رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"برميل بارود".. هل اقتربت العملية العسكرية الإسرائيلية فى رفح الفلسطينية؟

غزة
غزة

حتى اللحظة الراهنة، هناك تضارب واضح بين تصريحات المستويين العسكرى والسياسى فى إسرائيل حول عملية الاجتياح البرى لمدينة رفح الفلسطينية فى جنوب القطاع، التى تم الإعلان عن قرب تنفيذها، ففى حين أعلن جيش الاحتلال عن جاهزيته للتنفيذ، لا يبدو أن المؤسسات الأمنية والكابينت الحربى والجهات الدبلوماسية الإسرائيلية قد بدأت خطة العمل الفعلية لبدء تنفيذ العملية على أرض الواقع.

وتواجه العملية الإسرائيلية المرتقبة اعتراضات دولية واسعة، وتحذيرات من أن أى دخول عسكرى إلى رفح يفرض إجلاء السكان الفلسطينيين والنازحين إلى المدينة؛ البالغ عددهم نحو ١.٣ مليون شخص، فرّ أغلبهم من شمال القطاع بسبب الهجوم الإسرائيلى، بالإضافة إلى مخاوف كبيرة من ارتفاع حدة التوتر مع مصر، الأمر الذى يفتح الباب أمام التساؤل حول مدى جدية التهديد الإسرائيلى باجتياح المدينة وإمكانية استخدامه كورقة ضغط فى المفاوضات الجارية لوقف إطلاق النار فى غزة.

تصريحات تؤكد الاستعداد لاجتياح المدينة رغم التخبط بشأن إجلاء المدنيين

أكد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو خلال مقابلة مع شبكة «ABC» الأمريكية أن «النصر فى غزة بات فى متناول اليد»، موضحًا أن هدف العملية المرتقبة هو «القضاء على ما تبقى من كتائب حماس الإرهابية فى رفح».

وحول اعتراضات الولايات المتحدة على العملية، أخذًا فى الاعتبار تأثيرها المحتمل على ما يزيد على ١.٣ مليون فلسطينى، قال «نتنياهو»، فى حديثه لبرنامج «هذا الأسبوع» على شبكة «ABC»: «أتفق مع الأمريكيين فى هذا»، مضيفًا «سنفعل ذلك مع توفير ممر آمن للسكان المدنيين حتى يتمكنوا من المغادرة».

وتابع «أولئك الذين يقولون إنه لا ينبغى لنا أن ندخل رفح تحت أى ظرف من الظروف يقولون بالأساس: فلتخسروا الحرب.. ودعوا حماس تبقى هناك».

فى الإطار نفسه، أفادت هيئة البث الإسرائيلية «كان» بأن إسرائيل أبلغت عددًا من الدول فى المنطقة، والولايات المتحدة، بأنها تتجهز لعملية عسكرية فى منطقة رفح، وأن جهاز الأمن الإسرائيلى بدأ بتجهيز خطة لإخلاء السكان من المدينة، مع دراسة إمكانية إخلاء المواطنين إلى مدينة خان يونس، شمال رفح، أو السماح بعودة عدد كبير منهم إلى مواقع محددة فى شمال القطاع. 

وبحسب التقارير العبرية، فإن إسرائيل جهزت خطة مفصلة، فى إطارها كنموذج تجريبى، يتيح عودة عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة، خاصة بعد تحذيرات من الولايات المتحدة إلى أوروبا من أن توسيع عملية الجيش الإسرائيلى فى رفح، فى أقصى جنوب قطاع غزة، قد يكون مدمرًا للمدنيين الذين فروا إلى هناك بحثًا عن الأمان.

ويعد مجلس الوزراء الإسرائيلى هو الجهة المسئولة عن المصادقة على العمليات العسكرية، لذا فقد تحدث «نتنياهو»، فى المناقشات الأخيرة لـ«الكابينت الحربى»، عن وضع خطة لـ«تطهير رفح».

وقال «نتنياهو» لرئيس الأركان الإسرائيلى اللواء هرتسى هاليفى: «إذا تم إطلاق سراح جنود الاحتياط فقم بتجنيدهم مرة أخرى»، وهى تصريحات اعتبرها البعض تعبر عن خطوات جدية نحو اجتياح رفح.

وأكد موقع «القناة الـ١٣» بالتليفزيون الإسرائيلى أن «نتنياهو» طلب من «هاليفى» إعادة تعبئة جنود الاحتياط استعدادًا لعملية عسكرية فى رفح، وهو ما رد عليه رئيس الأركان بقوله: «نعرف كيفية التعامل مع أى مهمة تسند إلينا، لكن هناك جوانب سياسية هنا يجب تنفيذها قبل العمل، وهى أمور لا يمكن التعامل معها إلا على المستوى السياسى، فنحن بحاجة إلى أن نقرر ما يجب فعله مع ١.٣ مليون من سكان غزة، موجودين حاليًا فى رفح، وكذلك علينا تنسيق القضية على المستوى السياسى مع المصريين».

احتمالات بتأجيل العملية واستخدامها ورقة تهديد ضد «حماس» 

رغم تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، المتكررة عن العملية البرية المرتقبة فى رفح فإن الوضع على الأرض يبدو مختلفًا، مع عدم وضوح الخطط العملياتية، وتزايد المعوقات التى بإمكانها أن تؤجل اجتياح رفح، وربما إلغاءه، فى حال التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار مقابل صفقة تحرير المحتجزين لدى حركة «حماس».

ونشرت صحيفة «جيروزاليم بوست» تقريرًا يتحدث عن أنه تم إعداد مخطط اجتياح الجيش الإسرائيلى لرفح منذ فترة؛ مع تعطل تنفيذه على أرض الواقع لأسباب دبلوماسية تخص العلاقة مع مصر والدول الغربية. 

وتابعت: «حتى شهر ديسمبر الماضى، كان الجيش الإسرائيلى متمسكًا باعتقاده القوى بأنه قادر على التعامل مع المهمة الشاقة المتمثلة فى إجلاء حوالى ١.٤ مليون فلسطينى انتقلوا إلى رفح، بحثًا عن ملجأ من القصف فى شمال ووسط القطاع، رغم الكثافة السكانية الحالية التى تجعل عدد سكان المدينة يزيد حوالى ٦ أضعاف عما كان عليه قبل الحرب».

ووفقًا للكاتب زيف يسرائيل، فإن الجيش الإسرائيلى يعرف أن تفكيك كتائب «حماس» فى رفح هو أمر مشكوك فى إمكانية حدوثه فى ظل الأوضاع الحالية، من دون خطوة منسقة مع مصر والأمريكيين، خاصة أن الأمر سيتطلب تحريك مليون لاجئ موجود فى المدينة، والمخاطرة بالاشتباك مع مصر.

وأضاف: «هذه الخطوة ستكون معقدة، مع إنجازات محدودة ومخاطر عالية، بالإضافة إلى أنه من المتوقع أن تقرر الكتائب الموجودة فى رفح الخروج مع النازحين بدلًا من القتال، ثم تعود إلى المنطقة فى وقت لاحق، ليجد الجيش الإسرائيلى نفسه يقاتل مواقع فارغة». 

فيما أشارت القناة العبرية الـ١٣إلى أنه فى ظل التوتر المحتمل بين الجيش الإسرائيلى والمستوى السياسى فهناك احتمال بتأجيل العملية فى رفح، بحجة عدم استعداد الجيش.

وأضافت، فى تقرير لها: «هناك شعور فى الجيش، وفى صفوف المسئولين الحكوميين، بأن نتنياهو يستعد لتحميل الجيش مسئولية تأخير العملية»، مشيرة إلى أن بعض التقديرات ترجح أن يبدأ الجيش الإسرائيلى فى تحريك بعض القوات الأولية عبر رفح، رغم أن صفقة تحرير المحتجزين يمكنها أن توقف كل شىء فى اللحظة الأخيرة، فى حال تم التوصل إلى اتفاق.

ونوهت بأن نتنياهو ربما يريد من خلال تصريحاته حول اجتياح رفح أن يضغط ويستخدم هذا التهديد كورقة مساومة لإجبار «حماس» على التوصل إلى الاتفاق الذى يريده، كما فعل فى اتفاق الهدنة السابق، الذى شهد تأجيل عملية غزة وخان يونس إلى أوائل ديسمبر الماضى.

انتقاد دولى للجريمة المرتقبة.. ومخاوف من انهيار اتفاقية السلام مع مصر

فى الوقت نفسه، أكدت الولايات المتحدة وعدد من القوى الغربية أنها أصبحت أكثر قلقًا إزاء ارتفاع عدد القتلى الذى ستجلبه العملية العسكرية الإسرائيلية، خاصة بعد تحريك سكان القطاع ٣ مرات، من شمال غزة إلى خان يونس ومنها إلى رفح، فيما لم يُعلن رئيس الوزراء الإسرائيلى، حتى الآن، عن ملامح خطته لاجتياح المدينة الحدودية مع مصر، ولا مدّتها.

وتشير التقديرات إلى إنه فى حال تم الاجتياح فإن الثمن سيكون مؤلمًا، وستكون عملية طويلة، وبها ستنتهى المرحلة الثانية من الحرب، التى تمهد للمرحلة الثالثة، المفترض أن تتضمن عمليات كر وفر بين الجيش الإسرائيلى والتنظيمات الفلسطينية، وهى مرحلة يمكن أن تستمر لمدة عام أو أكثر، بالتزامن مع العمل على إعادة إعمار القطاع، وعودة النازحين إلى ديارهم.

ويرى المراقبون أنه إذا قررت إسرائيل حقًا تنفيذ الاجتياح فإن العملية العسكرية على رفح ستعمق من الخلاف مع مصر، خاصة بعدما أكدت القاهرة مرارًا أن أى تحرك فى المنطقة دون تنسيق مسبق سيؤثر سلبًا على العلاقات بين البلدين، وذلك وفقًا لتقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية.

ونقلت الصحيفة عن مصادر مصرية قولها إن مصر هددت بـتعليق اتفاقية السلام بين البلدين، فى حال تجاوزت موجة من الفلسطينيين الحدود، أو فى حالة اجتياح الجيش الإسرائيلى رفح.

وفى وقت سابق، كشفت قناة «الأخبار الـ١٣» بالتليفزيون الإسرائيلى عن انقطاع الاتصالات السياسية بين إسرائيل ومصر، بسبب رفض القاهرة طلب مكتب رئيس الوزراء بتنسيق محادثة لـ«نتنياهو» مع الرئيس عبدالفتاح السيسى.

وحسب «وول ستريت جورنال»، فإن وفدًا مصريًا وصل إلى تل أبيب، أمس، لإجراء محادثات مع مسئولين إسرائيليين بشأن الوضع فى رفح، وسط سعى إسرائيل لإقناع مصر بالموافقة على نوع من التعاون فيما يتعلق بالعملية فى أقصى جنوب القطاع، وهو الأمر الذى تعارضه القاهرة.

وأشارت إلى أن مصر يبدو أنها لا تكتفى فقط بالإشارات الموجهة إلى إسرائيل، بل حذرت أيضًا حركة «حماس» من مواصلة العملية البرية الإسرائيلية فى حال عدم التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، وهو ما ردت عليه «حماس» بالتأكيد على استعدادها للدفاع عن رفح وعدم الاستجابة للتهديدات الإسرائيلية.