رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

" مصر والاتحاد الأوروبى".. شراكة استراتيجية شاملة من أجل الاستقرار فى المنطقة

الرئيس السيسي
الرئيس السيسي

يجري وفد أوروبي رفيع المستوى زيارة مهمة إلى مصر، في إطار المحادثات من أجل تعزيز الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي، ويشمل الوفد الأوروبي رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين برفقة رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، وترتبط أهمية الزيارة بكونها تأتي في إطار تعزيز جهود التعاون الثنائي، جنبًا إلى جنب مع كونها تأتي بالتزامن مع سياق عام مضطرب يشهده إقليم الشرق الأوسط في الفترات الأخيرة، خصوصًا في أعقاب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وهي الاعتبارات التي تزيد من أهمية الزيارة، وتعزز الحاجة إلى زيادة أوجه التنسيق والتعاون المصري الأوروبي.

 

سياقات تعزز من أهمية الزيارة

تأتي الزيارة في ظل مجموعة من السياقات التي تزيد من أهميتها، وهي السياقات التي ترتبط من جانب بمجموعة من التطورات الإقليمية المصاحبة لحرب غزة، ومن جانب آخر ببعض التطورات التي يشهدها الداخل المصري، ويمكن تناول هذه السياقات على النحو التالي:

 

1- تداعيات الحرب على قطاع غزة: تأتي زيارة الوفد الأوروبي لمصر في ظل سياق إقليمي هو الأكثر اضطرابًا منذ سنوات، وذلك على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والممتدة منذ السابع من أكتوبر ۲۰۲۳ وحتى اليوم، وعلى الرغم من أن الموقف الأوروبي إجمالًا في بداية الحرب كان منساقًا وراء السردية الإسرائيلية باعتبار أن "العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، تأتي في إطار رد الفعل على هجمات السابع من أكتوبر" دونما التركيز على السياقات التي ولدت هذه الهجمات، إلا أن هذا الموقف شهد العديد من المتغيرات في الآونة الأخيرة.

 

وتجسدت المواقف بشكل رئيسي في إدانة العمليات العسكرية الإسرائيلية، والمطالبة بوقف الحرب، والدعوة إلى توسيع وتيرة إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، جنبًا إلى جنب مع تحول استراتيجي مهم يتمثل في التأكيد على ضرورة استعادة مسار السلام العادل وحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ولعل هذه المتغيرات التي طرأت على الموقف الأوروبي كانت نتاجًا لجملة من التداعيات المترتبة على الحرب، والمصاحبة لها، وعلى رأسها ضغوط الرأي العام الأوروبي، والتخوف من مغبة الغوص في مقاربة الدعم المفتوح لإسرائيل، جنبًا إلى جنب مع ما أفرزته الحرب من تداعيات على مستوى الاضطرابات الإقليمية، خصوصًا في لبنان وفي منطقة البحر الأحمر، وبالتالي سعت الدول الأوروبية عبر الموقف الجديد إلى الحفاظ على شبكة مصالحها في المنطقة، وهي المصالح التي يمثل الوضع الإقليمي الراهن تهديدًا مباشرًا لها، وبالتالي فإن ملف الحرب في غزة وما خلفته من تداعيات، يُلقي بظلاله على الزيارة الحالية للمسئولين الأوروبيين إلى مصر، ويزيد من أهمية هذه المباحثات.

 

التوافقات المصرية الأوروبية حول تطورات المنطقة شهدت الفترة منذ السابع من أكتوبر ۲۰۲۳ وحتى اليوم، العديد من المباحثات المهمة بين المسئولين المصريين ونظرائهم الأوروبيين، وخصوصًا المباحثات التي عقدها الرئيس عبدالفتاح السيسي مع عدد من الزعماء الأوروبيين، على غرار مباحثاته مع المستشار الألماني في ١٨ أكتوبر ۲۰۲۳ بالقاهرة، ومباحثاته في القاهرة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ٢٥ أكتوبر ۲۰۲۳، واستقباله في ۱۸ نوفمبر لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وكذا استقبال الرئيس في ٢٤ نوفمبر لرئيس وزراء بلجيكا ألكسندر دي كرو، ورئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، جنبًا إلى جنب مع العديد من المباحثات المباشرة والهاتفية الأخرى مع الزعماء الأوروبيين. وكان اللافت في هذه المباحثات هو نجاح مصر في بناء توافقات مع القادة الأوروبيين حول جملة من التطورات والقضايا المهمة، سواء ما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو ما يتعلق بالتطورات في المنطقة.

 

وعلى مستوى القضية الفلسطينية شهدت المواقف المصرية الأوروبية توافقًا حول جملة من النقاط المهمة وعلى رأسها رفض العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، والمطالبة بوقف إطلاق النار، والتأكيد على ضرورة تكاتف الجهود من أجل التعامل مع الأزمة الإنسانية غير المسبوقة في القطاع، وذلك عبر زيادة حجم المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى قطاع غزة، جنبًا إلى جنب مع توافقات بخصوص ضرورة استعادة مسار السلام العادل وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وعلى المستوى الإقليمي كانت المواقف المصرية الأوروبية واضحة، وتشهد توافقًا كبيرًا خصوصًا فيما يتعلق بمسائل رفض توسع رقعة الحرب، وضرورة دعم جهود التسوية السياسية في دول الأزمات، جنبًا إلى جنب مع رفض كافة مظاهر تهديد الأمن الإقليمي.

 

الاتفاق على الشراكة الاستراتيجية الشاملة: تأتي زيارة الوفد الأوروبي إلى مصر، في أعقاب اتفاق مصر والاتحاد الأوروبي على رفع العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة في يناير ٢٠٢٤، وذلك على هامش مشاركة مصر في الاجتماع العاشر لمجلس المشاركة بين مصر والاتحاد الأوروبي، والذي انعقد في العاصمة البلجيكية بروكسل برئاسة مشتركة مع الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية والسياسة الأمنية "جوزيب بوريل"، وبمشاركة وزير الخارجية المصري سامح شكري، والدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي، وعدد من وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي وكبار مسئولي المفوضية الأوروبية وجهاز الخدمة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وقد مثل هذا الإعلان تعبيرًا عن نظرة الاتحاد الأوروبي لمصر ونمط التعامل السائد في العلاقات الثنائية، باعبتار مصر شريكًا موثوقًا به ويعتمد عليه للاتحاد الأوروبي في مختلف مجالات التعاون وفي مواجهة مختلف التحديات المشتركة.

 

- استمرار إجراءات الإصلاح الاقتصادي في مصر: يحظى الملف الاقتصادي بأهمية كبيرة في إطار التعاون الاستراتيجي المصري الأوربي، ولعل أحد الاعتبارات الرئيسية التي تزيد من أهمية زيارة الوفد الأوروبي إلى مصر ترتبط بالتوقيت الذي يشهد إجراءات متسارعة من الدولة المصرية لاستكمال مسار الإصلاح الاقتصادي، خصوصًا في أعقاب الاتفاق على مشروع رأس الحكمة مع الإمارات، وقرارات البنك المركزي المصري الأخيرة بخصوص رفع سعر الفائدة بـ ٦٠٠ نقطة أساس وتحديد سعر الصرف وفقًا لآليات السوق، والاتفاق الجديد مع صندوق النقد الدولي، وهي الإجراءات التي زادت من حجم الثقة في الاقتصاد المصري. جدير بالذكر أن مصر ترتبط مع الاتحاد الأوروبي بمجموعة من الاتفاقات الاقتصادية المهمة، فمصر ترتبط مع الاتحاد الأوروبي بعشرات الاتفاقات الاقتصادية التي تشمل العديد من المجالات التنموية والاقتصادية، كما أن الاتحاد الأوروبي يعد واحدًا من أهم الشركاء التجاريين لمصر، وفي ضوء هذه الاعتبارات يمكن القول إن البعد الاقتصادي على المستوى الثنائي سوف يكون على رأس أولويات هذه الزيارة، على قاعدة تعزيز أوجه التعاون، ودعم جهود التنمية المستدامة.

 

أولويات التعاون المصري الأوروبي

تشكل الزيارة الحالية للوفد الأوروبي إلى مصر، تأكيدًا على تعاظم الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، وفي هذا الإطار يمكن القول إن أجندة العمل المشتركة للجانبين خصوصًا على المستوى السياسي والإقليمي، تشمل في الفترة الراهنة.

العديد من الملفات والأولويات الملحة، وذلك على النحو التالي:

1- تعزيز التعاون لوقف الحرب في غزة: كانت المقاربة الأوروبية تجاه الحرب في غزة، تقوم على جملة من المقومات الرئيسية، وعلى رأسها تجاوز الانقسامات بداخل الاتحاد تجاه الحرب. وتعزيز العلاقات وأوجه التنسيق والتعاون مع الدول الفاعلة في الملف الفلسطيني من أجل دعم احتواء هذه الحرب ووقفها، وعلى رأس هذه الدول مصر على اعتبار أن مصر تظل الفاعل الأهم في الملف الفلسطيني، لما تملكه من مقومات جيوسياسية مهمة في هذا الصدد وعلاقات بكافة أطراف الأزمة، جنبًا إلى جنب مع دورها التاريخي المحوري تجاه القضية الفلسطينية.

 

وفي ضوء هذه الاعتبارات وفي ضوء سعي الاتحاد الأوروبي لاحتواء الحرب الجارية واستيعاب ضغوط الرأي العام الأوروبي، وعدم خسارة الاتحاد الأوروبي لدوره كوسيط في أزمات الشرق الأوسط جنبًا إلى جنب مع السعي للحد من تداعيات هذه الحرب، وفي المقابل الموقف الثابت لمصر من تطورات الحرب، وهو الموقف الذي يقوم على دعم حقوق الشعب الفلسطيني، وضرورة وقف هذه الحرب، سيكون ملف الحرب في قطاع غزة، من حيث حلحلة الملفات العاجلة على غرار الهدنة الجديدة ودخول المساعدات لقطاع غزة، على رأس أولويات العمل المصرية الأوروبية في الفترات المقبلة.

 

التعامل مع تداعيات الحرب في غزة: كان ملف التداعيات الإقليمية للحرب في قطاع غزة، على رأس أولويات الاهتمام المصرية الأوروبية في الفترات الأخيرة، خصوصًا ما يتعلق بحالة الاضطراب التي نشأت في البيئة الأمنية لمنطقة البحر الأحمر، على اعتبار أن هذه الاضطرابات تحمل تداعيات سلبية على مصر فيما يتعلق بقناة السويس وكذا بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي يمثل هذا الممر المائي أحد أهم ممرات التجارة ومصدرًا مهمًا للأمن الطاقوي الأوروبي.

 

ولعل أهمية هذا الملف بالنسبة للاتحاد الأوروبي تجسدت بشكل واضح في الإعلان في ١٩ فبراير الماضي، عن تأسيس قوة بحرية جديدة تحت مسمى "خطة أسبيدس"، بهدف حماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، على أن تبلغ ميزانية مهمة "أسبيديس" نحو 8 ملايين يورو توفرها خزانة الاتحاد الأوروبي. وفي المرحلة المقبلة سيتم إعداد خطة العمليات وقواعد الاشتباك وتشكيل القوة البحرية والجوية التي ستتولى الدوريات في أجواء مياه البحر الأحمر.

 

ويبدو أن الاتحاد الأوروبي يسعى عبر هذا التحرك إلى تحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية وعلى رأسها تأمين الملاحة في البحر الأحمر من خلال مسارين الأول هو حماية السفن الأوروبية التي تعبر من خلال البحر الأحمر. والثاني هو التنسيق المنظم مع المهام الأمنية الأخرى المعنية بتأمين الملاحة البحرية على غرار قوة "أتالانتيك"، و"أجينور"، و"حارس الازدهار"، لكن الاتحاد الأوروبي حتى وإن تبنى الخيار العسكري على مستوى التعامل مع هذه التحديات، إلا أن كافة المؤشرات التي صاحبت تأسيس "أسبيدس" وما تبعها، تكشف غلبة الطابع الدفاعي على عمل القوة، في إشارة إلى صد الهجمات المحتملة ضد الملاحة البحرية في منطقة البحر الأحمر، وهو نهج يتفق وهدف الاتحاد الأوروبي المعلن منذ بداية التصعيد والمتمثل في ضرورة تحقيق ردع للحوثيين عبر آليات تضمن خفض التصعيد ومنع اتساعه وكذا الحفاظ على حرية الملاحة البحرية.

 

الحرص على مواجهة التهديدات الإرهابية: تحظى التجربة المصرية في مكافحة التطرف والإرهاب بإشادة وتقدير كبير من قبل الاتحاد الأوروبي، وينظر الاتحاد الأوروبي إلى مصر باعتبارها شريكًا استراتيجيًا مهمًا في ملف مكافحة الإرهاب، وفي هذا السياق تتصاعد التخوفات الأوروبية حاليًا بخصوص التهديد الإرهابي، وذلك على خلفية بعض الاعتبارات الرئيسية، وعلى رأسها احتمالية تصاعد موجات الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي من منطقة الشرق الأوسط بما يحمله ذلك من تداعيات أمنية خطيرة، وكذلك تصاعد تهديد "الذئاب المنفردة" في أوروبا خصوصًا على خلفية الحرب في غزة، جنبًا إلى جنب مع احتمالية استغلال بعض التنظيمات الإرهابية في المنطقة لحالة الاضطراب الراهنة، من أجل إعادة بناء قواعدها واستعادة نشاطها، وهي اعتبارات تزيد من الحاجة إلى تنسيق أمني واستخباراتي أكبر بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي.

 

- السعي للتسوية السياسية في دول الأزمات: يحمل استمرار الأزمات التي تشهدها بعض البلدان في المنطقة، تهديدات مشتركة بالنسبة لمصر والاتحاد الأوروبي، خصوصًا في ليبيا والسودان واليمن ولبنان، وهي التهديدات التي يحمل بعضها طابعًا أمنيًا، جنبًا إلى جنب مع تهديدات إنسانية واستراتيجية أخرى، خصوصًا على مستوى تنامي وطأة الأزمات الإنسانية وتنامي موجات الهجرة واللجوء واحتمالية عودة النشاط الإرهابي، بالإضافة لمجموعة من التداعيات الاقتصادية، وفي هذا السياق يمكن القول إن هناك جملة من القواسم المشتركة على مستوى المقاربة المصرية الأوروبية للتعامل مع هذه الأزمات، خصوصًا ما يتعلق بضرورة تقديم الدعم الإنساني لشعوب هذه الدول، والعمل الدبلوماسي والسياسي على الوصول إلى تسوية سياسية لهذه الأزمات، وإنجاز الاستحقاقات الدستورية فيها بناءً على خريطة طريق توافقية والسعي لتوحيد المؤسسات الأمنية وإعادة بناء قدرات الجيوش وهي اعتبارات تزيد من فرص التعاون بين الجانبين في مواجهة التهديدات المتصاعدة المترتبة على استمرار هذه الأزمات.

 

وجنبًا إلى جنب مع الملفات الخاصة بدول الأزمات ينظر الاتحاد الأوروبي إلى مصر باعتباره شريكًا استراتيجيًا رئيسيًا في مجال الطاقة، خصوصًا في ضوء الدور الرئيسي لمصر والمحوري في منتدى غاز شرق المتوسط، والجهود الحالية لتعظيم الدور المصري كمركز إقليمي ومحوري لتجارة وتداول الغاز الطبيعي في المنطقة.

 

وفي الختام يمكن القول إن الزيارة الحالية للوفد الأوروبي إلى مصر تحمل أهمية كبيرة في ضوء السياق الإقليمي الذي تأتي فيه، جنبًا إلى جنب مع كونها تعبيرًا عن حجم الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين على قاعدة تعظيم المصالح المشتركة ومواجهة التهديدات والتحديات المشتركة في المنطقة، كما أن الزيارة تمثل فرصة كبيرة لتعزيز أوجه التعاون في مواجهة حالة الاضطراب الإقليمي الراهنة.