رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«القنبلة» التى تهدد صحة المصريين

فى شوارع مصر مئات المطاعم التى تهدد الأمن القومى المصرى، تسهم فى تأخر مصر وفى تدهور حياة المصريين، أصحاب هذه المحال قد لا يقصدون الضرر، ولكنهم يسهمون فى إيذاء المصريين أشد الأذى، ويستهترون بصحتهم أشد أنواع الاستهتار، إن ما يفعلونه يؤدى دون مبالغة لتراجع الناتج القومى، وإرهاق ميزانية الدولة، وتهديد حياة المواطنين، رغم أنهم يظنون أن ما يقومون به أمر جيد، ويعلنون عنه بصورة جذابة لا تخلو من الاستظراف والرغبة فى إقناع المواطن أن ما يتلقاه من أيدى هؤلاء الباعة، هو سر السعادة ومفتاح البهجة وقنبلة الحلويات، فى حين أنه ليس سوى مفتاح المرض والعذاب و«المرمطة» فى المستشفيات.. إن صحة المصريين ملف لا يقل أهمية عن تحديات السياسة وصعوبات الاقتصاد؛ لأنه بدون شعب سليم صحيًا لن يحارب شبابنا إذا استدعت السياسة أن نحارب، ولن ينتج شبابنا كما يجب رغم أنه دون إنتاج ناجح وغزير، فلا حل لمشاكل الاقتصاد.. ما أتحدث عنه هنا هو «تدهور طريقة غذاء المصريين فى محلات الشارع، وانتشار أكلات هى أقرب للسموم فى العديد من المطاعم فى شوارع مصر وذيوع صيتها عبر إعلانات السوشيال ميديا المكثفة ورخيصة التكلفة بالمقارنة بغيرها.. أنا لا أتحدث هنا عن استخدام خامات فاسدة أو العمل فى ظروف نظافة غير مثالية.. إلخ؛ لأن هذا ملف آخر، ومن المضحك أنه لا يمثل الخطر الأول الآن على صحة المصريين.. الخطر الأول الآن هو شيوع نمط غذائى يمكن الرمز إليه بـ«القنبلة»، خاصة فى مجال الحلوى.. فكرة القنبلة أن يضع صانعها كل شىء على كل شىء، ويدعو المصريين لالتهام هذا العك.. فإذا كان الجسم يحتاج مثلًا لمئة جرام من السكريات كى يشعر بالإشباع، فإن صانع القنبلة يقدم للمستهلك خمسة أضعاف ما يحتاج.. صانع القنبلة يضع مثلًا الأرز باللبن على قطعة من البسبوسة على قطعة من الآيس كريم على قطعة من الفاكهة ويقدمها للزبون.. وكى يكون السعر مناسبًا فهو يستخدم الزيوت النباتية بدلًا من الزبد الطبيعى، ومكسبات الطعم بدلًا من الخامات الطبيعية.. مع الوقت تحولت «القنبلة» إلى موضة بين المصريين.. فكرة القنبلة تقوم على «العك»، وضع بواقى كل شىء على كل شىء.. ظهرت سلسلة محال حلويات تقدم مزيدًا من القنابل.. آيس كريم على مهلبية على قشطة على كنافة على مكسرات.. إلخ.. قنبلة سعرات حرارية تقود متعاطيها بكل هدوء إلى معهد السكر وإلى طبيب السمنة، وتقلل من قدرته على العمل وعلى الحياة أساسًا.. تصاعد التقليد فظهر من يقدم للمصريين «كشرى الحلو»، وهو مزيج من الألبان والسكريات وبقايا الكنافة وبقايا الجلاش تطبيقًا للأغنية الشهيرة لأحمد عدوية «كله على كله».. عك غذائى وتهريج صحى وانهيار فى حاسة التذوق لدى المصريين.. فى مجال الأكل السريع انتشرت بشكل سرطانى محال «الكريب»، وهو نوع من الفطائر الإيطالية تحول لدينا إلى نوع من القنابل الغذائية، مكون من العجين زائد السمن الصناعى الضار زائد بقايا أى شىء داخل العجين، مثل اللحوم المصنعة والأجبان والمخللات وأى شىء داخل أى شىء.. المواطن معذور لأن هذه الأكلة مشبعة ورخيصة السعر نسبيًا.. هى تشبع رغبته فى أكلة ثقيلة ساخنة تملأ المعدة، لكنها تقوده إلى الموت والعجز حرفيًا.. فى الماضى كانت مطاعمنا الشعبية تقدم أكلتين صحيتين للغاية، الفول والطعمية فى الصباح «بروتين + سلطة خضراء + خبز بلدى جميل»، والكشرى وقت الغذاء «بروتين ممثلًا فى العدس، وكربوهيدرات ممثلة فى الأرز والمكرونة»، أكلة صحية للغاية وشهية ومدهشة.. تراجعت هذه الأكلات لحساب مطاعم العك التى تقدم «خلطبيطة» من كل شىء.. وللأسف فإن الدولة ممثلة فى وزارة الصحة لا تتدخل، لا بالنصح ولا بإلزام هذه المطاعم بعدد سعرات معينة فى كل «قنبلة» تقدمها للناس.. رغم أن الوزارة والدولة كلها هى التى تدفع الثمن.. فالأرقام تقول إن هناك ١١ مليون مصرى مصاب بمرض السكر من النوع الأول والثانى، يقف أغلبهم على الوزارة يطالبون بحل أزمة الأنسولين وبقرارات علاج على نفقة الدولة، وأنا أراهن بكل ما لدىّ أن عدد مرضى السكر فى مصر قد يزيد الضعف إذا استمررنا فى التهاون والسماح بانتشار «قنابل» الحلو، وديناميت القشطة، وصواريخ الدهون.. أرقام وزارة الصحة أيضًا هى التى تقول لنا إن ٤٠٪ من المصريين البالغين يعانون السمنة، وهى بالمناسبة سبب رئيسى فى أمراض القلب والضغط والكبد والاكتئاب.. لا يوجد شخص سمين يعمل كما يجب أو يعيش حياته كما يجب.. مسئولية التوعية أيضًا ملقاة على هيئة سلامة الغذاء فى مصر، التى نسمع عنها ولا نراها، ويختفى كل من يتولى رئاستها فى ظروف غامضة.. سلامة الغذاء تعنى ضمان عدم تسببه فى أى ضرر لمن يتعاطاه.. وأنا أتحدى أن يقول طبيب واحد فى العالم إن قنبلة الحلو وصاروخ الدهون لا يتسببان فى أضرار لمن يتعاطهما.. حتى لا أكون مزايدًا، فأنا أعرف أن سبب لجوء كثير من المواطنين لقنابل الحلو هذه يعود لأنها أرخص سعرًا بكثير من الحلوى التى يقدمها الحلوانى التقليدى الذى نعرفه جميعًا.. لكننى أقول إن قلة «الحلو» فى هذه الحالة أبرك ألف مرة، وإن علينا أن نستهلك الفواكه كما كان يفعل أجدادنا وآباؤنا.. ثمرة برتقال أو موز أو جوافة أبرك ألف مرة من نفايات هذه الحلويات، التى تتسبب من ضمن ما تتسبب فيه فى أزمة السكر.. على وزارة الصحة وهيئة سلامة الغذاء أن توقفا العبث بصحة المصريين، وعلى معهد التغذية المصرى أن يصدر بيانًا بكم السكريات المناسب لصحة المواطن العادى فى المراحل العمرية المختلفة.. كفانا «عكًا» فى هذا الملف الحيوى، الذى لا نهضة لمصر بدونه.. والله أعلى وأعلم.