رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكنيسة الكاثوليكية تحتفل بذكرى القديس أفستاثيوس بطريرك أنطاكية

الكنيسة
الكنيسة

تحتفل الكنيسة القبطية الكاثوليكية اليوم الأربعاء، بذكرى القديس أفستاثيوس بطريرك انطاكيه.

وعلى خلفية الاحتفالات، طرح الأب وليم عبد المسيح سعيد الفرنسيسكاني، نشرة تعريفية قال إنه ولد أفستاثيوس من مدينة سيدا في بمفيليّة فى أواسط القرن الثالث. وكان رجلاً عالماً وكاتباً مجيداً. صبر على الآلام في أيام ذيوكلسيانس وليكينيوس، ولمع بنقاوة إيمانه الكاثوليكي في ذلك العهد الذي عكّرت صفائه البدع، ولاسيّما تلك الهرطقة الآريوسيّة الجهنميّة.

فأقيم أولاً أسقفاً على مدينة بيريه، أي حلب، في سورية. ثم اختاره الأساقفة والشعب لكرسي البطريركيّة الأنطاكية، لأنّه كان، كما يقول المؤرّخ ستولبرغ، أحد كبار أعمدة الكنيسة. فمانع كثيراً في نقله، لأن القوانين الكنسية كانت تحظّر يوم إذٍ على الأساقفة إبدال كراسيهم بغيرها، إلاّ عن ضرورة قصوى ولأجل منفعة كبرى، وذلك لئلا يطمع الأسقف بغير كرسيّه، فيتوانى في خدمة أبرشيته مدى حياته. لكن الأساقفة والشعب ألخّوا عليه، فسلّم بالأمر الواقع وتسلّم زمام ذلك الكرسي الأنطاكي، بعد أن كانت صروف الزمان قد هزّت أركانه بسبب الفتن والمنازعات التي إنتابته. وكان ذلك سنة 324. فما لبث أفستاثيوس أن لمع بعلومه وفضائله وجميل مناقبه.

وبعد سنة، جمع قسطنطين الكبير أساقفة الدنيا في المجمع المسكوني النيقاوي الأول، للنظر في تعليم آريوس وهرطقته. فكان البطريرك أفستاثيوس ثالث الأحبار فيه. لأن المقام الأول كان لأسقف رومة العظمى الممثّل بنوابه أوسيوس ورفاقه، والثاني للبطريرك ألكسنذرس الإسكندري، والثالث للكرسي الأنطاكي. إلاّ أن أفستاثيوس شرّف منزلته الكبرى بسعة معارفه وصيت فضائله. وهو الذي إفتتح المجمع بخطاب ممتع شكر فيه لقسطنطين الملك، بإسم الآباء الثلاث مئة والثمانية عشر، مساعيه الملكية في سبيل الكنيسة.

وبعد أن حرم المجمع آريوس وتعليمه وكل من يجرؤ أن يقول قوله، عاد الآباء إلى كراسيهم. فأخذ أفستاثيوس في إصلاح أمور شعبه. فجمع مجمعاً إقليميّاً من أساقفته، ونظّم طريقة قبول رجال الإكليرس، لئلاّ يتسلّل إلى الحظيرة من لم يكن راعياً صالحاً. ثم وجّه عنايته الرسوليّة إلى طبقات الناس، وجعل همّه توحيد القلوب وإزالة الفتن وإبادة الضغائن، بصلاته ولسانه وقلمه. وعكف هو أيضاً على تقديس نفسه، فكان البطريرك العطوف المتواضع الصبور، الكثير الحلم الواسع الصدر.

ولكنّه كان أسداً ضرغاماً يملأ زئيره الأرض عندما يرى الذئاب تحوم حول الرعيّة. وهذا ما أثار عليه تلك العاصفة الهوجاء، التي تزعّمها أفسافيوس الآريوسي أسقف نكوميذيّة إنتصاراً لصديقه وسمّيه الآريوسي أيضاً أفسافيوس أسقف قيصريّة فلسطين. فإنّ أفستاثيوس، لمّا رأى هذا الأخير يتلاعب بقرارات المجمع النيقاوي، قاومه بشدّةٍ وأفسد عليه محاولاته ومناوراته.

فلمّا رأى أولئك الأساقفة الآريوسيّون مقاومة أفستاثيوس لتعاليمهم الخبيثة، وعرفوا أنّهم لا بدّ خاسرون في تلك المعركة الفلسفيّة اللاهوتيّة مع رجل قديس وعالم خطير، هاجموه في الخفاء من الوراء، ليهلكوه ويريحوا أنفسهم من منازلته.

فتظاهر أفسافيوس النيكوميذي برغبته في زيارة أورشليم، وسافر إلى فلسطين، فاجتمع بصديقه أفسافيوس القيصري وببعض الأساقفة من مريديه، ثم جاء هؤلاء واجتمعوا في أنطاكية مع بعض الأساقفة أيضاً، ليجعلوا لذلك المجمع الخلاص طلاء الرغبة في بحث بعض القضايا الداخلية المعلّقة.

فالشيطان لم يُعدم في الدنيا أنصاراً. لأن أولئك الأساقفة جعلوا في سبيل مطامعهم برقعاً على عيونهم، وابتاعوا بالمال إمرأةً مسكينة. فدخلت إلى المجمع تحمل طفلاً وهي تنوح وتبكي. وطلبت إلى الآباء أن يُنصفوها من ذلك البطريرك أفستاثيوس، الذي بعد أن عاشرها معاشرة أثيمة وولدت له ذلك الولد، نبذها نبذ النواة وتركها مع طفلها فريسة العوز والفاقة. فدهش أفستاثيوس الصدّيق لتلك التهمة الشنعاء، وقام يدافع عن نفسه. فلم يسمعوا له، ولم يكونوا ليسمعوا له. فاستند إلى قول الكتاب أن على فم شاهدين أو ثلاثة تقوم كل كلمة، فضربوا بالكتب المقدّسة عرض الحائط. أن شيطان الطمع، متى تحصّن في قلب إنسان، لا يعود يخرج إلاّ بمعجزةٍ من الله.

ولمّا كان الآريوسيّون الأكثريّة في المجمع، ثبّتوا على أفستاثيوس جريمة الزنى، واتّخذوا قراراً بإسقاطه وإنزاله عن كرسيه. فاعترض الأساقفة الكاثوليك على ذلك القرار الشائن، فلم يعبأ بهم أحد. وأسرع أولئك الأثمّة وأخبروا الملك قسطنطين بما كان، وأكثروا من الشكايات والتهم، وألصقوا بالبطريرك القديس الميل إلى هرطقة سابلّيوس، وانسحبوا كالثعالب إلى أوكارهم، خوفاً من سخط مدينة أنطاكية عليهم. فأمر الملك بإبعاد البطريرك. فكادت تثور المدينة على الولاة لو لم يتداركها البطريرك القديس بحكمته وتسليمه لمشيئة المولى. فأمعن الملك في اعتقاده أن المذنب هو أفستاثيوس. فسلك هذا طريق المنفى،رقد إفستاثيوس في منفاه الأخير في فيلبي ما بين 330و337م. صابراً على بلواه، غافراً لأعدائه، مقدّماً آلامه لله ليستعطفه في شأن رعيّة أنطاكية والكنيسة المقدّسة الكاثوليكيّة.

لقد طالما كان الكذب والإفتراء سلاح الطمع الأثيم. ولكَم رشق المنافقون الجناة أساقفة أجلاّء وكهنة أبرياء بتهمة الزنى، لينالوا من كرامتهم ويحطّوا من قدرهم. لكن الله، إذا صبر على ذلك الكذوب القاتل، لا يبطئء طويلاً في الإنتقام لأصفيائه. ولا يترك الله البرابرة على الدوام عرضةً للذل والهوان. فأن تلك المرأة السافلة، ما لبثت أن مرضت وارتاعت من حكم الله وغضب الله، فاستدعى كاهن الكنيسة وباحت لهم بجريمتها وقصّت عليهم كيف اشتراها الأساقفة الأريوسيّون بالمال، فاتّهمت البطريرك القديس بتلك التهمة الشنعاء. وهكذا تأكّدت للدنيا براءة البطريرك ورداءة أعدائه.

وبعد مرور نحو مئة وخمسين سنة على وفاة أفستاثيوس أعاد خلفه البطريرك كلنذيانس رفاته إلى أنطاكية بإكرام واحتفال عظيم. فعوّض بعد مماته ما ألحق به من الإهانة في حياته.