رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سقوط الأسطورة


كلنا يعرف العبارة الشهيرة المأثورة عن الإمام أحمد بن حنبل والتى يغفل عنها تجار الدين وهى:»لا تأخذوا الدين ممن يرتزق منه» وكلنا يعرف أنه لا كهنوت فى الإسلام ، ولكننا خلقنا طبقة الكهنة الذين يحلون ويحرمون، لم يضع كهنتنا أنفسهم أوصياء على الدين وعلى قلوب العباد فحسب، ولكنهم اشتغلوا بالتجارة بالدين ليصلوا من خلال الدين إلى الحكم...

... أفهم أن يتاجر الواحد منا مع الله، فما أربحها من تجارة، أما أن يقوم بالتجارة بالله فهذا هو المؤلم والمؤسف، ولكن جماعة الإخوان تاجرت بالله.

ومن فرط حسن نية معظمنا قبل أن يصل الإخوان للحكم أخذنا بظاهرهم ولم نمعن النظر فى حقيقتهم، لذلك كان الإخوان بالنسبة للشعب مثل المعيدى، هل تعرفون من هو المعيدي؟ هو رجل قيل عنه مثل، ولا أظن أن مثلا ينطبق فى الدنيا على جماعة الإخوان مثل هذا المثل الذى يقول «أن تسمع بالمعيدى خير من أن تراه» والمعيدى هذا كان رجلا صاحب سمعة طيبة، وعندما رآه الناس وعاينوا أفعاله وجدوه شر البشر، وقد عشنا سنوات طويلة ونحن نسمع من «المعيدي» مدحه فى نفسه، وإعلاءه لقدره، صدقناه حين قال إنه يبتغى تطبيق شرع الله، وصدقناه حين قال إنه يحمل فكراً وسطياً معتدلا، وصدقناه حين قال إنه يحمل الخير لمصر، وصدقناه حين قال وهو يستعرض تاريخه إنه جاهد فى فلسطين وقاتل من أجل القدس وبذل دمه من أجل تلك القضية المقدسة، وظل معظمنا يعيش تحت هذا الوهم حتى تحول الوهم فى الأذهان إلى حقيقة، ولكنها حقيقة مزيفة، زيفها صُنَّاع الوهم ودهاقنة الأكاذيب.

وحين انكببت على كتب التاريخ ووثائقه أبحث عن الأساطير التى نسجتها جماعة الإخوان «معيدى العصر الحديث» حول نفسها وجدت أسطورة جهاد الإخوان فى فلسطين وقد انهارت أمامى، وكان من ضمن ما وقع تحت يدى مقال كتبه المجاهد المصرى أحمد حسين، والد الأخ مجدى أحمد حسين، المتحالف حتى النخاع مع الجماعة الإرهابية، ففى عدد جريدة «مصر الفتاة» الصادر بتاريخ 12 يناير 1948 نشرت الجريدة مقال أحمد حسين تحت عنوان: «أيها اليهود انتظروا قليلاً فإن كتائب الشيخ حسن البنا ستتأخر بعض الوقت»..

وهاهو نص المقال:

«طالما أذاع الشيخ البنا عن كتائبه التى تبلغ عشرات الألوف، وأنها مزودة بالأسلحة والمعدات، وأنه اختارها من بين الملايين الذين يدينون للشيخ بالطاعة والولاء، وبدأت مشكلة فلسطين تتخذ دوراً خطيراً فى مرحلتها الأخيرة، فسارع فى إرسال البرقيات لمفتى فلسطين والجامعة العربية ورجال فلسطين وإلى جميع الدول والهيئات الدولية وإلى كل من هب ودب، واطمأن العرب أن جيوش الشيخ البنا سترهب الصهيونيين وأنصارهم، والدول التى تؤازرهم، وصدر قرار هيئة الأمم بتقسيم فلسطين، وأصبح لا مجال للحديث، وسكت القلم وانتظرنا السيوف أن تتكلم وأن تعمل، فتطيح بالرقاب، رقاب الأعداء الكفرة من الصهيونيين وأنصارهم، وأعلن الشيخ البنا عن كتيبته الأولى التى تبلغ عشرة آلاف وأنه قد تم تجهيزها وإعدادها وأنه يعمل الآن فى تجهيز كتيبتين أخريين لتلحقا بالكتيبة الأولى وتلحق بذلك جحافل الكتائب، ونشر الشيخ البنا خطاباً من أحد الأعضاء بالعريش يلح فى رجاء ولى الله أن يباركه ويرسله فى السرية الأولى ونشر خمسمائة أسم .. ثم ماذا ؟ ثم لا شىء أيها الشيخ، إن الأمور تتضح وتظهر على حقيقتها، وإذا المسألة دائماً كما يعرف الشيخ البنا وأتباعه ليست إلا دجلا وشعوذة وضحك على عقول المصريين وغيرهم ممن يأملون شيئاً من الخير من الشيخ وأعوانه، كفى تهريجاً يا شيخ وكن صادقاً ولو لمرة واحدة فى حياتك، ولتعمل أنت وأتباعك على تنفيذ شعاركم الذى تقولون فيه إن الموت فى سبيل الله أغلى أمانينا، فإن ميدان الجهاد والشرف مفتوح للجميع، وطريق السفر براً وبحراً وجواً لم يغلق دون أحد من الناس الذين يريدون العمل فعلاً فها هى كتيبة الشهيد العظيم «مصطفى الوكيل» تسير إلى ميدان القتال، فماذا فعلت أنت يا شيخ حسن البنا؟ وماذا فعلت جماعتك؟ نريد أن تفعل شيئاً، وأن تكف عن تلك المهازل والادعاءات والاجتراءات، وترسل بعضاً من أتباعك فليكونوا خمسة أو ستة أو عشرة أو أكثر أو أقل، وكل الذى أخشاه أن تظل وأتباعك فى هذا الجو من الدجل والضحك على الذقون حتى تنتهى المعارك».

هذا هو مقال أحمد حسين والحقيقة أنه لم يكن وحده الذى أثبت كذب الإخوان، ولكن فى ذات الفترة تكلم عن نفس القضية خالد محمد خالد، وفكرى أباظة، والتابعى ومصطفى أمين وغيرهم، وليس معنى هذا أن الإخوان لم يذهبوا إلى فلسطين بالمرة، ولكنهم ذهبوا إلى جنوب فلسطين فى غزة وخان يونس حيث لم يكن هناك قتال حقيقى، وتركوا أرض القتال الحقيقى فى وسط فلسطين وشمالها وباقى فلسطين للجيوش العربية ولمجاهدى مصر الفتاة، ولتسقط الأسطورة الكبرى للإخوان