رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مي أبو زيد: لا أتحلى بالشجاعة للاشتباك مع التابوهات.. وقصصي هي ما يمكن أن أضيفه للعالم

مي أبو زيد
مي أبو زيد

عن القسوة والفقر والجهل والمرض، وهذا الثالوث المرعب الذي انعكس على بنية وتجليات ومتون القرية المصرية، فكانت تلك الكتابات الجارحة التي بدأ فتوحاتها الروائي والقاص العتيد يوسف إدريس. 

تنطلق قصص "على مصطبة الزمن" للروائية والقاصة "مي أبو زيد" بسرد غرائبي وواقعي وفانتازي في آن، لتعود لفن القص وصرخاته في البرية بعدما أضافت وعمقت مي من تلك الحوادث والأحداث المسكوت عنها والجارحة الصادمة. ومي أبو زيد صحفية وكاتبة حصلت على بكالوريوس الاقتصاد والعلوم السياسية، وعملت كمحررة ثقافية ومؤسسة للقسم الثقافي بجريدة البديل، وكانت سكرتيرة لتحرير مجلة روز اليوسف. 

صورة لغلاف المجموعة القصصية على مصطبة الزمن للكاتبة مي أبو زيد.

وصدر لها رواية "ليست مرآة واحدة"، وساهمت في إعداد كتاب "الصحافة فوق صفيح ساخن" مقالات للكاتب سلامة أحمد سلامة. كما شاركت في كتابة "مسلسل أحلام سعيدة" من تأليف المخرجة هالة خليل، وشاركت في كتابة وتمثيل فيلمي "قهوة عادي" و"عينان". 

التقت "الدستور" مي أبو زيد وكان هذا الحوار.

صورة لغلاف رواية “ ليست مرآة واحدة” للكاتبة مي أبو زيد.

_ عن الحمصاني والحاج محمود وجمال وتلك الشخصيات أو البشر الخارجين من طين الأرض المصرية في قراها، كيف كان شروعك في كتابة تلك النصوص المسحوقة في عالمك الاثير في قصص، على مصطبة الزمن؟

شرعت في كتابة تلك المجموعة فجأة، كنت استلقي ذات ليلة وأفكر في أثر ما، يمكنني أن أضيفه إلى العالم، أثر يتخطى حدود المادية، ويصل إلى النفوس والعقول، كنت اعتقد، واهمة، أن الدراما يمكنها وحدها أن تحقق مساحة أوسع من التأثير، لكني أدركت في تلك الليلة أن أثري سيكون عظيما لو صادف نفس بشرية واحدة، تخيل لو أنك بكتابتك سببت حالة حنين لأحد، أو رسمت بها بسمة على وجهة، أو ربما ساهمت في تغيير منظوره إلى العالم والناس من حوله؟!

قمت من رقدتي وشرعت في الكتابة، ودون أن ادري وجدتني اكتب عن العالمين اللذين اتأرجح بينهما دائما، واللذين اعشق تفاصيلهما معا والمس مواطن قوتهما وضعفهما وسلبياتهما وإيجابياتهما، عالم القرية وعالم المدينة. 

_ ماهي الدوافع الحتمية والملحة في استخدامك تلك الإرث القصصي لإدريس والبعيد عن الكلاسيكية في اللغة والمكان والزمن؟

ربما لأني وقعت في غرام كتابة الرجل، النظرة الأولى كانت له وعلى قصته "نظرة"، أنا ابنة قرية لم تكن تملك من ملامح المدنية شيئا على الإطلاق، محرومة من الكتب والصحف والمجلات، واعتمادنا الأساسي في الاطلاع على عالم الأدب كان من خلال المناهج الدراسية، وقتها وقعت في أسر "نظرة" يوسف إدريس، ونشأت حالة استساغة الأدب والتلذذ به، إلى أن انتقلت إلى القاهرة وأشبعت نهمي إلى القراءة. 

بورتريه للكاتبة القاصة والروائية مي أبو زيد..

 

بالطبع استخدم لغتي الخاصة، تلك التي يكتسبها الكاتب من بيئته وتشبه روحه، اللغة مثل بصمة الإصبع، ولكل بصمته، أما المكان والزمن فهما يخصاني، يتعلقان بي واتعلق بهما بحكم نشأتي في الريف ثم انتقالي إلى القاهرة، للدراسة أولا ثم للعمل ومن بعده الزواج. 

_ حدثينا إذا مي عن مثلًا أعلي قصصي_ كان له السطوة والتأثير في ولوجك لهذا العالم الاسيان والمحزن والملتبس/ المراوغ؟

إنه يوسف إدريس، كما ذكرت من قبل، ضف إليه إبراهيم أصلان، الاثنان أحب تكثيفهما، تركيزهمها على لحظات إنسانية قد تبدو عادية، لكنها شديدة الخصوصية والدلالة والتأثير، الاثنان ينظران إلى الواقع من منظور أدبي وينقلانه لنا بتصوير جميل، إنهما يدفعاني دفعا إلى داخل المشهد والتماهي مع شخصياته، ويركزان على تناقض النفس البشرية. 

اذكر في إحدى المرات وكنت اجلس بصحبة العم إبراهيم أصلان والشاعر والكاتب شعبان يوسف وآخرين، وحكى أحدهم واقعة، ففوجئت بالأستاذ إبراهيم وهو مندهشا بشدة، ملت عليه وسألته: امازلت تندهش يا عم إبراهيم بعد مرور هذا العمر؟ فرد: من لا يندهش لا يكتب. 

_ وكيف كان استقبال القراء لقصصك، على مصطبة الزمن ؟

صورة/ /..بورتريه للقاصة مي أبو زيد.

لم يقرأها كثيرون، هذا ما تفرضه أيام معرض الكتاب عندما ينشغل كل قارئ بجمع ما يريده من كتب، ثم يبدأ في القراءة بعد انتهاء المعرض، ومجموعتي صدرت قبيل المعرض، لكن يمكنني القول أن من تمكن من قراءتها ومن ناقشها في الندوة التي عقدت بدار نشر "أم الدنيا" أعجب بحالة الحنين التي خلقتها له، وهو القارئ الذي عاش بعض عمره في الريف، أما القارئ المديني فكان عالم القرية مدهشا بالنسبة له، ما لاحظته أن وجهة النظر المشتركة بين كل من أتيحت له قراءتها، هى الصدق، الذي قالوا أنني اكتب به، وهو رأي أسعدني كثيرا. 

_ مابين القص والرواية والكتابة الدرامية، أين تكمن، وتجد المبدعة / الكاتبة مي أبو زيد غاياتها وفي اي المسارات الإبداعية؟

وما هى غاياتي؟ إنها حب الحكي، والتفنن فيه، ومعهما تحقيق الأثر. 

قيدتني الصحافة بالطبع لأن أشكال كتابتها محددة ولها شروطها، والمشاركات البحثية في بعض الكتب كذلك. 

صورة/للكاتبة مي أبو زيد من فعاليات معرض القاهرة الدولي في دورته الآنية.

اذكر أن أحب موضوعاتي الصحفية إلى قلبي، تلك التي اجنح فيها نحو رسم بورتريه لشخصية ما أو تصوير أجواء وكواليس احتفالية ما، وعندما هاجمني مخاض "ليست مرآة واحدة" وهى العمل الأول لي، شعرت بدفقات من الحرية والسعادة، وقتها أطلقت لخيالي وخبراتي وشخوصي العنان، كنت محمومة بالكتابة. 

وبعدما مرت السنين وعاودني هم ترك أثر، وجدتني اميل إلى كتابة السيناريو، وكان لي فيه فيما مضى مساهمتين صغيرتين في فيلمين قصيرين، وبالفعل شاركت مع المخرجة المبدعة هالة خليل في كتابة مسلسل "أحلام سعيدة". 

الآن، فتحت كل مسارات الحكي التي أجيدها وأحبها أمامي، وإن اكتشفت في نفسي قدرة على اتباع مسار جديد ساسير فيه بلا تردد. 

_ بدأت ابداعاتك بالعمل الصحفي بجريدة البديل لسنوات ثم احتجبت لعقد من الزمان_ فأين أنت من الخارطة الثقافية/ الابداعية في مصر؟

لا اعرف أين أنا، هي حالة غريبة وعجيبة في الواقع، تخيل أنك اختفيت تماما لعشر سنوات ثم عاودت الظهور من جديد، كأنك كنت مهاجرا أو دخلت كهفا وأغلقته عليك، اعتقد أني أربك الناس التي كانت تعرفني، أكثر مما ارتبك عندما أقابل أحدهم أو اتواصل معه عبر الفيس بوك، عندما صدرت روايتي عام ٢٠١٥، لم اشتغل عليها إعلاميا قط، وكانت الأمور في مصر غير مستقرة، وكنت أنا منشغلة كليا في أمور أسرتي، فلم امنح الرواية فرصة لتقدمني ككاتبة أدب، بجوار عملي بالصحافة، برغم حصول مخطوطها على المركز الثاني في مسابقة مجلة "الثقافة الجديدة". 

ربما أنا صحفية وممثلة وصاحبة رواية، مختفية، عاودت الظهور بمسلسل ثم بمجموعة قصصية، وتحاول أن تجد لها مكانا على الخريطة. 

عن تلك السرود والكتابات الروائية والقصصية في عالمنا العربي وف مصر، من من تلك الاسماء التي أثرت في خطاك وخطابك/ طرحك الإبداعي بشكل عام ؟

لا أنكر أنني توقفت عن القراءة أيضا لفترة طويلة، فقدت فيها متابعة أعمال المعروفين، والبدء مع من ظهر حديثا، لكن بشكل عام أنا اميل للكتابة الواقعية، تلك التي تجعل من الإنسان موضوعها ومنبتها، التي تحرضك على التفكير، وتستدعي الدهشة، التي تقدم لي قراءة مختلفة للإنسان المصري، وعملي في الصحافة الثقافية أتاح لي إجراء حوارات مع العديد من الكتاب، كما تنوعت قراءاتي ومن هنا يصعب الحصر. 

لكن إن شئت الدقة في الإجابة على هذا السؤال ساجدني أسيرة أسماء غادرتنا: نجيب محفوظ، خيري شلبي، جمال الغيطاني، إبراهيم أصلان، رضوى عاشور، ومرة أخرى يصعب الحصر. 

_ عن الحروب عبر التاريخ والجغرافيا والهوية والديانات، كيف ترى الكاتبة المبدعة مي أبو زيد مستقبل فن الكتابة/ الابداع/ الفكر/ الثقافة/ والفن ايضًا؟

سؤال صعب، صعوبته تنبع مما تحتويه الإجابة عليه من حزن، مبدئيا، الكتابة والإبداع والفكر والثقافة والفن، هي أشياء خالدة مخلدة، نشأت مع نشأة الإنسان، ونقوش الكهوف الموغلة في القدم ورسوماتها ولغتها خير دليل على ذلك، هي طعام روح الإنسان، تحييه، مثلما يحييه الماء والهواء. 

علام الحزن إذا؟، على شكل هذا الطعام الذي يغذي الروح، العالم الآن تسيطر عليه التكنولوجيا بطريقة مرعبة، وتحكمه خطة كونية ليظل الانسان أسير المادة، مجرد ماكينة تعمل وتستهلك، والمعايير والمفاهيم تداخلت ككرة من الصوف، والحدود الفاصلة بين شيئين أو معنيين أو حتى نوعين، ذابت. 

عالم القرية الذي احكي عنه في مجموعتي على سبيل المثال، ملامحه المميزة له ومنظومته القيمية اختلفت كثيرا، الآن صار بإمكان الزوجين التحكم في نوع الجنين وعدد الأجنة، صار بإمكان الناس ممارسة الجنس عبر التليفونات المحمولة، صار التليفون هو الصاحب ونافذة الإنسان الوحيدة إلى العالم، صار البحث عن الشهرة والمكسب السريع غاية كثير من الشباب، فسادت حالة عامة من السطحية والتفاهة والاستسهال. 

نحن في حرب ضد القيم، وضد آدمية الإنسان نفسه، ولم ينجو الإبداع والفن والفكر والثقافة من هذه الحرب، لأنهم للأسف أحد أهم أذرعها، نعم هم موجودين، وبكثرة، ساعدت في انتشارهم السريع والواسع قرية العالم التي صارت كونية، لكن القليل منهم هو المؤثر إيجابيا. 

_ وما هو مفهومك إذًا ( للخلاص_ هل ينتهي الحلم بالخلاص مع إنتهاء الكاتب من نصة؟

عن أي خلاص نتحدث؟ يشبه حمل العقل لفكرة قصة ما أو رواية أو فيلم، رحم المرأة عندما يحمل جنينا، الاثنان لهما نفس الأعراض والمتاعب والآلام، هكذا أخبرني يوما الكاتب الراحل مكاوي سعيد، وهو قول اختبرت صحته عندما بدأت الكتابة.

هل ترتاح الأم حقا بعد الولادة؟ وهل يرتاح الكاتب بمجرد إخراج فكرته أو نصه على الورق؟ في رأي، لا، لأن الكاتب سيكون بين يديه طفل من أطفاله، يتحرك وينمو ويقابل بشرا، قد يمرض الطفل، وقد ينجح أو يفشل، وحتى إن مات، تظل ذكراه وتفاصيله تطارد عقل الكاتب ووجدانه، يحدث لي كثيرا أن أراجع نفسي فيما كتبت، ونشر بالفعل، اود لو أمد يدي داخل الكتاب أو المسلسل لأعدل وأطور كما يحلو لي.

_ عن تلك الجوائز الأدبية العديدة عربيا وفي مصر، أين أنت من تلك الجوائز وكيف تقيميين دورها ومؤثراتها او تأثيراتها على الكاتب/ الكتابة؟

اتمنى بالطبع الحصول على أي منها، الجوائز تسبب حالة من السعادة لصاحبها في حال حصوله عليها عن استحقاق، كان حصولي على جائزة مجلة "الثقافة الجديدة" من أجمل أيامي، وبقيمتها المادية اشتريت بعض أدوات المطبخ لبيت الزوجية، والطالب الذي يحصل على أعلى الدرجات، لن ينتفع أحد غيره بدرجاته ومع ذلك يفرح بالاحتفاء.

الجوائز تثري الحياة الثقاقية، مثلها مثل معارض الكتاب، هي قطعة ترمى في مياه راكدة معظم الوقت، فهذا تنافس وهذا نقاش وتلك مقالة نقدية، وناس مع وناس ضد، وفائدة مادية للكاتب وأخرى ثقافية فيها تشجيع على القراءة وتعريف المجتمعات بثقافات وكتابات المجتمعات الأخرى. 

صورة للفنانة والكاتبة والقاصة “ مي أبو زيد”.

مؤخرا صادفت إعلانا عن جائزة لأدب الأطفال واليافعة، مقدمة من الإمارات، علقت وقلت إن هذه الجائزة بوسعها تشجيع العديد من الكتاب على التوجه للاهتمام لهذا العمر الذي يعاني كثيرا من قلة الكتابات الموجهة إليه. 

_ عن اشتباكك مع التابو، المحظور الدين والجنس والسياسة في مجموعتك القصصية المثيرة " على مصطبة الزمن، هل لم تزل القرية المصرية "غائبة عن ماهية ومقومات واشكال السرد الابداعي المطروح حاليًا، أم هو التحول في الأولويات؟

اشكرك على رأيك، وإن كنت ارى أنني لا اتحلى بالشجاعة الكافية للاشتباك بقوة مع التابوهات الثلاثة، أما بخصوص القرية، فقد سرى عليها ما سرى على الفن بشكل عام. 

القرية تمثل روح الشعب المصري، مثلها مثل الحارة الشعبية، وهى روح طغت عليها نظرة فوقية، صارت تنظر لكل ما يعبر عنهما بكلمة "بيئة". 

التيار الآن يزدري القرية والحارة، ويهزأ من كل ما يتعلق بهما، فهذا اللبس "فلح" وهذه طريقة كلام "بلدي" وغيرها الكثير، وإن حدث وتم تناول القرية والحارة، يكون في الأغلب بشكل خاطئ لا يعبر عنهما بدقة، ومع ذلك لا تخلو أبدا جعبة الإبداع والفن من أعمال مدهشة تتناول العالمين وتصور روحهما باسلوب عصري، كفرقة "طبلة الست" الغنائية، ومسلسل "بالطو" وغيرهما. 

- أخيرا، هذه المجموعة الجريئة في الطرح والتناول والبساطة الموغلة في الفخاخ "على مصطبة الزمن"، هل كتبت بدافع الحنين، أم هي كتابة للتعبير عن إنتماءاتك ومخزون ذاكرة الطفولة والصبا؟

المجموعة مقسمة إلى جزئين، حكايات القرية وحكايات المدينة، لا اعرف لماذا انسقت إلى هذه التقسيمة، في الأَولى أحببت أن انقل بعض ملامح قريتي، وأن احقق البقاء لأبطال مروا في حياتي وكثيرا ما اشعر بالحنين إليهم، وفي القسم الثاني، كتبت عن بعض ملامح القاهرة وعن مواقف شديدة الخصوصية والإنسانية، بطلتها الرئيسية هىالساردة الآتية من الريف، لقد جلست على مصطبة الزمن لأحكي للقارئ عن مصائر، ملامح، مواقف وتناقض البشر المارين بي، والمارين بداخلي.

اقرأ أيضًا..

للمرة الخامسة.. ملتقى الشارقة الثقافى يكرم 4 من كتاب ونقاد مصر