رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد بك غانم..!

قال تعالى فى سورة الأحزاب: مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا «23» لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا «24». صدق الله العظيم 
فلم أجد أصدق من تلك الآية الكريمة للحديث عن بطل مقال اليوم وهو «محمد بك غانم» مؤسس شركة النصر للتصدير والاستيراد، وأحد رجالات مصر المخلصين، فبعد فترة كبيرة من البحث والقراءة عنه والتواصل مع بعض المصادر المقربة منه أو ممن عمل معه، ومن خلال بعض ما عرفته منه شخصيًا فى لقاء سريع جرى فى مكتبه بشارع عبدالخالق ثروت بالقاهرة لإجراء حوار لبرنامج «عايز حقى» المذاع على قناة الفراعين 2010، وكان لى وفريق عمل البرنامج شرف تسجيل حوار نادر معه فى وقت كثر الحديث فيه عن تصفية الشركة ضمن برنامج الخصخصة الذى قضى على كل ما تبق من كنوز العزة من الشركات والمصانع المملوكة للدولة وللشعب. 
قد يكون صعبا تلخيص سيرة ومسيرة محمد بك غانم فى سطور قليلة، فمهما طالت لن تكفى للكتابة فى سيرة رجل أحب مصر وعرف قدرتها وضحى من أجل عزتها، ولكن علينا أن نستفيد من حكمة خير الكلام.

 بداية لقب «بك» لم يطلبه ولم يسعَ إليه ولم يطلقه بالطبع على نفسه، بل هو على سبيل الاحترام والتقدير لمكانته ممن عملوا معه وتعاملوا معه عن قرب خاصة ما تميز به من تواضع وبساطة فى كل تعاملاته مع مرءوسيه وحتى سلوكه الشخصى وسيارته إنتاج شركة النصر لصناعة السيارات، الكل كان يناديه بـ«محمد بك» وهو جزء مما حكاه الأستاذ نعيم إسكندر، نائب رئيس شركة مصر للتأمين الأسبق، الذى بدأ حياته موظفًا فى النصر للتصدير والاستيراد وحكى أنه تقدم للشركة مع  خريجين آخرين جميعهم دون وسائط وقبلوا جميعًا وكانت فرحته لا توصف حين وقف أول مرة أمام محمد بك غانم بهيبته ومكانته.
بداية محمد غانم كانت مع تخرجه في الكلية العسكرية عام 1944 ليصبح ضابطًا فى سلاح المدفعية، ثم مشاركته فى حرب فلسطين التى كرم من أجلها ومُنح عن دوره فيها نجمة فؤاد العسكرية، ليتطوع فى عام 1948 للعمل كضابط ملاحظة مدسوس وسط قوات العدو وهو ما فتح له الطريق للعمل المخابراتى وإجادته ليكون واحدًا من أكفأ من شارك فى مهام الدفاع عن حدودنا وأمننا القومى خاصة فى الدفاع عن غزة وحدود مصر الشرقية وكبد العدو خسائر كبيرة.
جاءته فكرة تأسيس شركة النصر للتصدير والاستيراد، ونلاحظ أن مهمة التصدير تسبق مهمة الاستيراد فى تسمية الشركة التى بدأت عام 1958 كإحدى أدوات الدولة لتحقيق الأهداف السياسية من خلال التعاون الاقتصادى والتجارى مع الدول الإفريقية، خاصة بعد انتهاء العدوان الثلاثى، وسعى مصر لدعم وجودها فى إفريقيا لمواجهة الاختراق «الإسرائيلى»  ولسد الثغرات التى تركها الاستعمار الإنجليزى والفرنسى، إلى جانب استثمار مواقف مصر مع قادة الحركات الثورية الأفارقة ممن تلقوا دعمًا سياسيًا وعسكريًا،  إلى جانب استقبال مصر آلاف الدارسين فى الجامعات المصرية والأزهر.  
فى تلك الفترة خرج الاستعمار الأوروبى من إفريقيا ولكن تركها دون أى كوادر تصلح للعمل  لا فى الطب ولا الهندسة ولا التدريس ولا فى الاقتصاد، وهو ما سعت لاستغلاله دولة العدو الإسرائيلى لتكون بديلًا لأوروبا تخدم به مصالحها ومصالح حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية، وهنا تأتى أهمية شركة النصر التى تأسست بمال خاص قدرة 25 ألف جنيه مصرى عام 1958 ليصبح مليون جنيه بعد صدور قرارات التأميم عام 1961.
كانت أفرع شركة النصر للاستيرد والتصدير بمثابة رمز لمصر ولحركات التحرر والاستقلال فى إفريقيا كلها، فمن ضمن قرارات محمد بك غانم عند تأسيس أفرع الشركة فى إفريقيا أن يتم بناء المقار فى أعلى قمة أو يكون مقر النصر للتصدير والاستيراد هو أعلى مبنى فى عاصمة الدولة كرمز لعزة مصر ومكانتها.
وحكى محمد بك غانم موقفا، كان الدكتورعاطف عبيد طرفًا أساسيًا فيه حين كان وزيرًا لقطاع الأعمال ودمر وباع معظم شركات القطاع العام حتى جاء الدور على النصر للتصدير والاستيراد، وظهرت النية ببيع مبنى الشركة فى ساحل العاج لسداد مبلغ 60 مليون جنيه خسرها فرع الشركة هناك فى عمليات غير مدروسة ويقول بطلنا إنه بكى على مجهود رجاله وبكى على بيع جزء يعد  قيمة مضافة لمصر ويحمل اسمها، فشرح ذلك لعاطف عبيد الذى استجاب له واصطحبه لمجلس الشعب وشرح عبيد فى جلسه عامة أسباب استبعاد أفرع شركات النصر للتصدير والاستيراد من عمليات الخصخصة، وبالفعل أوقفت عمليات البيع وتوقفت معها أشياء أخرى سنكحى تفاصيلها المقال القادم، وسنكشف كيف خرج محمد بك غانم وهل استقال أم أقيل من شركته فخر مصر والمصريين.. النصر للتصدير والاستيراد. 
وللحديث بقية.