رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ذكرى ميلاد محمد غنيم حكيم الكُلى المصرى العالمى

«.. تخرجت فى كلية طب قصر العينى، وكنت طبيب امتياز فى مستشفى قصر العينى، ثم طبيبًا مقيمًا فيها أيضًا فى قسم المسالك البولية، وحدثت مشكلة مع بعض أعضاء هيئة التمريض، وتم تحويلى للتحقيق وخصموا لى ثلاثة أيام، وكنت أنا صاحب الترتيب الثانى فى الدفعة، وكانت هذه المشكلة سبب عدم تعيينى فى جامعة القاهرة، وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم، وتحول مسار حياتى، وبعد عدم تعيينى عملت بمستشفى بنها العام قرابة العامين، اكتسبت فيها الثقة وتعلمت العمل بمفردى، وكان مدير المستشفى رحمة الله عليه الدكتور محمد السعيد قد وضع ثقته فى مما جعلنى أقوم بأشياء كثيرة، وانتقلت من مستوى إلى مستوى أفضل، حتى جاء الإعلان عن حاجة جامعة المنصورة لمعيدين وكانت فاتحة خير كبيرة جدًا على.. »..
تلك السطور بعض ما قدم به الدكتور محمد غنيم عناوين محطات عمله كطبيب وباحث رائد ومفكر مثقف عضوالمجلس الاستشارى الرئاسى علماء مصر، الذى نحتفى بذكرى ميلاده فى مثل هذه الأيام «17 مارس 1939» فى حواره مع الإعلامى والكاتب الصحفى البارز حمدى رزق وبرنامجه التليفزيونى «نظرة»..
هو الحكيم الذى نفخر بمصريته ووطنيته وريادته العلمية وبإيمانه بحقوق المواطنة بكل أركانها وما يجب أن تكفله لكل أبناء الوطن فى كل مستوياته الاجتماعية..
ولا ريب أن البحث العلمى يمثل المحرك الرئيسى للشعوب فى سبيلها نحو النهضة والترقى للظفر بجودة الحياة، والتمكن من فهم قوانين الطبيعة، وتطوير المعرفة الإنسانية بالبيئة المحيطة بكل أبعادها وجوانبها الطبيعية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية والإدارية وغيرها، كما تتجلى أهمية البحث العلمى فى حياتنا فى إسهامها فى فهم وتفسير الظواهر النفسية والاجتماعية والسلوكية، ومن ثم العمل على حل المشكلات لتطوير حياة الفرد والمجتمع..
يذكر د. غنيم ما دار فى مقابلته مع الرئيس السادات، قال: أنا التقيت به مرتين، الأولى فى المنصورة عندما كان فى زيارة لها، والأخرى عندما ذهبت لأسأله عن قصة العمل كمستشار، وقال لى: «أنا لدى أطباء كفاية، تعمل كارت وتكتب عليه مستشار رئيس الجمهورية للشئون الطبية لتيسير الإجراءات»، وبالفعل وافقت جامعة المنصورة على مشروع مركز الكلى وخصصت له جناحًا صغيرًا بمستشفى الجامعة إلى أن تم تخصيص قطعة أرض فى وسط جامعة المنصورة، والدخول إلى المركز لا يكلفك إلا تذكرة بجنيه واحد مهما كنت صديقًا للدكتور غنيم أو مقربًا فالجميع سواسية..
يُعد مركز الكُلى والمسالك البولية بمدينة المنصورة من أكبر المراكز العلمية الطبية المتخصصة فى مجال الكُلى الصناعية وزراعة الكُلى وجراحة الأورام السرطانية بالمسالك البولية على مستوى الشرق الأوسط، حيث يبلغ إجمالى العمليات سنويًا 7404 عمليات، يخدم المركز 300 ألف مريض سنويًا بينهم عرب وأفارقة.. و9 آلاف عملية جراحية بمختلف التخصصات، ومن المخطط تقليل قائمة انتظار العمليات الجراحية بنسبة 30% تقريبًا، وتحرص إدارة المركز على مواكبة التطور العلمى، تم وضع خطة لتحسين الخدمات والإمكانات الداخلية والتغذية، كما تم وضع نظام لاستطلاع رأى المرضى عن طريق تقارير مدونة، واستبيان لما يمكن إضافته بالخدمات، وتبلغ نسبة العلاج المجانى 85% من المرضى، والمتبقى بأجر رمزى تسدده الهيئة العامة للتأمين الصحى ووزارة الصحة على نفقة الدولة، وقد بلغ إجمالى تكلفة العلاج المجانى للمرضى 130 مليون جنيه خلال العام الأخير فقط، والمركز يضم نخبة من الأطباء الأعضاء بالجمعيات الطبية العالمية والعديد من الأطباء المحكمين بالدورات الطبية العالمية، والحاصلين على جوائز قومية وعالمية، وعلى رأسهم الدكتور محمد غنيم مؤسس المركز ورائد زراعة الكُلى بالشرق الأوسط، والذى كان حريصًا على تشجيع البحث العلمى بالمركز ودعمه بجانب الدور العلاجى والتعليمى الذى وصل بالمركز للعالمية..
وقد كانت مبادرة إنشاء مركز الكُلى وما حقق من نجاحات فى التخفيف من آلام ومعاناة المرضى الفقراء ما دفع لإقامة مراكز مثيلة للتصدى لأمراض تصيب أعضاء أخرى فى الجسد البشرى والجسد المصرى بشكل عام، فضلًا عن تحقيق نجاح عالمى فى التصدى لوباء فيروس سى، وإدارة منظومة مواجهة جائحة كورونا بنجاح وبآلية عمل جماعية علمية للتقليل من فاعلية الجائحة السلبية.
كما أن إقامة مثل تلك المراكز من شأنها مواجهة وحائط صد ضد من غابت ضمائرهم وباتوا يشكلون مراكز خطورة وفساد تنال من حظ الغلابة فى العيش بصحة وعافية، والتى اجتهدت حكومات دولة 30 يونيو فى توفير الأمان الصحى والاجتماعى لهم عبر عشرات المبادرات الرائعة والناجحة..
وبمناسبة مواجهة أهل الفساد، أتذكر ما جاء فى مقال شهير للكاتب الكبير «أحمد بهاء الدين» رحمه الله بجريدة الأهرام نُشر بتاريخ 9 /4 /1978 تحت عنوان «قنبلة الدكتور بدران والحملة المدبرة على القطاع العام» أشار فيه لإعلان الدكتور إبراهيم بدران وزير الصحة آنذاك أن بعض مستوردى الأدوية من ضعاف النفوس حاولوا رشوته ثلاث مرات، وأنهم استخدموا التزوير فى الحصول على مكاسب بلغت ثمانية ملايين جنيه، وأنه قرر إحالتهم للنيابة، وأضاف الوزير أن المستوردين يكسبون مليون جنيه فى الصفقة الواحدة باللجوء إلى التزوير فى مقابل مائة ألف جنيه لو التزم بنسب الربح المحددة.. ويستعرض الكاتب الفذ بحرفيته الصحفية المعهودة مشاكل القطاع العام فى تلك الفترة وكذلك أحوال القطاع الخاص.. وينهى مقاله قائلًا: نتمنى من الله أن تجد كل صناعة عامة أو خاصة «بدرانها» كما وجدته صناعة الدواء..
والآن، وبعد ما كشفته جائحة كورونا من أهمية العمل الجاد فى مجال دعم صناعة الدواء وتفعيل كل آليات البحث العلمى لتنمية تلك الصناعة والتوسع فى فتح مجالات الاستثمار فيها.. أرى أهمية أن تشمل خطط الحكومة المزيد من المبادرات لإيجاد آليات نحو زيادة الطلب على البحث العلمى وتكثيف النشاط المعرفى العلمى، وتطوير وتحديث ما هو قائم.