رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شخصيات روائية 8

ماجد وهيب: التناقضات قادت شخصية "يهوذا الإسخريوطي" إلى كل اختيار

ماجد وهيب
ماجد وهيب

الشخصية الروائية، قد تتمرد على خالقها وتقتنص مصائرها بنفسها، وترسم دروبها بمفردها، ومنها المذعن الذي يرضخ لـ"ألاعيب السرد والحبكة" فتكون حياته خيوط عرائس ماريونيت يحركها المبدع كما يشاء، وبين هذه الشخصيات ومبدعيها، نقدم لكم في "الدستور"، هذه السلسلة من الشخصيات الروائية، يتحدث عنها مبدعوها، كيف خلقوها، خلفيات هذه الشخصيات الاجتماعية والتاريخية، وهل الشكل الأخير الذي وصلت لنا بهذه الشخصيات، هو نفسه الذي خلقه مبدعها في المبتدأ.

وفي هذه الحلقة - الثامنة - يتحدت الكاتب ماجد وهيب، عن روايته "آلام يهوذا"، والصادرة عن المرايا للثقافة والفنون. 

التناقضات قادت شخصية "يهوذا الإسخريوطي" إلى كل اختيار

وفي مستهل حديثه لـ “الدستور” عن الشخصية الروائية، تحديدا بطل روايته “آلام يهوذا”، قال ماجد وهيب شخصية يهوذا الإسخريوطي في رواية آلام يهوذا، ليست شخصية متخيلة بالكامل، فقد بنيت روائيًا على أساس ما عرف عنه من خلال الأناجيل، والمعروف عن يهوذا أنه كان واحدًا من تلاميذ المسيح، ثم خانه وسلمه لليهود مقابل ثلاثين من الفضة، ثم ندم على ذلك ورد الفضة لليهود ثم شنق نفسه، وتخبرنا الأناجيل أيضًا أنه كان يسرق من صندوق المال الخاص بالمسيح وتلاميذه، وكان هو الأمين القائم على إدارته.

هذا كل ما تخبرنا به الأناجيل عنه، وبهذا يكون شخصية روائية ناقصة ومبهمة، لأننا لا نعرف الدوافع التي ساقته إلى فعل الخيانة، ومن هذ السؤال بدأت فكرة الرواية، ثم تطورت. بدأت كسؤال: لماذا خان يهوذا المسيح؟ وإجابة على هذا السؤال بدأت في رسم الشخصية، وتقديم سيرة متخيلة لها، منذ الميلاد حتى الانتحار.

ويتابع ماجد وهيب: وحسبما ورد في الرواية، نجا يهوذا من المذبحة التي قام بها الملك هيرودس لأطفال بيت لحم الذين لم يتجاوز عمرهم العامين، نجا كما نجا المسيح أيضًا، وهذه النجاة تركت أثرها على أمه، وعليه هو أيضًا من بعدها، فكبر على اعتقاد بأنه نجا لغاية إلهية ودور عليه أن يؤديه. 

وكبر يتيمًا، عالمًا بأن أباه مات مغدورًا به في حادثة سرقة، وترك هذا أثرًا سيئًا عليه، وزوَّد الفقر حساسيته، فعاش بنفس حساسية يحزنها أقل شيء، ومن هذه الحساسية ارتسمت لديه أحلام مغرقة في الرومانسية، كانت السبب في هلاكه.

ولفت ماجد وهيب إلى: لقد أراد يهوذا جنة على الأرض، جنة بمعنى الكلمة، أو يوتوبيا بمصطلحات عصرنا الحالي، أراد عالمًا ليس فيه فقر أو مرض أو شر من أي نوع، وانتظر من المسيح أن يحقق له هذه الجنة، وأملا في تحقيقها تبعه وتقرب منه، لكن أحلامه كلها هُدمت أمام قول المسيح له بأنه لم يأت ليحقق جنة على الأرض. 

واصطدمت أحلامه هذه مع الواقع، فشيدت له جحيمًا، لكنه لم يتخل عن أحلامه، عن إيمانه بأن المسيح المنتظر، المخلص، سيقيم هذه الجنة، فشك في المسيح الذي يتبعه، وسلمه، ونفسه الحساسة، التي لم تجبل على الشر، جعلته يشك في صحة ما فعله، ثم تطور الشك، بفضل أحداث أخرى، وصار ندمًا، قاده إلى الاعتراف لنفسه بأن أحلامه لن تتحقق أبدًا. آمن أخيرًا أن الجنة لن توجد أبدًا على الأرض، لم يحتمل هذه الحقيقة، ولم يحتمل ندمه، فشنق نفسه.

واختتم ماجد وهيب: أنا لم أختر نهايته، فهي معروفة لي وللجميع، كل ما فعلته أني وضعته على أول الطريق الذي يقوده إلى هذه النهاية، وأول الطريق كانت الرومانسية الفائقة، الساذجة والطفولية، التي أرادت جنة على الأرض، هذه الأحلام هي التي قادته إلى كل فعل، هي التي رسمت نفسًا هشة وضعيفة ومضطربة، هي التي جعلته يخون وجعلته يندم ويقتل نفسه.

وشدد ماجد وهيب: ربما لعب القدر معه لعبته، بسبب النجاة وهو صغير من مذبحة هيرودس، فأحكمت عليه الخناق، أنه شخص حالم لكن يؤمن أيضًا بأن لديه دور لأجله أبقى الله على حياته، وأمه هي التي غذت لديه هذا الشغور، حتى تغلغل داخله وصدق هو أيضًا فيه.، لقد جمع بين متناقضات كثيرة، كفيلة أن تُهلك أي إنسان، وهذه التناقضات هي التي قادته إلى كل اختيار وكل فعل ورد فعل.