رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دولة 30 يونيو.. وإشراقات العلم

"إن العلم هوالحياة بأسمى معانيها، والشمس التي تشرق دومًا ومن كل الجهات، أما الجهل فهو ظلام الحياة الدامس، والفكر المنغلق الذي يرفض التطور والتقدم، وهو عدو الحياة ولعنتها الكبيرة، فالجهل لا يكون في شيءٍ إلا شانه، أما العلم فلا يكون في شيءٍ إلا زانه، وشتان ما بين العلم والجهل، أحدهما يدٌ تبني، والأخرى تهدم، فالعلم يبني الأمم والعقول والدول، أما الجهل فإنه يهدم كل جميل، بل إنه ينسف جميع أسس الحياة الجميلة لتصبح غارقةً في التخلف".
هي شمس المعرفة وهي ضياء الوعي العلمي الذي وجه الاهتمام بإثراء وتفعيل نشره عبر خطاباته منذ اليوم الأول لتوليه مقاليد الحكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، ولعل الفقرة السابقة والتي جاءت ضمن خطابه في سبتمبر 2014، ما يؤكد أهمية الأخذ بأسباب العلم ونشر المعارف، وعليه، كان الذهاب لتشكيل مجلس استشاري للعلماء تابع لرئاسة الجمهورية ضم نخبة متميزة من علماء مصر في الداخل والخارج وبتنويعة عظيمة في التخصصات الأهم لتلبية الاحتياجات العلمية الملحة في تلك المرحلة التي ننشد فيها تجاوز كل أسباب التراجع العلمي والمعرفي.
وقد أكد الرئيس أهمية الدور الفاعل الذي يضطلع به المجلس, وكذلك المهمة القومية التي يؤديها أعضاؤه من أجل طرح الأفكار والتوصيات لحل المشكلات التي تواجه مصر في العديد من المجالات الصناعية والتعليمية والطبية وغيرها، ومن ثم اطلاع رئيس الجمهورية علي أحدث ما وصلت إليه العلوم الحديثة علي مستوي العالم في مجالات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي وبحث إمكانية الاستفادة منها علي مستوي مؤسسات الدولة.
ولا شك أن الثقافة العلمية باتت تمثل إضافة لفكر وسلوك المواطن، والتي تشمل توفير كل سبل الاطلاع والتعرف على آليات تحقيق الطفرات العلمية ونتائج تفعيل نظريات العلوم الأساسية والإلمام بالتقنيات المرتبطة بحياة الفرد والمجتمع، والأهم ممارسة منهج التفكير العلمي في الحياة اليومية، ومجال كل ذلك هو الذهن والسلوك الحياتي واليومي.
وتمثل الثقافة العلمية دافعًا ومجددًا لآليات الأنشطة العلمية في كل المواقع ذات العلاقة والمستفيدة بأصحاب وأهل الثقافة العلمية.. وأرى أن دعم فكرة تشكيل الجمعيات العلمية في المدارس والجامعات والمجتمعات المحلية أمر مهم ويشكل ضرورة لتحقيق وتعميم فكرة الاهتمام بالفكر والبحث العلمي، بعد أن تابعنا في الفترة الأخيرة انصراف الطلاب عن الانتساب لأقسام العلوم والرياضة وتفضيل القسم الأدبي في المرحلة الثانوية.
ولا بد من إعادة التفكير في إشراف وزارة واحدة على نشاط كل الجمعيات، وحتى بعد أن تجاوزت أعدادها الـ50 ألف جمعية.. لماذا لا يكون الإشراف الفني المهني العلميــ على سبيل المثالـــ على الجمعيات العلمية والبحثية من قبل الجامعات الإقليمية أو المركز القومي للبحوث، ويظل الإشراف المادي والمحاسبي من قبل وزارة التضامن الاجتماعي قائمًا؟
لقد أكد العالم المصري الراحل الدكتور أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء للعام 1999 وعضو المجلس الاستشاري العلمي على أهمية خلق قاعدة علمية تستقطب الطاقات المحلية ورجال العلم والباحثين المنتشرين في كل أنحاء العالم ويكون هدفها بناء استراتيجية علمية على مستوى الوطن .
وقال الدكتور زويل إن هذه القاعدة العلمية بمؤسساتها يجب أن تعمل بعيدًا عن البيروقراطية، وأن يوفر للعاملين بها والدارسين في معاهدها الأجواء والمناخات الملائمة للبحث والإبداع، وأن هناك قناعة لدى الإدارة المصرية لأهمية ودور العلم والتكنولوجيا في بناء وتطوير المجتمع، وأشار إلى أنه قد حان الوقت، لأن يسهم المواطن من جديد في تقدم البشرية والإنسانية بعد أن أسهم علماء العرب من قبل في تقدم العالم ودرست نظرياتهم واكتشافاتهم في كل أنحاء الدنيا.. 
وهنا، نناشد الشركة العملاقة الناجحة "المتحدة للخدمات الإعلامية " وهي تحقق طفرات في سياق تنمية الوعي عبر تحفيز الأنشطة والبرامج الإعلامية بمنتجات وطنية في مختلف الأنشطة الإنسانية.. نحن في انتظار برامج وإعلانات ومواد مقروءة ومسموعة ومرئية ودراما تصوب الممارسات غير العلمية والتنويرية الداعمة لإعمال العقل ومناهضة الفكر الخرافي والمستثمر أصحابه لحالة أمية البعض منا ومحدودي الثقافة والمعارف..
لقد اختفت المتابعات الإعلامية لأخبار العلم والعلماء والاختراعات ومتابعات إنجازات المراكز البحثية والعلمية ونشر المقالات التي يحررها أهل العلم والبحث العلمي، وتم رفعها من صفحات الجرائد والمجلات الحكومية والخاصة، وإلغاء البرامج العلمية التي تحصن وتدعم الوعي العلمي.
من منا يمكن أن ينسى دور رائد الصحافة العلمية والبيئية "صلاح جلال" وعموده العلمي اليومي بجريدة الأهرام وعبر رئاسته لتحرير مجلة الشباب وعلوم المستقبل وكيف كانت متابعته لسباق الفضاء بين أمريكا والاتحاد السوفيتي‏‏ وتخصصه في الكتابة العلمية‏، والتفوق في تبسيط العلوم والمصطلحات العلمية للجماهير العريضة‏، ‏وكان الصحفي المصري - بل والعربي - الوحيد الذي تابع إطلاق سفينة الفضاء أبوللو إلى القمر حاملة نيل أرمسترونج وزميليه في يوليو ‏1969‏ ـ وكانت هذه التغطية الصحفية المتميزة لهذا الحدث الجلل تحتل صفحات الأهرام الرئيسية لأيام عديدة ـ وكان يؤمن بأن مصر يجب أن تدخل القرن الحادي والعشرين بالعلم والتكنولوجيا ـ وكان يدعو دائمًا إلى انتهاج الأسلوب العلمي في التفكير.‏
من منا يمكن أن ينسى برنامج "عالم البحار" ومقدمه العالم الرائع "حامد جوهر" وحلقاته الرائعة التي كانت تمثل إضافة معلوماتية وثقافية متجددة عن سكان البحار والثروات الرائعة التي يتناول أهميتها وكيفية التعامل معها.
من منا يمكن أن ينسى برنامج "تكنولوجيا" أو مقدمه الرائع دكتور مهندس يوسف مظهر، وكيل وزارة الصناعة والمخترع المهم والفنان والمصور الفوتوغرافي.. وفي فترة الثمانينيات كان "مظهر" واحدًا من فريق العمل بمشروع مصري أمريكي هدفه مراقبة الجودة وتطوير الصناعة والتكنولوجيا في مصر ومدير المشروع.
وعليه، أثق في إدارة جديدة للشركة المتحدة لمنظومات جديدة في مجال الإنتاج العلمي والإعلامي والتنسيق مع مؤسسات التنشئة والتعليم والصناعة والزراعة والتعليم العالي لنشر الفكر العلمي والنقدي والعصري والديمقراطي للولوج والعبور لجمهورية جديدة.