رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحكمدار.. سر عبدالباسط حمودة

عبدالباسط حمودة
عبدالباسط حمودة

يُقال عنه حكمدار الأغنية الشعبية، ويسمّى نفسه «وحش الأغنية» على طريقة فريد شوقى «وحش الشاشة»، يعتز بنفسه وصوته، وفى لقاءاته وجلساته حين يتحدث عن الأصوات وباقى المطربين أيًا كانوا، تشعر وكأنه لا يرى إلا نفسه، هو نفسه لا يعترف أن هناك مطربًا جاء على وجه الأرض ينافسه فى مساحات صوته، لم يقر ولو لحظة بعكس ذلك. سأله مرة أحد المحاورين: هل أنت مغرور؟.. فأجاب ببساطة: «الغرور هو الهبوط.. لكن قل لى أنت: مين يقدر علىّ؟»، ثم غنّى واحدة من أجمل أغانيه: «اللى يزعل يزعل.. أنا مش مسئول عن حد». 

باختصار، هذا هو عبدالباسط حمودة، واحد من نجوم الأغنية الشعبية فى مصر، فإذا أردنا أن نعدّد نجومها ونقول: محمد عبدالمطلب، ومحمود شكوكو وعبدالعزيز محمود ومحمد طه وشفيق جلال والريس متقال ومحمد رشدى وشريفة فاضل وغيرهم، سيكون عبدالباسط أول اسم يتبادر إلى ذهنك ضمن قائمة طويلة جاءت بعد هذه الأسماء الكبيرة، لترث عرش الأغنية الشعبية، مع أحمد عدوية وحسن الأسمر وكتكوت الأمير وشعبان عبدالرحيم، وعبدالباسط بالفعل ينتمى إلى هؤلاء، فهم نفس جيله ونفس همومه ونفس طريقته ولونه وأدائه، وكان منافسهم الأول فى الفنادق والكازينوهات فى فترة الثمانينيات والتسعينيات، وإن كان عدوية يسبق هذا الجيل فى الانتشار والنجاح الإعلامى بسنوات ضوئية، لكن خرج عدوية وزملاؤه من الساحة، وظل عبدالباسط حمودة متربعًا على عرش الأغنية الشعبية حتى الآن رغم صعود أجيال جديدة بأفكار جريئة ومختلفة على مستوى الكلمة واللحن وحتى الأدوات الموسيقية، وأحدثت نقلة حقيقية فى إيقاع الأغنية الشعبية، لكن تهاوت جميعًا واختفت فجأة كما ظهرت، وبقى عبدالباسط كما هو من فترة لأخرى، يعود إلى المشهد كمعلم كبير، ليعطى درسًا ويذكّر هؤلاء بأن «الأغنية الشعبية لها أصول» كما يقول، وأنها لن تتراجع أمام هذه الظواهر الغنائية و«الـتنطيط والتخبيط»، على حد تعبيره، فهو يعرّف الأغنية الشعبية تعريفًا بسيطًا بالغ الدلالة.. وهى أنها: «كلام ولاد البلد اللى يسلْطن».

فمن هو عبدالباسط حمودة.. وكيف نشأ؟ ومن الذى اكتشفه؟ وكيف يختار كلمات أغانيه وهو لا يقرأ ولا يكتب؟ وكيف جرؤ على تعديل لحن أهداه بليغ حمدى له؟.. ولماذا يعتبر نفسه أنجح مطرب شعبى فى تاريخ مصر؟.. ولماذا قال: السمّيعة خلاص ماتوا؟!.

أصوله تعود إلى قرية هورين بمركز بركة السبع بالمنوفية، لكنه عاش وتربى فى منطقة الدرب الأحمر بالقاهرة، هذه المنطقة التاريخية العريقة التى شهدت نشأة أعلام الفن المصرى مثل بديع خيرى ومحمود المليجى ومحمود شكوكو وشفيق جلال، ونوابغ تلاوة القرآن كالشيخ محمد رفعت والشيخ عبدالفتاح الشعشاعى، وكان لمنطقة الدرب الأحمر الفضل الأول على الطفل عبدالباسط حمودة الذى عاش بين سلاطين الغناء والتلاوة والإنشاد، فكان والده مدّاحًا فى منطقة الحُسين، ورث عنه الموهبة وأصول الشغلانة، وعمل لفترة طويلة مع والده وأعمامه كمدّاح للنبى منذ الطفولة، حتى صادف المطرب الشعبى شفيق جلال، الذى أخذه من يده إلى شارع محمد على ليتعرف هناك على أسطوات الغناء الشعبى مثل أنور العسكرى الذى يعتبره عبدالباسط حمودة أستاذه الأول. 

قال «حمودة»: «كنت قاعد بغنى وأنا عيل عندى ١٢ سنة كده فى شارعنا، فشافنى شفيق جلال، وعم شفيق ابن حتتنا من بيت العزاوى فى الدرب الأحمر، فقاللى خد ياض تعالى إنت صوتك حلو، وودانى بقى شارع محمد على وشفت هناك عبدالمطلب وأنور العسكرى وعايدة الشاعر وليلى نظمى وكل النجوم اللى القلب يحبهم، هما دول اللى اكتشفونى وخلونى أتجه بقى للغناء وآخد السكة دى واتعلمت منهم أصول الغناء».

ظل عبدالباسط لسنوات يغنى فى شارع محمد على، ثم بدأ مشواره فى عالم الأفراح والكازينوهات وأصبح أحد أعلامها مع عدوية وكتكوت الأمير وحسن الأسمر وأشرف المصرى ومحمود سعد وشعبان عبدالرحيم، وكان يغنى لكبار المطربين مثل شفيق جلال، وأنور العسكرى ومحمد عبدالمطلب ومحمد طه ومحمد قنديل وأغانى أم كلثوم، حتى جاءه الحاج عمر إبراهيم صاحب شركة صوت الطرب، وأنتج له أول ألبوم «بين القصرين»، والذى تعاون فيه مع عدد من الشعراء مثل سمير الطائر، وأمل الطائر، وملحنين كمهدى خميس وعبدالسلام حنفى، وأحدث الألبوم نقلة فى مشوار عبدالباسط حمودة، الذى تحول إلى نجم له اسمه فى عالم الطرب. 

كان اسم عبدالباسط معروفًا قبل هذا الألبوم، حيث شارك بالغناء فى فيلم «أرزاق يا دنيا» مع نور الشريف، وهو تأليف وحيد حامد وإخراج نادر جلال، واختاره نادر جلال ككومبارس يردد ككورال وراء سعيد صالح فى مشهد غناء بأحد الكباريهات، لكن أضاف له نور الشريف مشهدًا يظهر فيه خلال أحداث الفيلم وهو يسرق تسجيلًا من إحدى السيارات. 

تألق نجم عبدالباسط بعد هذا الألبوم، وكان على الجانب الآخر ينافسه شعبان عبدالرحيم بأغنية «كداب يا خيشة»، التى كانت بلغة اليوم «ترند» مصر، وكذلك حسن الأسمر بأغنيته «عليل أنا يا تمر حنة»، لكن واصل عبدالباسط نجاحه بأغانٍ رائجة كان يصدرها كل عام مثل «مولد يا دنيا» و«حقك عليا» و«آه من الزمان» و«قدرى».. واشتعلت المنافسة مع ظهور مطربين آخرين مع مرور الوقت، كمجدى طلعت صاحب أغنية «اللى عايزنى يجينى» ومجدى الشربينى وأشهر أغنياته «المسامح كريم» و«أهل الغرام» ورمضان البرنس، لكن اختفى الجميع، خصوصًا الأخير الذى توفى فجأة سنة ١٩٩٨ إثر حادث سيارة مع عائلته. 

وفى التسعينيات بدأت موجة جديدة من الغناء الشعبى تجمع بين مدرسة عدوية، ومدرسة حميد الشاعرى، وكان على حميدة هو المطرب الذى أطلق حميد الشاعرى من خلاله هذه الموجة الجديدة بأغنية «لولاكى» التى استعان فيها بالفلكلور البدوى، وانطلق بعدها عدد من المطربين الشعبيين الذين بزغ نجمهم فى هذه الفترة كحكيم، وظل عبدالباسط كما هو، واثقًا بنفسه، لا يهزه أحد، يعمل بدأب، يختار الكلمة واللحن بعناية تامة، فهو يعرف جمهوره، وجمهوره يعرفه وينتظره.

وعبر هذه الرحلة الطويلة من المنافسة، ومن ظهروا ومن اختفوا، قال عبدالباسط عن نفسه، إنه نموذج يُدرّس فى النجاح، فتعريف النجاح بالنسبة له هو «الاستمرار»، يقول: «النجاح هو الاستمرارية.. مش أعمل أغنية فى دقيقتين وتنجح وبعدين مظهرش تانى». 

 

 

 

كلمات مثل: «ياللى إنت معاك المال والأيام ضحكتلك.. والدنيا رضيت عليك والكترة إدتلك.. حاسب من الأيام الدنيا مش دايمة.. لو كانت دامت لغيرك مكانتش وصلتلك»، أو كلمات مثل «يا دنيا طفيتى شمعى.. يا ناس كترتوا دمعى.. والعمر راح هدر.. كتبت الآه بألمى.. كسرتوا سن قلمى.. وبرضو بأقول قدر»، هذه الكلمات وغيرها، لا تحتاج إلى شخص يقرأ ويكتب ليختارها، فعبدالباسط عندما سُئِل لماذا لم يتعلم القراءة والكتابة؟.. أجاب ببساطة: «مكانش عندى وقت.. ومحاولتش أتعلم لأنى بمِل بسرعة، وكمان مش محتاج أتعلم لأن الدنيا علمتنى اللى أحسن من القراية والكتابة»، وهنا يمكن أن نقول إن خبرة عبدالباسط فى الحياة جعلت منه فنانًا بارعًا، يعرف أى كلمة يمكن أن تصل للجمهور مباشرة، فعندما كان يلقى عليه أى شاعر كلمات أغنية جديدة، كان يقبلها فورًا إذا تفاعل معها، ويؤكد عبدالباسط ذلك فى أحد حواراته: «الشاعر أمل الطائر كلمته، قلتله يلا بينا يا أمل نروح نقعدلنا فى إسكندرية يومين، وإحنا قاعدين على البحر، قلتله ما تسمعنى كده حاجة عاوز أرجع للناس.. فسمعنى أغنية أنا مش عارفنى.. ففورًا بعتها للملحن ونفذناها.. لأنها طالما لمستنى واقتنعت بيها يبقى لازم الناس هتحبها لأنى واحد منهم وشبههم». 

ببساطة هذه فلسفة عبدالباسط حمودة فى اختيار الأغنية، فقد يغيب سنوات بدون جديد لأنه لم يجد الأغنية التى اقتنع بها، وهو ما يفسر قلة أعماله مع بداية الألفينيات، حتى عاد بقنبلة «أنا مش عارفنى»، التى استثمر نجاحها أحمد السبكى فى فيلم «الفرح» وأصبحت بمثابة نشيد وطنى فى كل مكان فى مصر عام ٢٠٠٩.

 

 

 

توارى اسم عبدالباسط حمودة فى مطلع الألفينيات مع ظهور موجة جديدة من الغناء الشعبى على يد صاحب أغنية «العنب» عماد بعرور، ثم محمود الحسينى وسعد الصغير وغيرهم، وبكل تأكيد أزاحته هذه الموجة قليلًا، لكن كما قلنا سابقًا إنه يعود كمعلم كبير بنفس أدائه وحضوره وكاريزمته الخاصة ليفرض نفسه على المشهد، وهو ما حدث مع أغنية «أنا مش عارفنى»، ثم ألبوم «سلفنى ضحكتك» فى ٢٠١٠، والذى حقق نجاحًا مدويًا بكل أغانيه. 

وربما هذه المراحل المتنوعة من مشوار عبدالباسط حمودة، وتغلبه على كل التغيرات التى طرأت على الموسيقى والمجتمع وذوق الجمهور نفسه، هى ما تجعله واثقًا بنفسه الآن، بل وتزيده هذه الحالة إصرارًا وإيمانًا على أن الأغنية الشعبية القديمة التى يؤمن بها، لا يمكن الاستغناء عنها، وهو يفسر بقاءه حتى الآن بقوله: «أنا زى الجبنة القديمة اللى زى المورتة دى.. كل ما بتقدم تحلو».

لكن فى نفس الوقت لم يتجمد الحكمدار عند اللون الشعبى لجيله، بل كان أكثر مرونة بعد ثورة يناير مع ظهور لون جديد من الغناء الشعبى وهو المهرجانات، فتفاعل معها، وقدم مجموعة من الدويتوهات مع أكثر من مغنى مهرجانات مثل المغنى «مسلم» و«عمر كمال» وكان دائم الظهور مع نجوم هذا اللون الغنائى الجديد.. كأب روحى لهم، فاستفاد منهم وأصبح ضمن دائرة الانتباه التى يستحوذ عليها هؤلاء المهرجاناتية من الجمهور، هذا بالإضافة إلى دويتوهات مع مطربين آخرين متنوعين بدأها بمشاركة فريق كايروكى فى أغنية «غريب فى بلاد غريبة» فى ٢٠١٤، ثم دويتو مع نيكول سابا وأحمد سعد، ودنيا سمير غانم، وانتهاءَ بدويتو مع كريم محمود عبدالعزيز، ومشاركته الأخيرة فى أغنية «سطلانة» مع محمود الليثى وحمدى باتشان التى حققت حتى كتابة هذه السطور أكثر من ١٢٠ مليون مشاهدة على يوتيوب.

 

 

 

المعلومات عمومًا عن عبدالباسط حمودة قليلة، وحتى فى كل حواراته التليفزيونية لا يمهله أى محاور ليتكلم عن نفسه، فإما يقاطعونه ليسألوه عن رأيه فى المهرجانات والمطربين الآخرين، أو يقولون له «يلّا سمعنا حاجة»، ومع ذلك فهو ولد فى ٢١ فبراير سنة ١٩٦٠، ولديه خمسة أبناء، هم: رامى وماجد وكريم وهدير وناريمان، وكريم ورامى وهدير يغنون، لكنه يرفض غناء هدير فى الأفراح والكازينوهات، يقول: «لا بنتى متغنيش فى الحاجات دى، أنا مخليها ماسكة شغلى على السوشيال ميديا وبتغنى على الضيق، ومبحبش إنها تخش وسط شغلانتنا وتشوف الحاجات الوحشة اللى أنا شفتها». 

وتزوج عبدالباسط من أم أبنائه منذ ٤٠ عامًا، وعاشت معه أيام الفقر، وكانا يتقاسمان لقمة العيش وكوب الماء وينامان معًا على حصيرة، ويتذكر حمودة هذه الأيام الصعبة: «أنا الست دى خيرها عليا، أنا وهى كنا بنسقّى العيش فى الميه ومش لاقيين ناكل، واستحملت معايا ووقفت جنبى علشان كده عمرى ما أزعلها»، لكنه اعترف بأنه تزوج عليها لمدة شهر بسبب غضبه منها، قائلًا: «كانت ساعات بتضايقنى ومبتسمعش كلامى، فقلت والله لأتجوز عليها وحصل.. بس ندمت لأنى عمرى ما هلاقى زيها».

ويسكن عبدالباسط حاليًا فى شقة بحدائق القبة، ولا يضع أمواله فى البنوك، فكل ما يملك داخل منزله، ومن هواياته شراء الذهب والفضيات. 

وحكى عبدالباسط عن علاقته بوالده قائلًا: «أبويا كان مداح وورثت منه حب المدح والمواويل.. بس كان قاسى، مرة ضرب واحد بالشومة على راسه، فرُحنا القسم وبعدها المحكمة، فالقاضى سألنى، فشهدت عليه، وقلت آه أبويا اللى ضربه، وساعتها القاضى طلع أبويا براءة وخلاه يتصالح مع الراجل عشان خاطرى وقاله: هطلعك براءة عشان خاطر ابنك الغلبان اللى شهد بالحق ده، وساعتها أبويا طردنى من البيت يومها عشان شهدت عليه».

وعلاقة عبدالباسط بأشقائه غير طيبة، يعتبرهم حاقدين عليه، وله شقيقة لم يتكلم معها منذ أكتر من ٣٨ عامًا، وعندما سُئل عن السبب قال: «بتخلى عيالها يشتمونى وطمعانين فيا.. والبيوت أسرار مش هقول أكتر من كده».

وما لا يعرفه كثيرون عن عبدالباسط أنه عصبى، لدرجة وصلت أنه ضرب أحد المطربين فى أحد الأفراح لأنه غنى أغنية له بطريقة لم تعجبه.

 

 

 

قيّم عبدالباسط حمودة نجوم الغناء فى مصر، فهو كما يراهم جميًعا فى منطقة أدنى منه، بداية من عمرو دياب وحتى حمو بيكا، فقد أعطى الأخير درجة صفر من عشرة كمطرب، وقال عن عمرو دياب: «ده أنا أبوه.. مكنش يشوفنى إلا ويجرى عليا ويقولى غير يا بابا.. لأن اسمه الحقيقى عمرو عبدالباسط»، كما أعطى محمود الليثى ٧ درجات من عشرة، وسمسم شهاب خمس درجات، وعمر كمال ٥ درجات، ويرى أن أحمد عدوية وشيبة لم يصلا لحجم موهبته وقوة صوته، ويعتبر أن حكيم هو المطرب الوحيد الذى يسلطنه حاليًا، قائلًا: «يا أبوى على أبو محمد، أبو محمد ده فى حتة تانية، لما أحب أتسلطن أسمعه.. ده فوق التقييم». 

كما قيّم عبدالباسط بليغ حمدى وقال إنه موسيقار عبقرى لحن له أغنيتين هما: «يا عينى على رقتك» و«ياللى ماشى بتتمخطر»، لكن قام بالتعديل على اللحنين لأن بعض الوقفات لم تعجبه.

أما عن رأيه فى المهرجانات فهو يقول إنها مجرد «تقليعة» وستنتهى، وستبقى الأغنية الشعبية، قائلًا: «الحاجات اللى زى المهرجانات دى بتنجح كده لأن السمّيعة خلاص ماتوا، بس الأغنية بتاعتنا، والكلمة بتاعت ولاد البلد هتفضل عايشة وليها مكانها، لأن هو ده تراثنا».