رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى الكورة مافيش كبير

أجمل ما فى الكورة إنها بتدور.. ولا تستقر.. ملهاش كبير ولا عليها سلطان.. صحيح بيحكمها قانون زى أى حاجة فـ حياتنا.. لكنه قانون مرن.. حر.. ومش متوقع.. وما حدث فى كوت ديفوار خلال الأسبوع الماضى فقط كفيل بأن يمنح الجميع فرصة جديدة للحياة.. للأحلام. 

حزنت مثل كل المصريين لخروج فريقنا من الأدوار الأولى.. الكأس فى حد ذاتها لم تكن الهدف الوحيد للمصريين من البطولة.. الفوز لم يكن الغاية الوحيدة أيضًا.. لكن الاستمرار فى النجاح كان هو الحلم.. إحنا بنحب نكون ناجحين وكبار وده مش عيب.. لكن خيبة أملنا.. كانت فى شعورنا بأننا نستحق أفضل مما نحن فيه. 

خروج الخمسة الكبار.. تونس وغانا والجزائر والسنغال والمغرب.. والأخير رابع العالم بحاله.. ربما يكون مريحًا للبعض.. ربما يجد من يريدون شماعة يركنون عليها بعض الفشل بعض الفرصة لراحة من غضب الجماهير.. لكن الحقيقة التى يجب ألا تغادرنا هى أننا لم نكن فى حال طيب يؤهلنا لما هو أفضل.. لدينا اسم وتاريخ ولاعبون مهرة.. وجمهور عاشق.. بس كل ده مش كفاية أو بالأحرى لم يعد كفاية.. الكبير لم يعد كبيرًا فى هذا العالم باسمه الكبير فقط.. ولو كان الأمر كذلك ما انتصرت الإمبراطوريات القديمة ليس فى كرة القدم فقط.. لا شىء يبقى على حاله دون عمل مستمر وتطوير مستمر ويقظة مستمرة.. العيون يجب أن تبقى مفتوحة عن آخرها.. لا مجال للأنتخة فى هذه اللعبة.. لا وقت للنوم فى هذا العالم.. هى لعبة نعم لكنها مثل الدنيا تعطى لمن يحبها أكثر ويخلص من أجلها أكثر.. هل هذا فقط ما نجنيه من هذه البطولة العجيبة؟ 

يسخر المصريون الذين أشاهدهم فى عز البرد يلتحفون بأنفاس الشيشة وهم يتابعون بشغف كل ثانية تمر فى المباراة.. من أن فريقًا مجهولًا اسمه الرأس الأخضر.. جاء من بلد عدد سكانه لا يزيد على عدد سكان شبرا.. يحصد المراكز الأولى ويتخطانا ويتخطى فرقًا راسخة ويمضى فى طريقه لما هو أبعد.. فيقول أحدنا وهو بالعدد يعنى.. صحيح مش بالعدد.. الصين لم تقدم فريقًا كبيرًا يلعب فى كأس العالم.. البرازيل أقل منها عددًا لكنها كانت وستظل معشوقة جماهير المستديرة فى العالم كله.. البرازيل نفسها لم يشفع لها كل هذا الحب لتحصد الألقاب بشكل مستمر.. لكن الجميع من لا يعرف أين تقع جزر القمر ومن يعرف ويحكى عنها بشغف وعن شعبها المكافح المتطلع لحياة جديدة مختلفة- يتفقون على أن فريقها يستحق لأنه بيلعب كورة حلوة والعيال بتاكل النجيلة.. سمعت أحدهم يقول وماله لما ياخدوا بطولة خلى الكبار يتلموا ويتعلموا يعنى هما هيفضلوا مكوشين على كل حاجة طول العمر.. من حق الصغير يكبر.. ويدلع برضه. 

جميل هذا العالم.. عالم كرة القدم.. لكنه لم يعد مجرد لعبة.. ولم يعد مجرد بزنس للهواة.. وهذا ما كشفته البطولة الأخيرة.. كل هؤلاء الكبار الذين خرجوا من البطولة تطالهم ألسنة جماهيرهم بكثير من اللعنات ليس من قبيل الغضب فقط.. الأخطاء واردة نعم.. لكن تصحيحها ضرورة واجبة وعاجلة.. السيستم الذى يدير أمر هذه الصناعة به خلل واضح.. أطفالنا يعرفون ذلك جيدًا.. ويحزنون لأن كل شىء ليس فى موضعه السليم.. اللطيف فى الأمر.. أننا دومًا فى كرة القدم.. ولأن بطولاتها دوارة.. وكل سنة أو اتنين أو تلاتة بطولة جديدة.. دومًا هناك فرصة للتعلم من الأخطاء.. دومًا هناك فرصة أخرى للتصحيح والبداية من جديد.. وهذا فى حد ذاته مكسب كبير لهذه الساحرة صانعة النجوم والأحلام. 

كانت هذه البطولة التى لم تنتهِ بعد سببًا للكشف عن خلل نفسى غريب فى علاقتنا بنجمنا العالمى محمد صلاح.. الكثيرون يغيرون من نجاحاته ووجدوا فى إخفاقه فرصة للتنفيس عن أمراضهم.. البعض ممن لا تعنيهم الكرة فى شىء وجدها فرصة أيضًا للنفخ فى النار والمساهمة فى تكسير عظام الفتى الذهبى.. ربما لأنه لم يكن يومًا بوقًا لأحد.. ربما لأنه ليس ابن تيار بعينه.. ربما لأنه اجتهد بطريقة غير معتادة.. ربما لأنه مش ابن الأهلى والزمالك وليس له واسطة فى محبتنا.. لا أعرف بشكل محدد سرًا محددًا فيما جرى.. لكنه كاشف.. نحن مرضى بشكل كبير فى محبتنا أحيانًا. 

صلاح لم يكن وحده.. حازم إمام أيضًا يلاقى الآن هجومًا ضاريًا ربما يكون بعض أسبابه معقولة ومنطقية لكنه ليس هجومًا لله.. النوايا ليست كلها خالصة.. فى الأمر بعض شطط وبعض مرض أيضًا.. فى الوقت نفسه كشفت البطولة عن فرح حقيقى للعاديين أمثالنا بحالة وألق وتألق مصطفى محمد وإمام عاشور.. والأخير قد يذهب بعيدًا فى عالم الاحتراف بعد أيام قليلة.. هذه فرصة طيبة لإمام ولنا للكشف عن نجم مصرى جديد فى ملاعب العالم الكبرى. 

ظنى أننا لم نخسر كثيرًا.. لم ننجح ونحقق البطولة التى نريدها.. وهذا حلم مشروع.. لكننا كسبنا فرصة لنقول لأنفسنا.. نعم نحن نحب هذه البلاد كثيرًا.. نعم نحن نريدها الأفضل.. نحن نحب أن نغنى لها ولنجومها ولياليها وأبطالها.. لكل ما فيها.. وهى بالقطع تستحق.