفلسطينى، ولا يمكن أن تكون أخطاء بعض الفلسطينيين مبررا للتقاعس عند المطالبة بالحقوق، وضمنها حق المقاومة وحق العودة، وليس من المعقول أن نساوى بين الصواريخ الفلسطينية والصهيونية، ولنتذكر أن القضية الفلسطينية ليست فلسطينية فقط، بل هى قضية أمن قومى مصرى وعربى. أما بالنسبة للأزمة السورية فرغم تحسن الموقف منها فإنه مازال أقل كثيراً من المطلوب، وعلينا ألا ننسى أهمية سوريا بالنسبة للأمن القومى، وعلينا تصحيحه. أخيراً فإن الشعب المصرى يحتاج إلى توضيح أسباب القصور عن الآمال حتى يمكنه أن يؤيد هذه السياسات، كما أن من حقه المطالبة بتداركها.

خبير سياسى واستراتيجى