رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخطوات الجزئية لا تكفى


يكفى أن أسأل ما إذا كان من الأفضل أن نواجه الخطر بعيدا عن حدودنا وبالتعاون مع آخرين، أم أن ننتظر حتى يتغلب على الآخرين ويصل إلى حدودنا. تتطلب الإجابة تحديد الظروف والعوامل لتى تقرر أيها أفضل!

تمر الأمة العربية بفترة شديدة الحساسية حيث تشعر دول وشعوب كثيرة بالقلق من تهديدات مرئية ومحسوسة، فى حين تجرى بعض الترتيبات التى بلا شك تساعد فى حال الحاجة إلى تعاون عسكرى بين دول عربية خاصة بين مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة، فى حين سبقتها ترتيبات مشابهة للتعاون بين القوات المصرية وقوات المملكة العربية السعودية، وإذا كانت دراسة أفراد من القوات المسلحة العربية فى المنشآت التعليمية العسكرية المصرية تساعد هى الأخرى على سرعة التفاهم بين هذه القوات، إلا أنها أيضا لا تكفى لتحقيق تعاون عسكرى على درجة معقولة من المصداقية والفاعلية. وقبل أن ننتقل إلى التعاون بين الدول فلا شك أنه من الضرورى تحقيق التعاون والانسجام بين عناصر القوات المسلحة للبلد الواحد حتى يمكن تحقيق أفضل استغلال لقوى الدولة على المستويات المحلية والإقليمية والقومية.

الواقع أن أكثر التهديدات خطورة فى الوقت الحاضر هى التهديدات القائمة فى العراق، والتى ما زالت هناك شكوك حول مصدرها، ففى الوقت الذى يشيع فيه الحديث عن تنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» والمعروف اختصارا باسم «داعش»، نرى عناصر عراقية تحاول إقناعنا بأن الذى يحدث هو من عناصر مقاومة وطنية عراقية تتألف من بعض عناصر حزب «البعث الاشتراكى» بقيادة عزة الدورى ــ نائب رئيس مجلس الثورة سابقا ــ ورجال العشائر العراقية، وبعض أفراد من الجيش العراقى الذى قام بريمر بحله، وقد يضيفون إليهم عناصر من تنظيم «داعش»، من جهة أخرى فإن نورى المالكى ــ رئيس الوزراء ــ يرفض أن يعترف بالواقع، وبأنه فشل فى تحقيق الأهداف العراقية، وخاصة تلك المتعلقة بوحدة الأراضى العراقية والشعب العراقى، وهكذا فإن خطأ المعلومات الواردة عن العراق تمثل فى حد ذاتها خطورة لأنها تمنع من يريد أن ينقذ العراق من أن يبدأ فى ظروف تسمح بالنجاح. فى نفس الوقت يشعر الكثيرون بالخطر الناجم عن تمدد حركة القوات العاملة فى شمال العراق وعلى الحدود العراقية السورية والعراقية الأردنية واحتمال وصولها إلى بعض دول الخليج، إضافة إلى اكتشاف خلية تابعة لتنظيم داعش فى سيناء وتهديدات من داعش إلى مصر، وبناء عليه يتردد كثيرا الحديث عن دور مصرى فى العراق، وفى الخليج وفى الأردن.

يبدأ الحل أولا بالاعتراف بحقيقة الوضع فى العراق، وهو بأن القوات والشرطة العراقية قد فشلت فى الدفاع عن العراق بدليل وصول قوات المعارضة إلى أماكن كثيرة، خاصة ما يتعلق بمدينة الموصل ومصفاة بيجى ومدينة القائم والاقتراب من بغداد، فالمنطق يقول بجواز أن تقوم المعارضة المسلحة بإرهاق القوات الحكومية، لكنها لاتستطيع هزيمتها نظرا لاختلاف تنظيمها وتسليحها. والغريب أن يطلب المالكى أن تستخدم الولايات المتحدة طائراتها ضد «داعش» أو حلفائها وأن تستخدم إيران قواتها دون أن يستخدم القوات الجوية العراقية بما يؤكد الفشل فى إدارة القوات المسلحة بل والقيادة الشعبية.

وإذا كان المالكى فاشلا فإن المعارضة المسلحة ليست أقل فشلا، فهى غير قادرة على لجم «داعش» ومنع ارتكاب جرائم، وهى تنسب لنفسها نتائج تخلى جيش المالكى عن سلاحها دون أن يكون لها نصيب فى ذلك. ومع تقدم «داعش» وباقى المعارضة تشعر الأردن بالخطر يدق أبوابها، كما تشعر دول الخليج بنفس الخطر. ومع تزايد الشعور بالخطر يتعالى الحديث عن دور مصر وقواتها المسلحة، بل إن من الواضح أن زيارة كيرى للقاهرة كان ضمن أهدافها بحث دور مصر فى مواجهة هذا الخطر.

من جهة أخرى أجريت مناورات مشتركة بين القوات البحرية المصرية والقوات البحرية لدولة الإمارات فى البحر الأحمر، وكان قد سبق إجراء مناورات مشتركة بينهما فى الخليج، ومعروف أنه سبق إجراء مناورات بحرية مشتركة بين القوات البحرية المصرية ونظيرتها السعودية. لا شك أن المناورات المشتركة خطوة مهمة فى مجال التعاون العسكرى، إلا أنها إجراء جزئى وغير كاف لتحقيق التعاون العسكرى بين البلاد، حيث يجب الاتفاق على ترتيبات التعاون والسيطرة فى حال مواجهة هذه الأخطار، هناك مسائل التحرك والاستقبال والإمداد والإخلاء والتعارف، والاتصال والسلطات. هذا فإن الخطوات الجزئية لا تكفى وعلينا استكمال باقى الخطوات ليس فقط مع دول الخليج، بل مع باقى الدول العربية خاصة أن المغرب العربى والسودان ليسوا بعيدين عن الأخطار. يبقى السؤال عن ضرورة هذا التعاون، ويكفى أن أسأل ما إذا كان من الأفضل أن نواجه الخطر بعيدا عن حدودنا وبالتعاون مع آخرين، أم أن ننتظر حتى يتغلب على الآخرين ويصل إلى حدودنا. تتطلب الإجابة تحديد الظروف والعوامل لتى تقرر أيها أفضل!

خبير سياسى وإستراتيجى