رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كبسولة فلسفية| محمد جاد الله يكتب: العصر الهللينستي

محمد جاد الله
محمد جاد الله

أنهينا كبسولتنا السابقة والتي حملت عنوان «العصر الهلليني»، أنه بوفاة أرسطو تكون قد طويت أول صفحة من صفحات التاريخ الفلسفي اليوناني، ولكن ليس معنى ذلك أن الابداع الفلسفي قد توقف بعد افلاطون وارسطو، كما يزعم البعض من اشباه الدارسين والباحثين. ووصلنا حديثنا أن الوضع على العكس من ذلك، وهو ما سنراه مع الحقبة الهللينستية. ولكن قبل الحديث والتعريف بالعصر الهللينستي، رأينا أن نُبين في عُجالة كيف ظهور هذا العصر وتكوّنت حضارته وفلسفته؟ وهل جاء هذا العصر نتيجة للمصادفة الزمنية، أي بدون ترتيبات أو تفكير مسبق من قبل شخصًا ما؟

عزيزي القارئ إجابتنا عن هذه التساؤلات، يقدمها لنا الفتاح المغوار، صاحب الحكمة والرأي السديد الإسكندر الثالث المقدوني، المُلقب باسم الإسكندر الأكبر، فهو صاحب الفضل واليد العليا في ظهور هذه الحقبة. ودون الخوض في تفاصيل قد تكثر بحسب الحالة التاريخية التي مرت بها الاحداث، سنأخذ نظرة خاطفة لنبين كيف تكون هذا العصر آنذاك. 

كان يحلم الإسكندر بعد وفاة والده أن يُكمل مسيرته التوسُعية، حيث ورث العرش وهو في سن العشرين، ورغم صغر سنه إلا أنه استطاع ببراعة وجدارة فائقة أن يحقق انتصارات كبيرة لم يسبق لملك أو قائد جيوش أن يحققها، وهنا بدأ يراود الإسكندر فكرة تكوين إمبراطورية تضم هذه الممالك، إلا أن الأمور لم تسير كما قدر لها، وسرعان ما تُوفي الإسكندر قبل تحقيق هذا الحُلم، إلا أن هذه الفتوحات كانت لها سبق التأسيس في وضع حجر الأساس لهذا العصر. ولكن متي ظهرت هذه التسمية؟

ما إن أحل منتصف القرن التاسع عشر، حتى ظهر اصطلاح «العصر الهللينستي Hellenistic & باليونانية: Ἑλληνιστικh»، وهو تعبير استحدثه العلماء ليغطي فترة في الفلسفة اليونانية؛ ويراد به روح وفكر العصر «الهلليني» ويقع هذا العصر بين خروج الإسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد من اليونان لغزو العالم، حتى سقوط الممالك اليونانية على يد الرومان سنة 30 ق.م.

واتسم هذا العصر بقيام وتأسيس الفكر الإنساني، حيث إن الفلسفة أعلنت انفصالها عن العلم الذي كان يقوم على الملاحظة واستقصاء الحقائق، أكثر من اللجوء إلى التجربة. وأهم المدراس الفلسفية التي قامت في ذلك العصر هما: «الأبيقورية» و«الرواقية» حيث تميزت «الرواقية» بدعوتها إلى ترسيخ الأخوة، وكانت تنظر إلى العالم كله «مدينة الله» وأقامت الأخوة شريعة العالم. بينما اتجهت «الأبيقورية» إلى تحرر الإنسان من جميع المخاوف التي تطاره.

كما تميز هذا العصر بتأسيس فلسفة الأخلاق، وكان هذا التأسيس هو الأول في التأريخ الإنساني، حيث اتجه الفلاسفة إلى الإنسان وجعلوه هدفًا لأبحاثهم الأخلاقية؛ والعقل ركيزتهم. ويعد هذا التأسيس هو الوجه الصحيحة والحقيقة للفكر الفلسفي، حيث اعطى الفلسفة الطابع العملي الذي يمكننا أن نستند عليه في حياتنا وما يوجهنا من مشكلات أو مواقف. والسؤال الآن، هل قدمت لنا مدراس العصر الهللينستي حلًا واضحًا للشقاء والخوف الذي ينبذ بالإنسان من حين لآخر، ويمنعه من ممارسة حياته بطمأنينة وسكينة؟ هذا ما سنراه في كبسولتنا القادمة.