رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النائب الفرنسى توماس بورتس لـ«الدستور»: صوت مصر مسموع وحاسم عالميًا لمنع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء

النائب الفرنسى توماس
النائب الفرنسى توماس بورتس

طالب توماس بورتس، البرلمانى الفرنسى عن حزب «فرنسا الأبية»، الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بالاعتراف رسميًا بدولة فلسطين، وبمحاسبة كل مواطن فرنسى شارك فى جرائم الحرب ضد الفلسطينيين إلى جانب دولة الاحتلال.

وقال «بورتس»، فى حواره مع «الدستور»، إن إسرائيل تتعمد قتل الصحفيين لحرمان الناس من الإدلاء بشهاداتهم، مشيرًا إلى أن دولة الاحتلال وجيشها يتصرفان مثل مجرمى الحرب.

وشدد على أنه من دون الدعم المباشر من الغرب ما كانت إسرائيل لتشن، فى غضون عشرين عامًا، حربين ضد جيرانها العرب، معتبرًا أن قتل الناس فى الضفة الغربية يكذب رواية إسرائيل حول دفاعها عن نفسها.

■ بداية.. ما تقييمك للوضع فى غزة؟

- بمرور الأيام ينكشف الرعب الذى يحدث فى غزة، ونرى جيش الاحتلال الإسرائيلى وهو يستهدف الصحفيين متعمدًا، كجزء من استراتيجية تهدف إلى جعل هذه الفظائع غير مرئية، وبالتالى حرمان الناس من فرصة الإدلاء بشهاداتهم، وعلينا مسئولية سياسية لمواصلة إدانة ما يحدث فى غزة.

وعلى مدار الشهرين الماضيين، حذر عدد متزايد من خبراء القانون الدولى ومنظمات حقوق الإنسان من الانتهاكات التى يعتبرونها «جرائم حرب» أو «جرائم ضد الإنسانية» أو «إبادة جماعية». وتسلط الأمم المتحدة، من خلال حوالى عشرين مقررًا خاصًا، الضوء على مخاطر الإبادة الجماعية، لا سيما التفجيرات التى توصف بأنها عشوائية، والحصار المفروض على غزة، والذى يعرض المدنيين هناك عمدًا لظروف معيشية تؤدى إلى تدميرهم كليًا أو جزئيًا، والنية المزعومة لنقل الفلسطينيين إلى مصر، كما كشفت وثائق وزارة المخابرات الإسرائيلية.

كل يوم، نشاهد الصور الآتية من غزة، ونرى وضعًا كارثيًا، مع مقتل أكثر من ٢٠ ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال. 

وأدت التفجيرات إلى نزوح ٨٥٪ من السكان جنوبًا إلى الحدود مع مصر، كما أن المستشفيات والمدارس وسيارات الإسعاف والجامعات ومخيمات اللاجئين والكنائس والمساجد لم تعد بعيدة عن القصف، لذا لا يوجد مكان آمن لسكان قطاع غزة، كذلك يؤدى نقص المياه والغذاء والدواء إلى تفاقم الوضع الرهيب بالفعل.

■ كيف ترى ادعاء دولة الاحتلال بأن جرائمها دفاع عن النفس؟

- الكلمات تعجز عن وصف الرعب الذى أمامنا، ويجب ألا نخشى إدانة تنظيم المذبحة والتخطيط لها، إن ما نشهده لا علاقة له بعملية دفاع عن النفس، بل هو مجزرة تهدف إلى محو الشعب الفلسطينى من الخريطة. 

إن القصف المتعمد للمستشفيات وأقسام الولادة وسيارات الإسعاف يتعارض مع القانون الدولى، نحن لا نواجه سلوك دولة ديمقراطية وجيشًا نظاميًا، إن إسرائيل وجيشها يتصرفان اليوم مثل مجرمى الحرب، وسيحاسب كل منهما على ذلك. 

وأرحب بالقرار الذى اتخذته جنوب إفريقيا بمقاضاة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية فى غزة، وأدعو فرنسا رسميًا إلى إحالة الأمر إلى محكمة العدل الدولية؛ لوضع حد لجنون إسرائيل القاتل.

■ لماذا لا يدعم الغرب وأوروبا وقف إطلاق النار فى غزة؟

- هناك عجز واضح، لا يملك أحدهم الشجاعة السياسية لفعل ذلك، الدعم الغربى لدولة إسرائيل عميق الجذور وطويل الأمد، ودون الدعم المباشر وغير المباشر والضمنى من الغرب، لم تكن إسرائيل لتشن، فى غضون عشرين عامًا، حربين ضد جيرانها العرب.

منذ بداية الحرب، حظيت سياسة حكومة نتنياهو، التى ركزت على «الحرب ولا شىء غير الحرب»، بدعم فورى من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، بما فى ذلك فرنسا، إذ أشاد جزء من الجمعية الوطنية بالدعم غير المشروط.

علاوة على ذلك، الصهيونية، كأيديولوجية سياسية، لها جذورها فى أوروبا فى القرن التاسع عشر، وبعد محرقة يهود أوروبا تعززت الفلسفة الصهيونية الغربية بقوة؛ بسبب الشعور بالذنب والتعاطف مع فكرة الدولة اليهودية، لقد تأثر ضمير الغرب بشدة بالجرائم المرتكبة ضد اليهود فى الدول الغربية، وينظر الرأى العام الغربى إلى إسرائيل من خلال عدسة غربية، وينظر إليها باعتبارها «دولة ضحية» تتمتع دائمًا بحقوقها، ولها الحق فى الدفاع عن نفسها.

■ كيف ترى الدور المصرى، سواء على صعيد تقديم المساعدات الإنسانية أو التوسط لإنهاء حرب غزة؟

- وضعت مصر نفسها دائمًا كوسيط رائد، ولذلك يتعين عليها تكثيف جهودها الدبلوماسية، مع تسليط الضوء على الأولوية المطلقة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، هذا الوقف هو وحده الذى سيسمح بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل فعال، نظرًا للعقبات المتعددة التى تواجه تقديم المساعدة فى الأراضى الخاضعة للحصار.

وفى مواجهة المخاوف المتزايدة بشأن احتمال الطرد القسرى للفلسطينيين على أراضيها جعلت مصر صوتها مسموعًا بحزم. 

■ كيف ترى ازدواجية الغرب فى التعامل مع المدنيين فى غزة وأوكرانيا؟

- المعاملة المتباينة واضحة للغاية، بمجرد إلقاء نظرة على الحقائق. عندما قصف فلاديمير بوتين المدنيين الأوكرانيين كانت هناك إدانة بالإجماع، وفرض الاتحاد الأوروبى عقوبات ضخمة وغير مسبوقة على روسيا ردًا على الحرب ضد أوكرانيا. وتشمل هذه العقوبات تدابير تقييدية مستهدفة «عقوبات فردية»، وعقوبات اقتصادية «القيود التجارية»، وتدابير التأشيرة.

فى المقابل، لم يتم اتخاذ أى عقوبات ضد إسرائيل. وبينما يحذر المقررون الخاصون للأمم المتحدة من خطر الإبادة الجماعية، وأن الآلاف من المدنيين يموتون تحت القنابل فى غزة، وأن الحصار الشامل لقطاع غزة محظور بموجب القانون الإنسانى الدولى، وأن الاستعمار، الذى وصفه بجرائم حرب، يتسارع منذ عدة سنوات. وبعد أسابيع من مقتل أكثر من ٢٥٠ فلسطينيًا فى الضفة الغربية، لم يتم فرض أى عقوبات، سواء سياسية أو مالية، ضد إسرائيل.

■ ما رأيك فى الدعوات والمحاولات الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين قسرًا إلى مصر؟

- هذه استراتيجية سياسية تم تطويرها بعناية ووضعها نظريًا لسنوات عديدة من قبل اليمين المتطرف الإسرائيلى، وحاليًا، تستخدم الحكومة الإسرائيلية مصطلح «الهجرة الطوعية» فى اتصالاتها. ولكن من يستطيع أن يصدق جديًا أن الفلسطينيين أمام خيار حقيقى؟ وفى بداية الهجوم، نصح الجيش الإسرائيلى الفلسطينيين بالتوجه جنوبًا؛ لضمان سلامتهم. واليوم، أصبح الجنوب هدفًا للقصف، ما أدى حاليًا إلى تشريد مليونى شخص، بينما تقوم إسرائيل بتهجير السكان.وبين الحرمان والتهديدات وأعمال العنف، لا يشكل هذا بأى حال من الأحوال عرضًا للاختيار للفلسطينيين، على عكس ما يدعيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. بل هو بالأحرى تهجير قسرى للسكان، وهو واقع يجب أن ندينه إدانة قاطعة. 

ونحن نرى أن هذه نكبة ثانية، وتسعى الحكومة الإسرائيلية إلى القضاء على الشعب الفلسطينى، جسديًا وعبر طرد الناجين. إن بقاء الشعب الفلسطينى نفسه معرض للخطر حاليًا.

■ ما رسالتك للحكومة الإسرائيلية؟

- أبعث برسالة واضحة إلى المتطرفين الذين يديرون الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلى: «لا مجرمو الحرب الإسرائيليون، ولا العنصريون فى الحكومة، ولا القصف العشوائى للمدنيين، ولا التطهير العرقى المنظم سينجح فى محو الشعب الفلسطينى، للفلسطينيين الحق فى العيش والوجود واحترام حقوقهم والاعتراف بدولتهم».

ويتعين على المجتمع الدولى أن يضمن عدم التواطؤ مع استراتيجية نتنياهو، ويتعين عليه أن يتخذ الخطوات اللازمة لضمان بقاء الفلسطينيين فى فلسطين.

■ كيف تفسر الدعم الأمريكى الكبير لإسرائيل؟

- قدمت الولايات المتحدة باستمرار دعمًا كبيرًا لإسرائيل. وفى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض «الفيتو» أكثر من ٨٠ مرة؛ لمنع التحذيرات أو العقوبات الموجهة ضد إسرائيل.

هناك مشهد ملفت للنظر من الأسابيع الأخيرة يظل محفورًا فى ذاكرتى: «اليد التى رفعها ممثل الولايات المتحدة فى أثناء التصويت فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فى الثامن من ديسمبر على القرار، الذى يدعو إلى وقف فورى لإطلاق النار». من خلال رفع هذه اليد، حكمت الولايات المتحدة، بحكم الأمر الواقع، على آلاف الفلسطينيين بالموت المؤكد. وهذا الموقف لا يفاجئنى، لأن الولايات المتحدة ظلت لعقود من الزمن الحليف الرئيسى لإسرائيل فى المنطقة. هذا التحالف له جذوره فى الاعتبارات الجيوسياسية والاقتصادية.

وهناك جانب غالبًا ما يتم التغاضى عنه، وهو وجود جماعات ضغط إسرائيلية قوية فى الولايات المتحدة، مثل لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية «إيباك»، التى تأسست عام ١٩٦٣، والتى تسعى إلى التأثير على النقاش الوطنى، من خلال ضخ مبالغ كبيرة من المال فى الحملات الانتخابية لمختلف المشارب السياسية.

■ كيف يمكن تحقيق السلام الدائم فى فلسطين؟

- تتلخص الأولوية الأولى فى التوصل إلى وقف فورى لإطلاق النار لإنهاء الأعمال الوحشية فى غزة، وإنهاء قتل المدنيين، وتأمين إطلاق سراح جميع الرهائن.

إن بناء سلام عادل ودائم سيكون عملية شاقة، تنطوى على خطوات حاسمة، مثل الوقف الفورى للاستيطان ورحيل جميع المستوطنين الإسرائيليين، والرفع الكامل للحصار المفروض على غزة، والاعتراف الرسمى بالفلسطينيين، والإفراج عن السياسيين الأسرى، فضلًا عن احترام إسرائيل القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة.

■ ما آخر تطورات التحقيق الذى طلبتموه بشأن تورط آلاف الجنود الفرنسيين فى الحرب على غزة؟

- فى الوقت الحالى، لم أتلق أى تعليقات بشأن الطلبات التى قدمتها إلى وزير العدل والمدعى العام فى باريس، وآمل أن تسير الخطوات فى الاتجاه الصحيح، وأن يتم إجراء تحقيقات شاملة. 

ومع مشاركة أكثر من أربعة آلاف مواطن فرنسى، أو فرنسى إسرائيلى، إلى جانب الجيش الإسرائيلى على الجبهة فى غزة تمثل فرنسا ثانى أكبر فرقة بعد الولايات المتحدة.