رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كبسولة فلسفية|محمد جادالله يكتب: «الفلسفة.. والحياة» أداتك لتنظيم حياتك          

محمد جاد الله
محمد جاد الله

نشهد اليوم أجواء مليئة بالصراعات السياسية والاقتصادية والفكرية أيضًا، مما يُسفر عنه آثار سلبية على المستوى الاجتماعي هذا من جانب، ومن جانب آخر، نلاحظ التقدم العلمي الهائل وما يحرزه من تطور تظهر محاسنه ومساوئه على المجالات العلمية والأدبية. والسؤال الآن كيف لنا أن نعيش الحياة وسط كل هذا؟ هل لنا من مفتاح لفتح الباب الذي يمكننا من دخول هذا العالم والتعايش فيه، وفي نفس الوقت يضمن لنا الحماية والاستقرار والهدوء دون أي معاناة؟

عزيزي القارئ، مفتاح دخولك لهذا العالم، والذي يضمن لك حياة كريمة وسعيدة وهانئة، هي الفلسفة. قد يجد البعض غرابة في هذه الإجابة، إلا أن «الفلسفة» في حقيقة الامر هي الأداة الوحيدة التي تستطيع بها فهم هذا العالم والتغلب عليه، بل وتمكنك من محاكاته، وجعله أداة طيعة بين يدك. فهي بمثابة الضابط المنظم لحركات المرور في الشارع، فالفلسفة أيضًا بمثابة الأداة التنظيمية للتفكير السليم. 

فهي كانت في العصور القديمة أمًا للعلوم إلى أن وصلنا إلى العصر الحديث فبدأ العلم ينفصل عنها تدرجيًا. علي الرغم من ذلك هناك فروعًا من الفلسفة تدرس العلم وتهتم به، على سبيل المثال لا الحصر: (فلسفة الطب – فلسفة القانون – فلسفة اللغة – فلسفة العقل). وهنا علينا أن نتمنى جميعًا أن تكون الفلسفة هي الأداة لحل مشاكلنا، فهي فن التفكير.

عزيزي القارئ، الفلسفة لا يمكن أن تتوقف ما دام الإنسان حيًا، فالفلسفة تؤيد الأمل في إدراك معنى الحياة الذي يتجاوز كل الأغراض الدنيوية. وهدف الفلسفة هو أن تُحقق في كل الأزمان «استقلال» الإنسان كفرد وهو يُكتسب، إلا أنه لا يكتسب هذا الاستقلال إلا بإيجاد علاقة بينه وبين الوجود.

وهنا نضع أيدينا على أحد دعاوى غير الناطقين بالفلسفة وهي «التناقض» وأن مهمة الفلسفة تتسم دائمًا بهذا. إلا أن الاستقلال الذي نقصده لا يلتمس في البعد عن العالم، وفي نبذه واعتزاله، بل يلتمس في الدنيا ذاتها، وفي الإسهام فيها، ولكن دون الخضوع لها. ومن ثم فإن الفيلسوف لا يحب لنفسه الحرية إلا إذا توافرت لغيره، ولا يحب لنفسه الحياة إلا باتصاله بغيره من الناس. إن الفلسفة تخاطب الفرد، وفي كل عالم، وكل موقف، يَرُد الاجتهاد الفلسفي الفرد إلى نفسه، لأن الفرد الذي يكون نفسه – ويستطيع أن يبرهن على ذاته في عزلته – هو وحده الذي يستطيع حقًا أن يشرع في الاتصال بغيره.

كما قدم لنا الأكاديمي الفرنسي بيير هادو وهو أحد رجالات الفلسفة العظام توصيفًا يُظهِر فيه الدور الحقيقي الذي تلعبه الفلسفة في حياتنا، قائلًا: «الفلسفة ليست تعلم نظرية مُجردة، وهي أبعد ما تكون عن عملية تفسير نصوص. إنما الفلسفة هي فن العيش، الفلسفة موقف عياني وأسلوب محدد في الحياة يشمل الوجود بكليته. الفعل الفلسفي ليس واقعًا على المستوى المعرفي وحده، بل على مستوى الذات ومستوى الوجود. إنه تقدم يؤدي بنا إلى أن نوجد وجودًا أكثر امتلاءً وأن يجعلنا أفضل حالًا. إنه تحول وجودي حاسم يقلب حياتنا كلها رأسًا على عقب، مغيرة حياة الشخص الذي يخوض فيه. الفعل الفلسفي يرفع الفرد منا من حالة حياتية غير أصلية، وغيبوبة معتمة، وهم مُنغص – إلى حالة حياتية أصلية يمتلك فيها المرء الوعي الذاتي والرؤية الدقيقة للعلم، والسلام الداخلي والحرية». والسؤال الآن، ما ينقصنا لتحقيق هذه الرؤية اتجاه الفلسفة؟.

صديقي القارئ، قبل استخدام هذه الأداة لابد لنا من معرفتها، وفهمها، وبكملة واحدة معرفة كتلوج الفلسفة إن جاز لنا استخدام هذه التعبير – بالضبط بالمعنى الذي نستخدمه في لغتنا الدارجة – ولذلك علينا أولًا وقبل كل شيء معرفة المقصود بكلمة «فلسفة»، والوقوف على الفهم الصحيح للمنهج الذي تعمل من خلاله الفلسفة، وايضًا كيف لنا أن نوظف الفلسفة وجعلها الأداة الأولى المسيطرة في حياتنا والمسيرة لأفكارنا؟ كل هذا سنتناوله تباعًا بالكبسولات القادمة إن قدر لنا الله البقاء واللقاء.