رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عندما دُفعت جماعة الشر دفعًا

في عصور الأزمات والمشاكل، يعود الناس إلى ما تفضل به حكماء وخبراء ورموز ونخبة القوم من آراء وحكم ومعالجات فكرية.. يتذكرون مناسبات إطلاقها وقد يقررون صلاحيتها للتطبيق في الزمن الحالي، ولعل من نعم زمانهم وجود وسائط رائعة إلكترونية وفيلمية تحفظ وتوثق بالصوت والصورة المواقف السياسية أولًا بأول، ومن اليسير إعادة بثها بالشكل المناسب، وعليه كان التوثيق على درجة عالية من الصدق.

ويتلاحظ في الفترة الأخيرة انتشار عرض عدد كبير من مقاطع الفيديو لمقابلات تليفزيونية للكاتب الصحفي الكبير "الأستاذ" محمد حسنين هيكل تم إجراؤها في مناسبات مختلفة وعقب أزمات مشابهة.. يتم بث تلك المقاطع بإلحاح على بعض الفضائيات ومواقع الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي؛ للتأكيد من وجهة نظر من يبثونها على صواب رؤيتهم السياسية أو الاقتصادية؛ بدليل توافقها مع رأي "الأستاذ" فيكون الاستشهاد بفحوى التصريحات "الأستاذية"، وأحيانًا التناول بشكل نقدي، وأرى أن مناسبة الاحتفال بمئوية ميلاد "الأستاذ" قد استدعت تدعيم فكرة إعادة بث مقاطع من تلك الشهادات الموثقة على زمن وأحداث وقائع بعينها استحقت اهتمام الرأي العام والنخبة والخبراء والتوقف عند شهاداتهم ورؤاهم المستقبلية.

يذكر على سبيل المثال طرح الأستاذ حسنين هيكل في زمن حكم الإخوان واحدة من مبادراته في حواره مع الإعلامية لميس الحديدي، وهو يُبدي أسفه وحزنه الشديد لبلوغ الأوضاع في مصر حدًا محرجًا؛ لدرجة قيام ممثل كندا في الأمم المتحدة بطلب التدخل في حل الأزمات بين مؤسسة الرئاسة الإخوانية والمعارضة المصرية كوسيط دولي.. وعليه تقترح مبادرة هيكل للتوافق مع الرئاسة تشكيل مكتب اتصال للقيام بدور حركة الوصل بين النظام والمعارضة، وأن يتولى عضويته شخصيات سياسية مثل الدكتور سليم العوا ودكتور عمرو الشوبكي ومجموعة من الشباب الواعي، في الوقت الذي أكد فيه أن جماعة الإخوان غير عازمة على ترك السلطة مهما حدث.." في تصريح محبط للأسف!!

ولعل أمر الغرابة في طرح "الأستاذ"، أن الشباب الثائر على الأرض كان لا يتم تحريكه عبر معارضة منظمة متواصلة معهم ميدانيًا، وعليه فالمعارضة الافتراضية التي تمثلها جبهة الإنقاذ وغيرها من أحزاب المعارضة الهشة لا يجدي التفاوض معها للتوصل لحلول، بل إنه لو تمت موافقة تلك المعارضة على أمور تجاوزها من يثورون بالفعل على الأرض ستفقد تلك المعارضة القدر الضئيل الباقي من الثقة الممنوحة منهم لتلك الجبهة، وتكون المحصلة ثورة الشباب على دولة العواجيز وحكماء زمن الرتابة، لأن حصاد تطبيق بشاعات دولة "البقالة" عبر شهور تسعة مضت في ظل حكم الإخوان وما خلفته تلك البشاعات من حالة احتقان وتقسيمات طبقية ومذهبية وطائفية لا يمكن معها قبول فكرة مكتب اتصال في توفيق راسين فى الحلال!!

لقد ذكرني مكتب الاتصال المقترح آنئذ بشعار رفعه بعض أصحاب الفكر التوفيقي للتماهي والتوافق للرضا بكراسي السلطة في تلك الفترة، وهو شعار "الإصلاح من الداخل" الذي أطلقه نخبوي متماهي في زمن الحزب الوطني المباركي، ولاقى الشعار وغيره من الشعارات المماثلة كمبررات تأييد البعض من المحسوبين على عضوية النخبة المزعومة في الزمن الإخواني، وكأنه كتب على شعبنا العيش في أزمنة التوهان الفكري!! 

في هذا السياق قد يكون من المناسب التذكير بما كان يحدث في الزمن الإخواني، ومن ثم تتبين لنا مدى صلاحية أطروحات "هيكل" من عدمها للتطبيق في زمن الإخوان أو حتى في زماننا الحالي.

لعلنا نتذكر ما قاله محامى جماعة "الإخوان المسلمين" حول توفيق أوضاع الجماعة لمرحلة انتقالية أن الأمر لن يستغرق أسبوعين أو أكثر، والقانون الجديد المنظم لذلك تتم مناقشته أمام مجلس الشورى، وعندما يتم إصدار القانون الجديد سيستوعب كل هذه الكيانات، ويواصل المحامي "نحن نتحدث عن أيام ومرحلة انتقالية دُفعنا إليها دفعًا، ولا يُعقل بعد ثورة 25 يناير أن تعمل مصر بقانون شَرّعه وسَنّه أمن الدولة السابق". 

وأضاف المحامي "أن طلب الإشهار الخاص بالجماعة تم تقديمه من مايو 2012، ثم بعد أخذ ورد تم الاستقرار أخيرًا على توفيق الأوضاع حتى تشريع القانون الجديد"، وأبدى تحفظه على تقرير هيئة مفوضي الدولة بالمحكمة الإدارية العليا، التي أصدرت تقريرًا أوصت فيه المحكمة بإصدار حكم نهائي بأن جماعة الإخوان المسلمين ليس لها وجود قانوني، لأن الجماعة لم يكن لها كيان قانوني منذ التأسيس. 

ويبدو أن عبارة "دُفعنا إليه دفعًا" كان تعبيرا متكررا من جانب رجال بيت الإرشاد، ويتصادف وجودها في أدبيات الإخوان وتصريحاتهم للميديا بشكل عام عندما يودون التراجع عن قرار ويبحثون عن سبب لتبرير التراجع، ولعلنا نتذكر ما كان قد جاء على لسان خيرت الشاطر، نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين..  لقد قطعنا على أنفسنا ألا نترشح للرئاسة ولكن هناك من دفعنا دفعًا لهذا الطريق وهو المجلس العسكري الذي أغلق في وجهنا كل الأبواب، عندما طالبنا بتأجيل حصول الحكومة الحالية على قرض من صندوق النقد الدولي إلى ما بعد 30 يونيو أو تشكيل حكومة وفاق وطني، ولم يوافق المجلس العسكري وعندما قمنا بتجهيز 100 مشروع عن طريق حزب الحرية والعدالة كل مشروع بمليار دولار وهذه المشروعات صناعية وزراعية وتعدينية، تم رفض هذه المشروعات، فوجدنا أن الناس في حاجة إلى سلطة تنفيذية تحمي مؤسسات التشريع، ولم يكن تقدمنا للرئاسة بسبب ترشح اللواء عمر سليمان، ولكن كان السبب الرئيسي فيه هو إبعادنا عن السلطة التنفيذية".

وأضاف الشاطر "إن ميزة مرشحنا أن خلفه جماعة ونعمل كفريق واحد مع الحزب"، وشدد على أن الشعب يريد رئيسا لا يعيش في قصور يأتيه الطعام من باريس، وأحمد الله الذي عافاني من الترشح للرئاسة، وخروجي من هذا السباق لا يمثل لي أي شيء لأنني فرد من حزب وجماعة نسعى لبناء نهضة مصر على المرجعية الإسلامية، وهذا المشروع سيتم طرحه أمام الجميع خلال الشهور القادمة حتى يدلي كل متخصص أو صاحب فكر بدلوه فيه...".

وقد اختفت بعد ذلك عبارة "دُفعنا إليها دفعًا" حتى عندما أعلنوا أنه لا وجود لمشروع للنهضة، ولا عن تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي طالبوا بها في زمن الجنزوري ولم تتشكل، ولا عن الجمعية التأسيسية التي وعد الرئيس الإخواني في اجتماع "خيبة الأمل" في "فيرمونت" بين الرئيس والقوى الوطنية بتعديل تشكيلها، ولا تغيير أو تعديل مواد دستور الإذعان المختلف عليها، ولا عن مآسي الاتحادية والمقطم ومحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي، وصولًا لحوار الأصابع بين الرئيس والشعب حول مؤامرات لا يفصح عنها.. يا خسارة، حتى "دُفعنا إليها دفعًا" لم يعد لها وجود، فمع استمرار العِشرة بين النظام الجديد والناس بات لرموز النظام أنه لا لزوم لتقديم تبريرات للأفعال المعلوم بيقين رفضها مسبقًا من جانب المعارضة، بعد إعلان الرئيس عن الجلد السميك لرموز النظام حيث لا إحساس بالألم أو الضيق بمشهد الدماء عند اضطرار السير على الأشواك!! 

في ظل دولة 30 يونيو لم ولن يدفعنا "شاطر" شرير مهما بلغ حجمه عن القدوم بحماس إلى دروب الجمهورية الجديدة الوطنية بعدما وافق رسميًا أكثر من 40 مليون مصري بتصويتهم في الانتخابات على الولوج إلى عتباتها؛ ليمنح من جديد شرعية للقيادة السياسية المنتصرة لكل قيم التقدم والإنجاز.