رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحولات المجتمع المصرى.. المرئى واللا مرئى فى لوحات مصطفى يحيى التشكيلية

لوحات مصطفى يحيى
لوحات مصطفى يحيى التشكيلية

مسيرة الفنان التشكيلى مصطفى يحيى، العميد الأسبق لمعهد النقد الفنى بأكاديمية الفنون، تمتد إلى ما يربو على نصف قرن استطاع خلالها أن يُبلور أسلوبه التشكيلى الخاص وأدواته التعبيرية المميزة، تلك التى تكشف جولة فى معرضه الاستيعادى «المرئى واللا مرئى»، المقام حاليًا بمركز الجزيرة للفنون، عن أبرز ملامحها. 

فى ثلاث قاعات تشكلت بانوراما لمسيرة يحيى الفنية وأبرز محطاتها وتحولاتها وكذلك أبرز الملامح الثابتة التى ظلت حاضرة على امتداد تلك المسيرة، فما بين لوحات زيت على توال ولوحات من الحبر على الورق، ثمة ملامح من التعبيرية الحميمة حينًا والساخرة المنتقدة حينًا آخر تظلل أعمال يحيى وتُشكل سمات رئيسية من سمات أسلوبه. 

الترتيب الزمنى

يضم المعرض ما يقرب من ١٧٤ لوحة مرتبة ترتيبًا زمنيًا تبدأ منذ بداية مشوار الفنان التشكيلى فى السبعينيات وتتوقف عند أحدث أعماله التى ظهرت بالعام المنصرم، ذلك الترتيب الزمنى لا يمثل فقط تحديدًا لتوقيت ظهور اللوحات وإنما هو ضرورة لفهم أبجديات اللوحة وما تعبر عنه، فاللوحة عند يحيى تُعبر عن روح العصر ومشكلاته، ما ظهر منه وما بطن. 

القاعة الأولى من المعرض تضم الأعمال الأولى ليحيى التى ظهرت منذ نهاية الستينيات ثم عقد السبعينيات من القرن الماضى لتعبر عن أبرز أزمات ذلك العقد، فثمة لوحات تصور هزيمة ١٩٦٧ ثم انتفاضة الخبز فى عهد الرئيس السادات بلغة تشكيلية وأخرى تظهر بها صناديق الانتخابات للتعبير عن انشغالات المرحلة سياسيًا. 

يقول يحيى: اللوحات الأولى بالمعرض تبدأ منذ أن كنت طالبًا ثم مرحلة السبعينيات التى عبّرت فيها عن الأحداث بلغتى التشكيلية التى احتفظت بعدد من العناصر المميزة لها سواء على مستوى اختيار الألوان أو الأسلوب الفنى التعبيرى. 

تحولات المجتمع المصرى

يمكن اعتبار لوحات يحيى تعبيرًا حيًا عن التحولات التى شهدها المجتمع المصرى منذ العهد الساداتى وحتى اليوم، فثمة تصوير بعدد من اللوحات لمرحلة الانفتاح وما شهدته من تغيرات على الصعيد الاجتماعى استمرت بعقود تالية وصولًا إلى توثيقه لثورة يناير ٢٠١١ وانشغاله بالعلاقات الاجتماعية الراهنة المحكومة بسطوة التكنولوجيا. 

يوضح يحيى ذلك فى حديثه معنا بقوله: رسمت لوحة عن «المول» باعتباره رمزًا لمرحلة الانفتاح الاقتصادى يقدم صورة مكثفة لحياة موازية لنمط الحياة خارجه وتصور حالة التكدس وما تعبر عنه، كما صورت العلاقات الخفية وغير المعلنة بين الرجل والمرأة بأسلوب ساخر، علاوة على توثيق ما حدث فى ميدان التحرير وآثار التكنولوجيا على العلاقات الاجتماعية. 

فى مرحلة الألفينات، عمد يحيى إلى التعبيرية الساخرة فى بعض اللوحات، التى شارك بها ممثلًا لمصر بأحد المعارض فى بلغاريا، حسبما أشار فى حديثه معنا، علاوة على الاهتمام بالعناصر الرمزية الفرعونية وعناصر أخرى من التراث الشعبى المصرى التى تعد من السمات الأساسية لأسلوبه. 

يتحدث يحيى عن أسلوبه الفنى بقوله: أميل إلى المدرسة التعبيرية وهى مدرسة احتجاجية ترصد هموم المجتمع بهدف تغييره، وأحيانًا ما تكون تصادمية مثلما نجد لدى عبدالهادى الجزار فى بعض لوحاته، من خلال هذه المدرسة يمكننى التعبير عن الفئات المهمشة وإبراز الظواهر السلبية فى المجتمع المعاصر ورصد التغيرات فى طبيعة العلاقات.

المرئى واللامرئى

يعبر عنوان المعرض «المرئى واللا مرئى» عن جانب مهم من انشغالات يحيى فى لوحاته، فبينما تعبر بعض اللوحات عن الحياة الشعبية وبعض مظاهرها من الأفراح والزفة والازدحام الذى يحمل ثنائية الحميمية والعشوائية فى آن، فإن جانبًا آخر من اللوحات يهتم برصد العلاقات الخفية، فثمة مكوجى يُسلّم الملابس من الشرفة، وثمة علاقات تتشكل عبر السلالم الخلفية، علاوة على ظهور التكنولوجيا باعتبارها وسيطًا يضفى حالة من القلق والزيف على العلاقات الإنسانية. 

يقول يحيى: كان «السلالم الخلفية» عنوانًا لواحد من معارضى التشكيلية، وأقمت معارض أخرى ركزت فيها على «الشرفة»؛ المكان الذى كان وسيلة للتنفس فى الجيل السابق، وموضعًا للعلاقات الاجتماعية والأسرية والعاطفية الذى صار وجوده اليوم ملغيًا، كما أننى فى لوحات حديثة اهتممت بأثر الواقع الافتراضى فى العلاقات البشرية. 

رموز البيئة المصرية

على الرغم من هيمنة التعبيرية على أسلوب يحيى التشكيلى، فثمة رموز تمثل ملمحًا أساسيًا فى لوحاته وتتنوع ما بين رموز مستقاة من الحياة المصرية الشعبية وأخرى مستمدة من الحضارة المصرية القديمة. 

يوضح يحيى: هذه هى لغتى التشكيلية، فى منتصف السبعينيات من القرن الماضى قال الشاعر أمل دنقل تعليقًا على معرضى «الذات والعولمة» إن لدىّ ثلاث أدوات فى لغتى التشكيلية هى الفن الإسلامى والفن الشعبى والفن الفرعونى. 

فى اللوحات الملونة يميل يحيى إلى الألوان الدافئة التى تعبر عن دفء العوالم التى يعبر عنها وإن كان ينتقد بعض سماتها السلبية بتعبيريته الساخرة، ولكنه يشير أيضًا إلى أن ثمة تغييرًا يمكن القبض عليها فى اللوحات بالأبيض والأسود، فاللوحات الأولى كانت الدرجات اللونية أكثر هدوءًا لكنها مع تطور الخبرة والتجربة صارت أكثر وضوحًا وحدة. 

المرأة والرجل

يهتم يحيى فى عدد من اللوحات بالعلاقة بين الرجل والمرأة، غير أن المرأة تبدو متضخمة تحتل الحيز الأكبر من اللوحة مقابل ضآلة الرجل ووجوده المهمش بشكل يُبرز سلطوية المرأة وضعف الرجل، وهو ما يعتبره يحيى تعبيرًا عن حقيقة مكانة المرأة بالمناطق الشعبية والساحلية، ويبين ذلك بقوله: المرأة هى المتحكمة وهى المحركة خاصة فى المناطق الشعبية التى أرصدها، وفى السواحل نجد أيضًا أن الرجل يعمل بمهنة الصيد والمرأة تقوم بكل شئون الحياة فى غيابه وتدير التجارة ومختلف الأمور