رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر والعالم 2024


عادة ما يخيب ظن البشر فى الأعوام الجديدة.. يتمنونها سعيدة طبعًا، وإذا هى، بأيديهم، ليست كذلك بالمرة، ومن عجيب أنهم يشكون ويبكون طويلًا فى نهاية الأمر.
كان العام 2023 بائسًا للغاية.. شهد حربًا ضروسًا فى فلسطين، ما زالت رحاها دائرة، وشهد تطاحنًا أهليًا فى السودان، لا يعلم إلا الله كيف بدأ ومتى ينتهى، وشهد انهيارات اقتصادية بطول العالم وعرضه، وكثيرًا من الأحداث الإقليمية والدولية المؤسفة.
الإنسان العاقل، ويبدو أنه صار عملة نادرة فى الواقع المعقد الحالى، لا يتوقف عند التمنيات الطيبة لنفسه ومحيطه الأقرب وبلده الذى ينتمى إليه، بل الواجب أن يحول هذه الأمنيات إلى أعمال تحقق الخير فعليًا، ويوسعها فتشمل الدنيا بأسرها، على قدر طاقته وفوق الطاقة، قد يواجه فى الطريق عقبات شتى، غير أنه يجب أن يبقى متفائلًا، ويخوض طريقه إلى آخره.
الأنانية قاتلة؛ والمعنى أن الأكثرية تحلم أحلامًا شخصية وحسب، لا يبالون بالمجتمع ولا الأوطان، ولا العوالم البعيدة بالتأكيد، حلمهم تحت أقدامهم، ويخدعون أنفسهم برؤيته عموميًا، ينسون أنهم جزء صغير فى المجتمع، ولو فسد لفسدت الأحلام، وأنهم أبناء وطن يحتاج منهم إلى كل رعاية وحماية، ولو اضطرب لاضطربت الأحوال جميعًا، وأنهم فى أحضان كرة أرضية وليسوا بمعزل عن مجرياتها، ولو اختل الميزان لاختلت الأوضاع، ووجدوا أنفسهم فى عراء شاسع مخيف.
نحن من نصنع الأعوام، ولكننا منذ الأزل ننتظر جديدها كأنه هو من يصنعنا، لا نقدم إلى الجديد القادم ثمنًا من جهد جميل مخلص يؤكد إشراقه واختلافه عما فات، والكارثة الأكبر أننا نمهد غالبًا لجديد كالقديم وأكثر سوءًا إذ نستقبله بالخصومة لا الصلح والفساد لا الصلاح، وليس فى نوايانا أن نتغير، كأننا نريده هو أن يغيرنا بحضوره، والصحيح أن نساعده، وأن نسعده بنا كما نسعد به.
لقد عولنا على أعوام كثيرة مضت، وكان التعويل ليس فى محله، كنا سيئين فكانت الأعوام سيئة، ومن تكرار الخطأ أن نظل هكذا، من غير أن نسهم فى اختراع أعوام تعزز الحياة وتنعش الوجود.
كلما سألت شخصًا أعرفه: ما توقعاتك للعام الجديد؟ قال: ربما ترقية فى وظيفة أو فوز فى مسابقة، وربما كان عامًا بخيلًا كالعام الغابر.. قلت: لعله كريم، لكن عدت أسأل من جديد: ماذا تتوقع لبلدك وللعالم؟ فاندهش من السؤال، وفى اندهاشه مشكلة حقيقية، وقال سريعًا: أنا لست مسئولًا عن البلد والعالم.. مسئوليتى نفسى، وللبلد والعالم مسئولون عنهما.
المشكلة طبعًا أن توقعاته محدودة بكيانه، وأن نبرة اليأس لا تفارقه أيضًا، أما أنا، وأمثالى من الأوفياء ومن المتفائلين، وليتنا كما أصف فعلًا، على الرغم من قسوة ظروفنا، فإننا نربط أنفسنا برباط وثيق مع بلادنا والعالم؛ فنثبت أقدامنا تثبيتا فى المسار الآمن القويم.