رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا نفرح بميلاد النجوم.. الدسوقى نموذجًا؟

على مدار أسبوعين تابعت لهفة كل من أعرفهم لمتابعة المسلسل الجديد.. «حالة خاصة».. ورحت أفتش مثلهم عن طريقة لمتابعة الحلقات التى تُذاع بشكل لم نتعود عليه.. حلقتان فقط كل أسبوع. 

أعجبنى أداء الشباب فى المسلسل أو بمعنى أدق فى الحلقات التى أُذيعت حتى الآن.. أعجبنى أداء معظم عناصر العمل من أول مهاب طارق، الذى كتب مشاهد قصيرة سريعة سلسة لا تسمح بالتقاط الأنفاس.. أعجبنى ذكاء المخرج فى اختيار موسيقى هانى شنودة واستلهام فرقة المصريين التى لم تكن واردة فى ذهن أجيال حديدة لم تألف موسيقاها القادمة من ثمانينيات القرن الماضى.. أعجبتنى فكرة المسلسل التى تدخل إلى عالم غريب عنا وإن كنا نعيشه.. عالم الأبناء الذين يعيشون فى عوالم خاصة ويعانون من التوحد.. فكرة ذكية ومباغتة، حتى وإن كان بها ثمة اقتراب من معالجة درامية لمسلسل أجنبى.. فقد أصبحت فى «حالة خاصة».. حالة مصرية خاصة. 

كسر نجوم المسلسل كل القواعد المعتادة، فهذا مسلسل بسيط.. غير معقد.. لا يدعى معالجة أفكار كبيرة.. يعرض فى وقت ميت وغير معتاد بعيدًا عن الموسم الرمضانى.. هو أيضًا مجرد عشر حلقات.. وقبل ذلك كله بطله وجه جديد لم يسبق لنا معرفته.. واسمه طه الدسوقى. 

نجح المسلسل قبل أن تكتمل حلقاته.. قبل أن ينتهى عرضه فى عز اهتمام الجماهير بمباريات بطولة قارية كبيرة فى كرة القدم يشارك فيها المنتخب المصرى ومحمد صلاح.. وما أدراك بصلاح.. وبالمنتخب عند عموم المصريين.. فهل يحدث كل ذلك لمجرد أن صناع العمل أجادوا أدوارهم فقط؟

أعتقد أن فرحة شباب مصر وعواجيزها على السواء باكتشاف استمرار قدرة هذا البلد على الإبداع.. على التجلى.. على الحبل والولادة سبب جديد لهذه الهوجة من الفرح.. المصريون يفرحون ويلتفون حول المسلسل، لأنهم اكتشفوا أنهم قادرون على الولادة.. على الاستمرار. 

مصر ولّادة.. دى مش مجرد كلمتين فى الهوا.. حالة طه الدسوقى، الشاب الذى لا أعرفه ولا أعرف رحلته واحتفاء المصريين به فى هذه اللحظة بالذات، دليل حى على أننا نقدر.. على أننا نملك دون غيرنا مصانع للإبداع لا تتوقف. 

حالة طه الدسوقى يوجد مثلها عشرات، هذا أمر أكيد.. وفى كل المجالات.. ربما لم يجد الآخرون فرصتهم بعد لكنهم موجودون.. فقط لم يأت الوقت بعد.. ولا يزال المناخ رغم كل الظروف المحيطة وتأثيرها المباشر حتى على مزاج الفرجة مناسبًا للفرز.. وتقديم الجديد فى هذه الصناعة التى يحاول آخرون فى محيطنا امتلاكها وطردنا من سوقها.. لكنهم لا يدركون أن أهم عناصر الصناعة ماركة مسجلة للمصريبن. 

رسالة طه الدسوقى التى ربما تكون قد أنارت لنا شارعًا معتمًا لا نقترب منه ربما تكون قد جعلتنا نحب هؤلاء المختلفين عنا ونراهم ونحس مشاعرهم التى لم نلتفت لها من قبل.. عالم التوحد بكل ما فيه مش مادة للفرجة.. لكنه طريق ربما نكون قد قطعنا فيه بعض الخطوات بتشريعات لم تكن موجودة من قبل.. لكنه يحتاج إلى تدخل مختلف من قطاعات أوسع.. فالتوحد لم يكن فى يوم من الأيام مرضًا قدريًا.. وهؤلاء الذين يعيشون بيننا لهم حقوق علينا، أعتقد أنه آن الأوان ليحصلوا عليها. 

أحد القريبين منى يعيش فى الخليج يعمل هناك منذ سنوات.. وتعيش أسرته فى قريتى فى سوهاج.. لديه طفل يعانى من التوحد.. تتردد والدته على الأطباء.. ويتعاملون مع الأمر بطيب خاطر.. لكنهم لا يعرفون كيف سيتمكنون من منح هذا الطفل فرصة تعليم مناسبة ليصبح هذا الطفل مثل نديم أحمد أبوسريع محاميًا ناجحًا؟ 

لم يخطر الأمر على بالى من قبل.. ولا أعرف إن كانت هناك مدارس خاصة لمثل هذه الحالات أم لا، لكن على الأقل نحن نحتاج إلى معلمين لديهم مؤهلات خاصة للتعامل مع أطفال التوحد. 

لقد كان طه الدسوقى سببًا فى أن تبحث هذه الأسرة عن مستقبل لطفلها.. دفعهم إلى التفكير بشكل مختلف.. ونجاح طه الدسوقى كنموذج يعطى الأمل للموهوبين فى كل مجال.. يمنحهم البشارة والطاقة للاستمرار.. لهذا نفرح.. الحكاية ليست ميلاد ممثل جديد موهوب.. الحكاية أكبر من كده.