رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بسمة عبد العزيز: أعمال نجيب محفوظ شهادة على زمن مضى (حوار)

بسمة عبد العزيز
بسمة عبد العزيز

على هامش مشاركتها في فعاليات النسخة السادسة لمهرجان القاهرة الأدبي، التي اختتمت فعالياتها الخميس الماضي بقبة الغوري تحت شعار “تمثلات المدينة والذاكرة في الأدب”، التقت الــ “الدستور”، الكاتبة دكتورة بسمة عبد العزيز.

 وعن ذاكرة المكان في أعمالها الأدبية، وكيف يوثق الأدب ويحفظ ذاكرة المدن تحدثت بسمة عبد العزيز، وهي طبيبة وفنانة تشكيلية ولدت بالقاهرة عام 1976، وحصلت على بكالوريوس الطب والجراحة من كلية طب عين شمس عام 2000، وماجيستير الأمراض النفسية، فازت بجائزة مؤسسة ساويرس للأدب المصرى ــ المركز الثانى ــ عن أفضل مجموعة قصصية منشورة لعام 2008، كما فازت بمنحة وجائزة أحمد بهاء الدين البحثية لعام 2009، وجائزة جمعية الكاتبات المصريات فى قصيدة الفصحى عام 2006، وجائزة رامتان "طه حسين" فى القصة القصيرة عام 2004.

ومن أبرز مؤلفات بسمة عبد العزيز، رواية "الطابور" التى تم ترجمتها للإنجليزية، وكتاب "إغراء السلطة المطلقة"، وحاز على جائرة أحمد بهاء الدين، كتاب "سطوة النص عن خطاب الأزهر وأزمة الحكم"، فضلا عن روايات “هنا بدن”، “أعوام التوتة”.

 ◄إلى أي مدي تقاطعت الكتابة بالذاكرة بالمكان في أعمالك؟

في بعض أعمالي لجآت إلى تجهيل المكان تمامًا لصالح الحدث، مثل روايتي الآولى “الطابور”، فالبطل الأساسي لم يكن زمن أو أمكنة محددة إنما الحدث الذي يمكن أن يقع في أي منطقة من العالم، وهو ما أكسب النص بعدًا أكثر شمولا وإنسانية بغض النظر عن التفصيلات. 

أعمال أخرى لعب المكان فيها دورًا رئيسًا مثل رواية "أعوام التوتة”؛ إذ انعكست روح شوارع هليوبوليس وبناياتها وطبائع أهلها على الحدث الآساسي وأضفت عليها خصوصيتها. استخدمت بعض المرات آيضًا الرمز الذي جعل القارئ يدرك المكان المقصود دون إشارة واضحة ودون أي تعريف يمكن أن يكون مباشرًا؛ مثلما في رواية “هنا بدن”٫ أما عن الذاكرة فترسل دومًا إشاراتها وتلقي بمحتوياتها في النص؛ سواء بصورة مستترة متوارية أو بما يجعله مكشوفًا صريحًا.

◄ كيف تعيد المدن تشكيل حكاياتنا؟

المدن ذاكرة قائمة بذاتها، تترك في كل من يمر بها انطباعات خاصة وذكريات ومواقف، فإن استدعى أحدها حضرت المدينة بكامل مفرداتها؛ فترات صخبها وهدوءها، ضيق شوارعها وازدحامها أو خواؤها واتساعها، أضواؤها وبناياتها ونمطها المعماري، بل وخصال آهلها وقاطنيها. تفرض المدن نفسها ما احتضنت حدثًا يحكيه الشخص سواء كان كاتبًا آو لا، وإذ يصعب التخلص من تأثيرها في الحكاية فإن التقاط تفصيلاتها الدقيقة يخلق ولا شك آجواءً تجتذب القارئ والسامع وتجعله تواقًا للمزيد.

 ◄هل تحفظ الأعمال الأدبية توثيق للأمكنة والمدن تحديدا؟

أظن آن الإجابة تأتي ما عدنا إلى أعمال نجيب محفوظ التي حوت توصيفًا مبهرًا وشديد الواقعية للمناطق التي دارت فيها رواياته، والتي تعد توثيقًا دقيقًا لبعض ما اختفى بفعل الزمن أو بفعل امتداد الأيدي الحمقاء إليه بالهدم والتفكيك. يبدو العمل الأدبي هنا على قدر وافر من الأهمية، فما ينتهي وجوده الملموس يبقى محفوظًا في النص وحيًا لفترات طويلة، يلجأ إليه من يبحث عن المعلومة ويقصده من فاتته رؤية الواقع، خاصة مع التطورات السريعة التي تكسح في طريقها الأثر وتدك الحجر وتخلف وراءها قبحًا وتشويهًا تحت دعاوى من قبيل التحديث.

◄ هل يعد فن الجرافيتي كتابة أدبية توثق للمكان والزمان؟

العمل الفني توثيق لا شك فيه ما ظل مصونًا ومحفوظًا، والجرافيتي على وجه التحديد قادر على توثيق الحدث ودلالاته بأدوات بسيطة وسريعة وشديدة التأثير؛ لكن الآفعال غير المدروسة التي تطال كثير الأمكنة وتغير من سمتها وطبيعتها وتقضي على جمالياتها وتاريخها، تطال أيضًا رسوم الشوارع وتمحوها، وأعتقد أن توثيق الجرافيتي نفسه وضمه في مجلدات تعنى بتسجيل الزمن والمكان هو الحل الممكن والقادر على أرشفة كثير الوقائع وجعلها متاحة لأجيال قادمة.

◄ بين الطب والنحت والكتابة أين تجدين نفسك أكثر؟

تركت النحت والرسم منذ فترة لصالح الكتابة التي حازت غالب وقتي، أما الطب فلم يكن يومًا على رأس أولوياتي.

◄هل أثرت دراستك للطب النفسي في كتاباتك وكيف؟

لا شك أن دراسة علم النفس تحديدًا تضيف خبرة في فهم السلوكيات والوقوف على الدوافع وتحليل ردود أفعال البشر، وهو ما يكسب الكتابة سواء كانت أدبية أو علمية عمقًا إضافيًا، وقد درست بعد انتهائي من ماجيستير الأمراض النفسية والعصبية، علم الاجتماع وحصلت على دبلوما فيه، إذ رأيت أن علم النفس وحده غير كاف وأن دراسة سلوك الفرد بقدر أهميتها؛ تبقى قاصرة عن تفسير السلوكيات الجمعية، والحق أن العلوم الإنسانية من فلسفة واجتماع وعلم نفس، تؤثر في حصيلة الكاتب المعرفية وتنعكس في رؤيته للواقع بصورة آكيدة.

 

◄كيف تشكلين الشخصيات الروائية في أعمالك وأيهما أرهقك أكثر ومن أشفقت عليه ومن كرهته من شخوصك الروائية؟

أترك الشخصية تشكل نفسها أثناء الكتابة، وآفضل أن آمضي معها بحرية دون أن أقيدها بأحكام أو تصورات وخطط مسبقة، بل بعض الأحيان اندهش من فعل صغته بتلقائية وأراجعه لأفهم أسبابه، فإن استقام أبقيت عليه وإن بدا مرتبكًا فكرت فيه مليًا. أرهقتني بعض شخصيات “هنا بدن” بسبب طبيعة الرواية، أحببت “ربيع” من بين شخصيات أعمالي الأدبية كلها وحملت له تقديرًا خاصًا إذ بقي قادرًا على طرح التساؤلات رغم تعقد الأحداث وتأزمها.

◄ من خلال الكتابة، ما الذي تبحث عنه بسمة عبد العزيز؟

أسعى في معظم كتاباتي لبحث العلاقة الكائنة بين البشر وأوجه السلطة المختلفة التي تتخلل حيواتهم، وتؤثر فيها.

◄ ممن تستلهمين عوالملك الإبداعية؟

ما من جواب محدد، فكل حدث أو شخص أو خبر أصادفه يترك في ذاكرتي أثرًا ويسهم لاحقًا في خلق نص جديد، سواء أبقيته على حال التلقي، أو أخضعته للتصرف وإعادة التشكيل.

 ◄ترجمت روايتيك “الطابور” و"هنا بدن" لعدة لغات، إلي أي مدي تساهم الترجمة في نشر أفكار الكاتب؟

الترجمة بوابة هائلة لدعم التواصل بين البشر، يتأتى تبادل الآفكار عبرها، ولا شك أن التفاعل الذي حظيت به الروايتين بعد ترجمتهما قد أضاف إلى خبراتي الكثير، خاصة مع وجود فعاليات ثقافية في مهرجانات أدبية تجمع كتابًا وأدباءً من دول وثقافات عديدة ومتنوعة؛ حيث تتوفر الفرصة لنقاشات حقيقية مثمرة، وحيث يسهل التعبير عن أفكار كثيرة قد لا تجد لها متسعًا في بعض البيئات المقيدة.