رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"تحويل القبلة.. دروس وعبر".. موضوع خطبة الجمعة اليوم 23 فبراير 2024

خطبة الجمعة
خطبة الجمعة

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم 13 شعبان 1445 هـ، الموافق 23 فبراير 2024، التي جاءت تحت عنوان "تحويل القبلة.. دروس وعبر".

وأكدت وزارة الأوقاف على جميع الأئمة الالتزام بموضوع خطبة الجمعة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة علي عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة.

نص خطبة الجمعة اليوم 23 فبراير 2024

وجاء نص الخطبة كالآتي.. 

    تحويلُ القبلةِ.. دروسٌ وعبرٌ
13 شعبان 1445هـ –  23 فبراير 2024م
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابِهِ الكريمِ: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهُمَّ صلِّ وسلّمْ وباركْ عليهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وبعدُ:


فلا شكَّ أنَّ تحويلَ القبلةِ مِن أهمِّ الأحداثِ في حياةِ نبيِّنَا ﷺ، وحياةِ أصحابِهِ (رضي اللهُ عنهم)، وتاريخِ أمتِنَا الإسلاميةِ، وذلك أنَّ نبيَّنَا (ﷺ ظلَّ يُصلِّي تجاهَ المسجدِ الأقصَى ستةَ عشرَ شهرًا، وكان يؤملُ أنْ تكونَ قبلتُهُ أوَّلَ بيتٍ وضعَ للناسِ بيتَ اللهِ الحرامَ بمكةَ المكرمةِ، وكانَ ﷺ يقلبُ وجهَهُ في السماءِ راجيًا ذلك، وهنَا كانَ الكرمُ والعطاءُ الإلهيُّ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}.

وقد تضَمّنَ هذا الحدثُ دروسًا عظيمةً، منها: إبرازُ مكانةِ الحبيبِ ﷺ، وبيانُ رفعةِ شأنهِ، وعظيمِ منزلتِهِ ﷺ عندَ ربِّهِ، فإنَّ الحقَّ سبحانَهُ وتعالَى أكرمَ نبيَّنَا ﷺ بتحقيقِ مرادِهِ وإجابةِ رجائِهِ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ: {فلنُولِّيَنَّكَ قبلةً ترضاهَا}، ويقولُ تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}.

ومنها: بيانُ حالِ أهلِ النفاقِ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، والتحذيرُ مِن شرِّهِم، حيثُ حكَى القرآنُ الكريمُ تشكيكَهُم في أمرِ تحويلِ القبلةِ، حينَ قالُوا: {مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا}، وهنا كان الردُّ مِن فوقِ سبعِ سماواتٍ: {قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.


ويتجَلَّى درسُ حسنِ الاستجابةِ للهِ تعالى ولرسولِهِ ﷺ فيمَا كان مِن أهلِ مسجدِ قباءٍ، حينَ بلغَهُم أنَّ النبيَّ ﷺ قد أُمِرَ بالتحولِ في قبلتِهِ إلى الكعبةِ المشرفةِ وصلَّى تجاهَهَا، فاستدارُوا إليهَا وهُم في صلاتِهِم فجعلُوهَا قبلتَهُم، مِمَّا يشهدُ بقوةِ إيمانِهِم، ويدلُّ على ذلك ما رواه سيدُنَا عبدُ اللهِ بنُ عمرَ رضي اللهُ عنهمَا أنَّهُ قالَ: “بينَمَا النَّاسُ بقُباءَ في صلاةِ الصُّبحِ، إذ جاءَهُم آتٍ فقالَ: إنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قد أُنزِلَ عليهِ اللَّيلةَ قرآنٌ، وقد أُمِرَ أنْ يستقبِلَ الكعبةَ فاستقبلُوهَا، وكانتْ وجوهُهُم إلى الشَّامِ، فاستدارُوا إلى الكعبةِ “.

فكانَ المؤمنونَ الصادقونَ على يقينٍ جازمٍ بأنَّ كلَّ ما جاءَ بهِ (صلواتُ ربِّي وسلامُهُ عليهِ) حقٌّ لا مريةَ فيهِ، حينَ قالُوا: سمعنَا وأطعنَا، وتحوَّلُوا في صلاتِهِم إلى الكعبةِ المشرفةِ دونَ ترددٍ، استجابةً لأمرِ اللهِ (عزَّ وجلَّ)، ولم ينتظرُوا حتى يُتمُّوا صلاتَهُم!!  وإنَّمَا تحولُوا في الحالِ وهم في هيئةِ الركوعِ.

ومِن دروسِ تحويلِ القبلةِ: إظهارُ مكانةِ المسجدِ الأقصَى في ضميرِ الأمةِ وكيانِهَا، فالمسجدُ الأقصَى هو ثانِي المساجدِ التي أُسستْ على وجهِ الأرضِ، وثالثُ الحرمينِ الشريفينِ، فعن أبي ذرٍّ قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ مسجدٍ وضعَ في الأرضِ أوَّلَ؟ قال: “المسجدُ الحرامُ، قلتُ: ثم أيُّ؟ قال: المسجدُ الأقصى”، وهو أرضُ المحشرِ والمنشرِ، فعن ميمونةَ (رضي اللهُ عنها) أنَّها قالتْ: يا رسولَ اللَّهِ! أفتِنَا في بيتِ المقدِسِ، قالَ: (أرضُ المحشَرِ والمنشَرِ ائتوهُ فصلُّوا فيهِ فإنَّ صلاةً فيهِ كألفِ صلاةٍ في غيرِهِ)، وهو منتهَى إسراءِ سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، وبدايةُ المعراجِ إلى الملأِ الأعلَى.


الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.

ومِن دروسِ تحويلِ القبلةِ: بيانُ خيريةِ أُمةِ سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ وشهادتِهَا على سائرِ الأممِ، وهذه الشهادةُ تتطلبُ مِنَّا أنْ نكونَ أهلًا لهذهِ الشهادةِ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ: (يُجاءُ بنُوحٍ يَومَ القِيامَةِ، فيُقالُ له: هلْ بَلَّغْتَ؟ فيَقولُ: نَعَمْ، يا رَبِّ، فَتُسْأَلُ أُمَّتُهُ: هلْ بَلَّغَكُمْ؟ فيَقولونَ: ما جاءَنا مِن نَذِيرٍ، فيَقولُ: مَن شُهُودُكَ؟ فيَقولُ: مُحَمَّدٌ وأُمَّتُهُ، فيُجاءُ بكُمْ، فَتَشْهَدُونَ، ثُمَّ قَرَأَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: {وَكَذلكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وسَطًا لتَكُونُوا شُهَداءَ علَى النَّاسِ، ويَكونَ الرَّسُولُ علَيْكُم شَهِيدًا}.

وما أجملَ أنْ نتعلمَ مِن تحويلِ القبلةِ درسَ التحولِ مِن سيءِ الأخلاقِ إلى مكارِمِهَا ومحاسِنِهَا، ومِن كلِّ ما يغضبُ اللهَ (عزَّ وجلَّ) إلى كلِّ ما يرضِيهِ سبحانَهُ ويحققُ لنَا السعادةَ في الدنيا والآخرةِ، فنتحولُ مِن الشرِّ إلى الخيرِ، ومِن الأنانيةِ إلى الإيثارِ، ومِن الشُّحِ والبخلِ إلى الكرمِ والسخاءِ، ومِن التعلقِ بالدنيَا إلى الاستعدادِ للآخرةِ، ومِن الجهلِ إلى العلمِ، ومِن السخطِ إلى الرضَا، ومِن الجزعِ إلى الصبرِ، ومِن اليأسِ إلى الأملِ.


اللهُمَّ احفظْ أوطانَنَا وارفعْ رايتَهَا في العالمين.